في ظل أزمات الطاقة المتكررة التي تعاني منها مصر منذ عدة سنوات، قررت الحكومة المصرية زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي من إسرائيل بنسبة 38%، لسد العجز في إنتاج الغاز المحلي وتلبية احتياجات السوق المحلي. هذه الخطوة تأتي على الرغم من الانتهاكات المتكررة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي للأراضي والحقوق المصرية، ما يثير تساؤلات حول الخيارات الاستراتيجية المتاحة أمام الحكومة المصرية في ظل أزمات اقتصادية خانقة وواقع سياسي معقد. تفاقم أزمة الطاقة في مصر تشهد مصر أزمة طاقة مستمرة، حيث تزايدت فترات انقطاع التيار الكهربائي خلال الصيف الماضي، ما أدى إلى خسائر كبيرة للقطاعات الصناعية والتجارية وزيادة الضغط على المواطنين. في هذا السياق، تسعى الحكومة لتجنب تكرار هذه الأزمة خلال فصلي الخريف والشتاء، حيث تتزايد الحاجة إلى تأمين مصادر طاقة مستقرة لتلبية الطلب المرتفع على الكهرباء. في محاولة لتجاوز هذه الأزمة، تجري الحكومة مفاوضات مع جهات تمويل دولية لتوفير نحو ملياري دولار لشراء الغاز والمواد البترولية، كما حصلت على موافقة من السعودية وليبيا على تقديم 200 مليون دولار لتمويل صفقة شراء الغاز خلال شهري أكتوبر ونوفمبر. وبالتوازي، اتفقت الحكومة مع إسرائيل على زيادة الشحنة اليومية من الغاز الإسرائيلي بنسبة 18% خلال سبتمبر الجاري، على أن ترتفع النسبة إلى 20% في أكتوبر، لتصل الشحنة إلى 1.2 مليار قدم مكعبة يومياً. الاعتماد المتزايد على الغاز الإسرائيلي: خطوة مثيرة للجدل تواجه الحكومة المصرية انتقادات واسعة بسبب اعتمادها المتزايد على الغاز الإسرائيلي، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لانتهاكاته ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. هذه الخطوة تعتبرها بعض الأطراف بمثابة تطبيع اقتصادي غير مباشر مع الاحتلال، في وقت تتزايد فيه الدعوات الشعبية في مصر والعالم العربي إلى مقاطعة المنتجات والشركات الداعمة لإسرائيل. تستورد وزارة البترول المصرية الغاز من إسرائيل بموجب اتفاقية وقعتها في عام 2020، تلزم شركة دولفينوس القابضة المصرية بشراء الغاز من شركة نوبل إنرجي الإسرائيلية، التي آلت ملكيتها إلى "ديليك دريلينغ" الإسرائيلية و"شيفرون" الأميركية، بقيمة 15 مليار دولار. هذه الاتفاقية التي كان من المتوقع أن تسهم في دعم استقرار إمدادات الطاقة في مصر، باتت اليوم مثار جدل واسع بسبب ارتباطها بدولة الاحتلال. مع انخفاض إنتاج الغاز المحلي وتراجع الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي، تواجه مصر تحديات كبيرة في تلبية احتياجاتها من الطاقة. تشير التقديرات إلى أن الإنتاج المحلي من الغاز قد تراجع بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين، نتيجة لعدم قدرة الحكومة على سداد مستحقات شركات الإدارة الأجنبية، ما دفع هذه الشركات إلى تقليص أنشطتها في مصر. في هذا السياق، تسعى الحكومة إلى زيادة الاعتماد على واردات الغاز من إسرائيل، وتأمل في رفع الإنتاج المحلي خلال العام المقبل، لتقليص الفجوة بين الواردات والصادرات من الغاز الطبيعي. ومع ذلك، يتوقع خبراء الطاقة استمرار تراجع إنتاج الغاز المحلي بحلول نهاية عام 2028، في ظل نقص الاستثمارات اللازمة لتطوير الآبار واستكشاف مناطق جديدة، ما يزيد من حدة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد. تداعيات سياسية واقتصادية لزيادة الاعتماد على الغاز الإسرائيلي من الناحية السياسية، تثير هذه الخطوة تساؤلات حول توجهات السياسة الخارجية المصرية، وعلاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في ظل موقف مصر الرسمي الداعم للحقوق الفلسطينية. كما أن التوسع في الاعتماد على الغاز الإسرائيلي قد يزيد من التبعية الاقتصادية والسياسية للقاهرة تجاه تل أبيب، في وقت يتزايد فيه الضغط الدولي على مصر لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان والإصلاحات الاقتصادية. اقتصاديًا، يمكن أن يؤدي الاعتماد المتزايد على الغاز الإسرائيلي إلى تفاقم الأزمة المالية التي تواجهها مصر، حيث أن تكلفة استيراد الغاز من إسرائيل أعلى من تكلفة الإنتاج المحلي. وعلى الرغم من أن الحكومة تسعى لتوفير الدولار اللازم لشراء صفقات الغاز من خلال قروض وتمويلات دولية، إلا أن هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى زيادة الديون الخارجية وتفاقم عجز الموازنة العامة. الحلول المستقبلية والبدائل الممكنة في ظل هذه التحديات، بات من الضروري أن تسعى الحكومة المصرية إلى تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز المحليين. كما يمكن أن يشكل التوسع في استخدام الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حلاً مستدامًا لتقليل الاعتماد على الغاز المستورد وضمان استقرار إمدادات الطاقة.
إضافة إلى ذلك، يتعين على الحكومة العمل على تحسين بيئة الاستثمار لجذب المزيد من الشركات الأجنبية لتطوير حقول الغاز والنفط، وتقديم حوافز مالية وتشريعية لضمان استمرار أنشطتها. وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون هناك جهود حقيقية لتعزيز كفاءة استخدام الطاقة وتقليل الهدر، بما يسهم في تقليل الضغط على الموارد المتاحة وتخفيف العبء عن كاهل الاقتصاد الوطني. ختاما ؛ في ظل استمرار انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد الأراضي الفلسطينية وتزايد التوترات في المنطقة، يأتي اعتماد مصر المتزايد على الغاز الإسرائيلي كخطوة مثيرة للجدل ومليئة بالتحديات. وبينما تسعى الحكومة لتأمين احتياجاتها من الطاقة وتفادي أزمة انقطاع الكهرباء، تظل هذه الخطوة مرهونة بتبعات سياسية واقتصادية قد تؤثر على الاستقرار الداخلي وتزيد من تعقيد الأوضاع في المستقبل القريب.

