منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تصاعدت موجة الاعتقالات الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين، التي لم تستثنِ الأطفال، النساء، العاملين في الطواقم الطبية، والدفاع المدني، إلى جانب رجال مدنيين. منذ بداية العمليات البرية للجيش الإسرائيلي في غزة يوم 27 أكتوبر، اعتقل الآلاف من الفلسطينيين تحت ذرائع واهية، مثل دعم المقاومة أو لمجرد كونهم رجالاً في سنّ القتال.

رغم إطلاق سراح بعض الأسرى على فترات متباعدة، إلا أن أغلبهم لا يزال يقبع في المعتقلات الإسرائيلية، في ظروف قاسية ترقى إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. منظمة "بتسيليم" الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان نقلت في تقارير متعددة عن أسرى أُطلق سراحهم، تفاصيل مروعة عن الظروف التي يمر بها الأسرى، مشيرة إلى سياسة منهجية قوامها التنكيل، التعذيب، والإهمال الطبي المتعمد.

معسكرات الاعتقال والتنكيل
تشير تقارير "بتسيليم" إلى أن العديد من الأسرى تعرضوا لأشكال متعددة من الانتهاكات، بما في ذلك "العنف الجسدي المتكرر، الاعتداءات الجنسية، الإهانة، التجويع، والحرمان من العلاج الطبي". في تقرير صدر في أغسطس 2024 بعنوان "أهلا بكم في جهنم"، وثقت المنظمة أوضاعاً مأساوية داخل 12 منشأة اعتقال مدنية وعسكرية. هذه المنشآت، وفق التقرير، تحوّلت إلى معسكرات هدفها الأساسي إذلال الأسرى الفلسطينيين.

بحلول يوليو 2024، كان هناك حوالي 9 آلاف و623 أسيراً فلسطينياً في السجون الإسرائيلية، وهو ما يعادل تقريباً ضعف العدد قبل بدء الأحداث في  أكتوبر 2023. من بين هؤلاء الأسرى، كان هناك أكثر من 4 آلاف و781 معتقلاً إدارياً، أي دون توجيه تهمة رسمية أو محاكمة.

رغم أن تقديرات الأعداد الرسمية للأسرى منذ بدء الحرب لا تزال غير متوفرة من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ذكرت أن الجيش الإسرائيلي اعتقل أكثر من 4 آلاف و500 فلسطيني من قطاع غزة منذ بدء المعارك.

منشآت الاعتقال والتعذيب المنهجي
يعد معسكر الاعتقال "سدي تيمان" بين النقب وقطاع غزة من أسوأ مراكز التنكيل بالأسرى الفلسطينيين. تم احتجاز مئات الفلسطينيين فيه بتهمة أنهم "مقاتلون غير شرعيين"، وفق ما وثقته "جمعية حقوق المواطن" الإسرائيلية. وبحسب تقرير صادر عن الجمعية، تعرض الأسرى لعمليات تعذيب جسدي ونفسي مروعة، شملت "تقييد أيدي المعتقلين في أوضاع مؤلمة، وإجراء عمليات جراحية دون تخدير، والضرب، والإهمال الطبي الشديد".

في أواخر يوليو 2024، أثارت حادثة اعتداء جنسي على أسير فلسطيني في "سدي تيمان" ضجة إقليمية ودولية، بعدما تم توقيف 10 جنود إسرائيليين للاشتباه بارتكابهم هذه الجريمة. ورغم الانتقادات الدولية، استمرت الانتهاكات، مع محاولة مسؤولين إسرائيليين التفافاً على التحقيقات. أحد هؤلاء المسؤولين كان وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، الذي شارك في اقتحام معسكر "سدي تيمان" إلى جانب أعضاء من الكنيست في تظاهرة تضامنية مع الجنود المتهمين.

المطالبة بمحاسبة المسؤولين
في ظل هذه الجرائم الممنهجة، طالبت منظمات حقوقية دولية وإسرائيلية بالتحقيق في حالات التعذيب التي يُمارسها الجيش الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين، محذرين من أن هذه الانتهاكات قد تؤدي إلى محاكمة قادة الجيش أمام محكمة العدل الدولية. وفي هذا السياق، طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت لمسؤوليتهما عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.

الاستشهاد تحت التعذيب
ووفق تقرير لصحيفة "هآرتس" في يوليو 2024، فإن الجيش الإسرائيلي يحقق في 48 حالة وفاة لفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، معظمهم من أسرى غزة. 36 من هؤلاء الأسرى لقوا حتفهم داخل معسكر "سدي تيمان". رغم المطالبات المتكررة بإغلاق هذا المعسكر، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية الالتماسات المقدمة من منظمات حقوقية لإغلاقه.

وفي خطوة تعزز سياسة الإفلات من العقاب، دعا وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في يوليو الماضي إلى الإبقاء على المعسكرات مفتوحة، مبرراً أن "اكتظاظ السجون بالأسرى الفلسطينيين أمر جيد". كما طالب في سبتمبر بزيادة ميزانيات بناء مراكز اعتقال جديدة، في ظل تضاعف أعداد المعتقلين منذ بدء الحرب.

إذلال الأسرى العراة
لم تتوقف انتهاكات الاحتلال عند حدود التعذيب الجسدي والنفسي. ففي ديسمبر 2023، تم تداول صور ومقاطع فيديو لأسرى فلسطينيين وهم عراة داخل معسكرات الاعتقال. ورغم محاولة السلطات الإسرائيلية تبرير هذه الممارسات بأنها إجراءات أمنية، فإن منظمات حقوق الإنسان أكدت أن الهدف من هذه السياسات هو إذلال الأسرى والنيل من كرامتهم.
ختاما ؛ جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين منذ بدء الحرب على غزة تُظهر بوضوح الوجه القبيح لسياسة القمع التي يمارسها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. ومع استمرار هذه الانتهاكات، تتزايد المطالب الدولية بضرورة محاسبة المسؤولين الإسرائيليين على الجرائم التي ارتكبوها بحق الأسرى، والتي ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.