أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن قناة السويس فقدت ما بين 50% إلى 60% من إيراداتها منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة قبل نحو عام، وهو ما يعادل خسائر تُقدّر بأكثر من 6 مليارات دولار. جاءت تصريحات السيسي خلال حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة أكاديمية الشرطة في القاهرة، حيث ألقى الضوء على الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تواجهها مصر والمنطقة بشكل عام.

تراجع إيرادات قناة السويس وتبريرات السيسي
أوضح السيسي أن قناة السويس، التي تُعد واحدة من أهم مصادر الإيرادات لمصر، قد تضررت بشدة جراء التوترات الإقليمية، لا سيما الحرب الإسرائيلية على غزة.

وذكر السيسي أن هذه الحرب كانت لها تداعيات خطيرة على حركة الملاحة في البحر الأحمر، مما دفع العديد من السفن لتجنب المرور عبر القناة خوفًا من التهديدات الأمنية.

تأتي تصريحات السيسي في وقت يشهد فيه الاقتصاد المصري ضغوطًا متزايدة، من بينها ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية. لكن بدلاً من تقديم حلول ملموسة للأزمة الاقتصادية، يلجأ السيسي إلى تحميل الأوضاع الإقليمية المسؤولية عن هذه الخسائر، دون التطرق إلى أي تقصير أو سوء إدارة من قبل السلطات المصرية.

السيسي وإدارة الأزمة: تغليب التبريرات على الحلول
منذ بداية الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمصر، لجأ السيسي إلى تقديم تبريرات تعتمد بشكل كبير على الظروف الخارجية. في هذا السياق، جاءت تصريحاته المتعلقة بالخسائر في قناة السويس، حيث ألقى باللوم على الحروب والنزاعات في المنطقة، متجاهلاً التحديات المحلية التي قد تكون ساهمت في تدهور أوضاع القناة.

يُشار إلى أن قناة السويس قد شهدت العديد من التحديات خلال السنوات الأخيرة، من بينها أزمة سفينة "إيفر غيفن" التي أغلقت الممر الملاحي لفترة قصيرة في عام 2021، والتي أثارت انتقادات حول إدارة الأزمة حينها. ورغم الإجراءات التي تم اتخاذها لتوسيع وتعزيز القناة، إلا أن هذه الجهود لم تمنع حدوث تراجع كبير في الإيرادات.

الأزمات الإقليمية وتأثيرها على قناة السويس
رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، سبق وأشار إلى أن إيرادات القناة تراجعت بنسبة 23.4% لتصل إلى 7.2 مليارات دولار خلال العام المالي 2023-2024، مقارنة بـ9.4 مليارات دولار في العام المالي 2022-2023. وذكر ربيع أن حركة الملاحة عبر القناة تأثرت بشدة بالأزمة الأمنية في البحر الأحمر، حيث فضلت العديد من السفن اتخاذ طرق بديلة خوفاً من استهدافها من قبل المجموعات المسلحة في المنطقة.

الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة ليست السبب الوحيد لتراجع حركة الملاحة. فالأوضاع في لبنان وتصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، بالإضافة إلى الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، تزيد من تعقيد الوضع. كما أن الحروب المستمرة في السودان وعدم الاستقرار في ليبيا يزيدان من مخاطر المنطقة.

فشل الحكومة في اتخاذ إجراءات استباقية
من المؤكد أن الظروف الإقليمية تلعب دورًا في التأثير على إيرادات قناة السويس، ولكن لا يمكن إنكار أن هناك عوامل أخرى تتعلق بإدارة الأزمة. الحكومة المصرية فشلت في اتخاذ إجراءات استباقية للتعامل مع التحديات الأمنية التي تواجه الملاحة في البحر الأحمر، ولم تُقدّم أي حلول فعالة لتعويض الخسائر الناجمة عن هذه التوترات.

إضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد الكبير على قناة السويس كمصدر رئيسي للإيرادات يعكس قصورًا في تنويع مصادر الدخل القومي. في حين أن العديد من الدول تسعى إلى تنويع اقتصادها من خلال تعزيز قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، لا تزال مصر تعتمد بشكل كبير على موارد محدودة قد تتأثر بالتوترات الجيوسياسية.

أزمة الثقة وتراجع الشفافية
من الملاحظ أن الحكومة المصرية تتبع نهجًا غير شفاف في التعامل مع الأزمات الاقتصادية. بدلاً من تقديم بيانات واضحة ودقيقة حول الخسائر وأسبابها، يعتمد المسؤولون على التبريرات العامة المتعلقة بالأوضاع الإقليمية، وهو ما يفاقم أزمة الثقة بين الحكومة والشعب.

تأتي تصريحات السيسي في وقت تتزايد فيه الانتقادات حول إدارة الشؤون الاقتصادية والسياسية في البلاد. ومع تصاعد الغضب الشعبي بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، يحاول النظام تعزيز صورته من خلال تأكيد استقرار الوضع الأمني والاقتصادي، رغم الواقع الذي يشير إلى عكس ذلك.

تأثيرات أوسع على الاقتصاد المصري
الخسائر التي تكبدتها قناة السويس ليست مشكلة معزولة، بل هي جزء من أزمة اقتصادية أوسع تواجهها مصر. الاقتصاد المصري يعاني من ارتفاع الدين العام، وتراجع قيمة الجنيه، وارتفاع معدلات البطالة، بالإضافة إلى التضخم المتزايد. في هذا السياق، تمثل خسائر قناة السويس ضربة قوية للإيرادات القومية، التي تعد مصر في أمسّ الحاجة إليها.
مع تزايد الضغوط الاقتصادية، اضطرت الحكومة إلى بيع أصول هامة وشركات حكومية للمستثمرين الأجانب. هذا التوجه يعكس مدى الأزمة المالية التي تواجهها البلاد، ويثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على الحفاظ على الموارد الاستراتيجية في ظل الضغوط المتزايدة.

الحاجة إلى إصلاحات جذرية
الأزمة التي تواجهها قناة السويس تسلط الضوء على الحاجة الملحة لإجراء إصلاحات جذرية في الاقتصاد المصري. على الحكومة أن تتبنى سياسات اقتصادية أكثر استدامة، تعتمد على تنويع مصادر الدخل وتطوير قطاعات اقتصادية جديدة.

علاوة على ذلك، يجب على الحكومة تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأزمات. على الرغم من التحديات الإقليمية التي لا يمكن إنكارها، فإن الفشل في اتخاذ تدابير فعالة لتعويض الخسائر يظهر قصورًا في الإدارة. كما أن الاعتماد على تبريرات مثل الأوضاع الإقليمية ليس كافيًا لتهدئة الانتقادات المتزايدة.

ختاما ؛ في ظل التحديات التي تواجهها مصر، لا يمكن للحكومة أن تستمر في الاعتماد على تبريرات مثل الأوضاع الإقليمية لتبرير الفشل في إدارة الأزمات الاقتصادية. ينبغي على النظام المصري أن يتخذ خطوات فعالة لإصلاح الاقتصاد وتعزيز الثقة بين الحكومة والشعب.