ممدوح الولي

 

في ضوء النقص الحاد للعملات الأجنبية، لجأت السلطات المصرية لعديد من الوسائل لحل المشكلة، بداية بالتضييق على الواردات إلى الحصول على ودائع خليجية وقرض من صندوق النقد الدولي، وبيع جانب من أصول شركات حكومية وأخرى خاصة وإصدار صكوك تمويل سيادية.

ثم لجأت لعدد من الوسائل الأخرى، منها إعفاء المغتربين من رسوم استيراد السيارات مقابل إيداع قيمة تلك الرسوم بالدولار لمدة 5 سنوات واستردادها بالجنيه المصري بلا فوائد، وبيع أراضي ووحدات سكنية بالدولار، ومنح الجنسية المصرية مقابل شراء عقار أو استثمار أو وديعة، ورفع معدل الفائدة على الودائع الدولارية، وقبول الودائع بعملات كل من السعودية والإمارات وقطر.

ومع عدم نجاح كل تلك الوسائل في تضييق الفجوة الدولارية، لجأت السلطات المصرية لتخفيف شروط استيراد المغتربين للسيارات من الخارج، ثم لجأت مؤخرا لتخفيف شروط منح الجنسية مقابل شراء عقار أو الدخول في استثمارات أو إيداع ودائع دولارية.

بدأت قصة منح الجنسية المصرية مقابل ودائع دولارية عام 2016، الذي شهد نقصا في العملات الأجنبية وانتشار تعاملات السوق السوداء بالدولار، إذ أعلن حينها رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان علي المصيلحي (وزير التموين حاليا) مايو 2016 اقتراح منح الجنسية المصرية للعرب، خاصة العراقيين والسوريين والأردنيين والليبيين، مقابل ودائع أسوة ببعض دول أوروبا، وتوقع أن يجلب ذلك للدولة 585 مليون دولار سنويا.

 

تحفّظ مجلس الدولة على منح الجنسية بودائع

في الشهر التالي، تقدم وزير الدولة للشؤن القانونية مجدي العجاتي للبرلمان بتعديلات قانونية تتيح للأجانب الحصول على الجنسية المصرية مقابل ودائع دولارية، الأمر الذي قوبل باعتراضات حتى من بعض الموالين للنظام، مع موافقة الأغلبية القادمة للبرلمان عبر الأجهزة السيادية، وتمت إحالة تلك التعديلات لقسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعتها، وقد أبدى تحفظات عليها.

جاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بشهر نوفمبر بما جلبه من قروض بلغت قيمتها 12 مليار دولار، وقروض من مؤسسات دولية وإقليمية ودول أخرى بقيمة مماثلة، وتدفق الأموال الساخنة وإصدار سندات دولية، مما أدى لتأجيل إصدار تعديلات منح الجنسية مقابل ودائع.

لكن مع خروج قدر كبير من الأموال الساخنة من مصر عام 2018، عاد الاهتمام بمشروع منح الأجانب الجنسية مقابل ودائع للحصول على قدر من الدولارات يعوض خروج الأموال الساخنة، وبالفعل صدر القانون 173 لسنة 2018 أغسطس ليضيف لأنواع إقامة الأجانب بمصر قسما جديدا تحت مسمى أجانب ذوي إقامة بوديعة، ونص القانون على أنها لا تقل عن 7 ملايين جنيه أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية، تؤول للخزانة العامة.

ويمكن لمقدم الوديعة الحصول على الجنسية المصرية إذا كان قد أقام بمصر لمدة 5 سنوات متتالية سابقة على طلب التجنس، وهي شروط تنطبق على بعض العرب الموجودين في مصر نتيجة مشاكل داخلية ببلادهم، مثل السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين.

 

4 خيارات لحصول الأجانب على الجنسية

في العام التالي، صدر القانون 140 لسنة 2019 في يوليو ليحذف مسألة الإقامة بوديعة، ويفتح المجال لمنح الأجانب الجنسية المصرية عبر عدة طرق تشمل:

  • شراء عقار مملوك للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة.

  • أو من خلال إنشاء مشروع استثماري.
  • أو بإيداع مبلغ مالي بالعملة الأجنبية يؤول للخزانة العامة.

وينص على إنشاء وحدة بمجلس الوزراء لتلقي طلبات الجنسية عبر تلك الوسائل الثلاث، بعد أداء رسم قيمته 10 آلاف دولار، وأناط برئيس الوزراء إصدار القرارات التنفيذية لذلك. وهو ما قام به بالفعل في الشهر الأخير من العام بتحديد المبالغ المطلوبة بكل خيار من الخيارات الأربعة للحصول على الجنسية:

أولها: شراء عقار مملوك الدولة بما لا يقل عن نصف مليون دولار يكون محولا من الخارج.

والثاني: إنشاء مشروع أو المشاركة في مشروع استثماري بما لا يقل عن 400 ألف دولار تحول من الخارج، على ألا تقل نسبة المشاركة بالمشروع عن 40% من رأسماله.

الخيار الثالث: خاص بإيداع مبلغ بالدولار الأميركي واسترداده بالجنيه المصري بعد فترة بدون فوائد على أن يكون واردا بتحويل مصرفي من الخارج، وذلك إما بإيداع مبلغ 750 ألف دولار يسترد بالجنيه المصري بعد 5 سنوات بدون فوائد، أو بإيداع مليون دولار أميركي لمدة 3 سنوات يسترد بعدها بالجنيه المصري بدون فوائد.

أما الخيار الرابع: فكان إيداع 250 ألف دولار أميركي بتحويل بنكي من الخارج يؤول كاملا للخزانة العامة.

وفي حال تصرف طالب الجنسية في العقار الذي اشتراه قبل 5 سنوات، أو تم إيقاف المشروع الاستثماري الذي ساهم فيه أو تصفيته، أو تصرف في حصته به، فعليه القيام بإيداع 250 ألف دولار لاستمرار حصوله على الجنسية المصرية، أو قيامه بالتصرف في العقار الذي اشتراه أو بمساهمته بالمشروع إلى الدولة بدون مقابل.

 

تقسيط قيمة العقار والوديعة غير المستردة لمدة عام

من الواضح أن تلك الخيارات لم تلق إقبالا كبيرا إلا من بعض السوريين والعراقيين المقيمين بمصر، الذين يتعرضون لمضايقات أمنية بين الحين والآخر عند تجديد إقامتهم، ورغم أن الوحدة المختصة ببحث طلبات اكتساب الجنسية لم تعلن أعداد من حصلوا عليها، فإن قانون الجنسية رقم 26 لعام 1975 يُلزِم نشر حالات اكتساب الجنسية بالجريدة الرسمية، وفي ضوء ما نشرته الجريدة الرسمية منذ ذلك الحين، لا توجد سوى حالات قليلة لمنح الجنسية.

لهذا كانت التيسيرات الجديدة التي أعلنها رئيس الوزراء في الثاني من الشهر الحالي، إذ خفض القيمة المطلوبة في 3 من الخيارات الأربعة، كما خفف شرط أن يكون المبلغ قادما من تحويل بنكي من الخارج فقط، بأن سمح بتوريد ذلك المبلغ أيضا من الداخل شريطة أن يكون قد دخل البلاد من أحد المنافذ الجمركية، وحذف شرط المساهمة في مشروع استثماري بنسبة 40% على الأقل ليصبح الاستثمار بدون أي نسبة محددة.

 

يمكن توضيح أهم التغييرات في النقاط التالية:

1 - أصبحت قيمة شراء العقار 300 ألف دولار بدلا من 500 ألف دولار.

2 - أصبحت قيمة المساهمة في مشروع استثمار 350 ألف دولار بدلا من 400 ألف دولار مع إيداع 100 ألف دولار للخزانة العامة لا تُرد.

3 - انخفضت قيمة الوديعة الدولارية التي سترد بالجنيه لنصف مليون دولار بدلا من 750 ألف دولار أو مليون دولار.

4 - تم الاكتفاء بمدة 3 سنوات لها وإلغاء مدة 5 سنوات السابقة، أما الوديعة التي ستؤول للخزانة المصرية والبالغة ربع مليون دولار، فظلت كما هي.

كما أتاحت التعديلات جواز تقسيط سداد قيمة العقار الذي يتم شراؤه، وكذلك تقسيط المبلغ الذي سيتم دفعه للخزانة العامة من دون رد، والبالغ ربع مليون دولار على 12 شهرا، يتم منح طالب الجنسية خلالها إقامة مؤقتة.

ويظل السؤال حول مدى نجاح تلك التيسيرات لمنح الجنسية للأجانب في الحصول على موارد دولارية تساهم في سد جانب من النقص الحاد الحالي، وترتكز الإجابة على أن التوقيت الحالي لا يساهم في تحقيق تلك التيسيرات لأهدافها، من حيث عدم استقرار سعر الصرف حتى الآن، والتوقعات التي تشير إلى خفض جديد لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، وبالتالي فإن من يود شراء عقار مصري أو المساهمة في استثمار بمصر، سينتظر حتى يستقر سعر الصرف كي يشتري بتكلفة دولارية أقل.

 

انخفاض الجنيه أضاع مكاسب الأجانب بالعقار

إن توقف البنوك المصرية حاليا عن تمويل الواردات مرة أخرى سينعكس سلبا على إمكانية استيراد المشروعات لاحتياجاتها من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وهو ما ظهر مؤخرا مع مصانع الأعلاف التي تشكو حاليا من صعوبة الإفراج عن المكونات من فول الصويا والذرة الصفراء من الموانئ، رغم أن السلطات قد أعطت المواد الغذائية أولوية في تدبير الدولار لاستيراد احتياجاتها.

تُضاف إلى ذلك التجربة السلبية التي تعرض لها من قاموا بشراء عقارات مصرية عام 2016، فرغم زيادة قيمتها المقومة بالجنيه المصري حاليا عما كانت عليه قبل 7 سنوات لنحو الضعف، فإنه عند تحويل تلك القيمة للعقار بالدولار -في ضوء انخفاض سعر الصرف الرسمي نحو 97% في أقل من عام- يصبح العائد المتحقق لهم محدودا، حتى أنه أقل مما كان من الممكن أن يحصلوا عليه لو تركوا المبالغ في صورة ودائع دولارية، وهو ما يتكرر مع قيمة استثماراتهم في شركات أيضا.

تضاف لذلك المنافسة غير المتكافئة من جانب الجهات السيادية التي توغلت في الأنشطة الاقتصادية، وحالة الركود المستمرة بالأسواق مع تراجع القوى الشرائية، ووجود سوق سوداء للدولار وارتفاع معدلات التضخم، والقرارات الحكومية الفجائية التي تربك القطاع الصناعي، مثل قرارات رفع أسعار الطاقة، وحالة مناخ الاستثمار غير المستقرة التي دفعت كثيرا من رجال الأعمال المصريين إلى إخراج أموالهم خارج البلاد ويعملون بقروض من البنوك.

هذا إلى جانب المعاملة التفضيلية التي يجدها أصحاب الجنسيات الأجنبية خلال تعاملهم مع الجهات الرسمية، بالمقارنة مع أسلوب التعامل مع المستثمرين المحليين، كما أن جواز السفر المصري يتيح السفر إلى عدد أقل من بلدان العالم، بالمقارنة مع ما تتيحه جوازات السفر في دول أخرى عديدة تمنح جنسيتها، مقابل استثمارات أو شراء عقارات أو دفع ودائع لا ترد، بالإضافة لاستقرار مناخها الاستثماري.

هكذا يمكن أن يستفيد بعض أفراد الجنسيات العربية الموجودين في مصر، خاصة السوريين والعراقيين، من تلك التيسيرات الجديدة لمنح الجنسية، إلا أن الحصيلة لن تكون كبيرة ولا تتلاءم بالمرة مع حجم الاحتياجات الدولارية التي تتعدد جوانبها من 22 مليار دولار لسد العجز الدولاري بالجهاز المصرفي، و20 مليار دولار لسداد أقساط وفوائد الدين الخارجي المتوسط والطويل الأجل، بخلاف أقساط وفوائد القروض القصيرة الأجل الأكبر بالقيمة، وتمويل الواردات السلعية التي يصل متوسطها إلى نحو 8 مليارات دولار شهريا.