في مقال نشره موقع الجزيرة باللغة الإنجليزية، تقتطف الكاتبة "روشا لطيف" من كتابها "شباب التحرير: قادة ثورة بلا قائد (Tahrir’s Youth: Leaders of a Leaderless Revolution)". وتروي الكاتبة قصة النشطاء الشباب الذين أشعلوا الانتفاضة الجماهيرية في مصر التي أدت إلى تنحي حكومة الرئيس الأسبق "حسني مبارك" في عام 2011 والذين كافحوا في السنوات التالية لإصلاح البلاد. 
ويشرح الاقتباس الاستراتيجية التي وضعها المنظمون لمساعدة المصريين، وخاصة ذوي المستوى الاجتماعي الضعيف، في التغلب على خوفهم من الشرطة والانضمام إليهم في 25 يناير 2011. تم الإعلان عن عشرين موقعًا سريًا على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي كان بمثابة تمويه للموقع الحادي والعشرين.
 وأكد النشطاء الذين قابلتهم "لطيف" أن الاستراتيجية السرية لاحتجاجات 25 يناير كانت من بنات أفكار ناشط 6 أبريل "محمود سامي"، وهو شاب معروف بابتكاراته الذكية في تكتيكات الاحتجاج في الشوارع.


وكان "محمود"، ابن الأحياء الشعبية في القاهرة، ضليعًا بالمساحات والتنقل ونقاط ضعف سكانها ويفهم كيف يتفاوض معهم. واختار "سامي" شارع ناهيا في بولاق الدكرور، بالقرب من حي أوسيم، كموقعهم السري الحادي والعشرين وبداية مسيرتهم.
وتابعت "روشا": "كان الهدف هو معرفة كيفية جعل المصريين يتغلبون على خوفهم من الشرطة التي تقوم بدوريات في أحيائهم والانضمام إلى احتجاجهم. 
وقال "سامي": "عندما فكرت في الأمر، تذكرت أن أحد الأشياء التي واجهناها أثناء الاحتجاجات هو أن الأشخاص الذين كانوا يشاهدوننا كانوا يخشون الانضمام إلينا. لماذا كانوا خائفين من الانضمام إلينا؟  لأن أعدادنا كانت صغيرة. إذن لديك خياران: أنت تقوم بذلك عندما لا تكون هناك شرطة، أو تتأكد من أن عددكم كبير. كيف تجعلون عددكم كبير؟  كانت هناك فكرة كرة الثلج، أنه كلما تقدمت مسيرتك، ازداد حجمها ".

وأشارت "لطيف" إلى أن الفكرة كانت البدء بمسيرة سرية في مكان ضيق ومغلق يقع في أحد الأحياء الشعبية المزدحمة في القاهرة.

طريق مزدحم

وبهذا كانوا يركزون بضع مئات من زملائهم النشطاء على نقل وهم الحشد الكبير إلى المتفرجين الذين يحتاجون إلى ضمان السلامة بالكثرة قبل أن يقرروا الانضمام.
وأكثر ما جذب "محمود" إلى شارع ناهيا في بولاق هو الكوبري الذي يربطه بشارع جامعة الدول العربية، وهو طريق رئيسي مزدحم مليء بالمباني السكنية الشاهقة، ومحلات البيع بالتجزئة، والمطاعم.
يربط الكوبري هذه المنطقة غير الرسمية بحي المهندسين الراقي، حيث يمكنهم جذب المزيد من المتظاهرين وعرض شريحة متنوعة من المجتمع.
وبدعم من زميل من 6 أبريل يدعى "عمرو" وزميل آخر من حركة شباب من أجل العدل والحرية، صمم "محمود" طريقًا ورسم تفاصيل مسيرة ستأخذهم من نقطة التقائهم بالقرب من مخبز صغير غير موصوف في المنطقة في نهاية شارع ناهيا أسفل شارع الجامعة العربية، ما سمح لأعدادهم بالتزايد قبل أن يبدؤا بالمظاهرة في ميدان مصطفى محمود.


ولضمان التنفيذ الناجح، كانوا يزورون المنطقة بانتظام في الأسبوعين السابقين لعيد الشرطة لإجراء تدريبات على الجري، ومعرفة المدة التي سيستغرقها المشي والركض والوقت الذي يحتاجون إليه لتتزامن مظاهراتهم مع المظاهرات القادمة من أجزاء أخرى من الجيزة وشبرا، والتي كانت تخطط لها مجموعات أخرى مثل الاشتراكيين الثوريين. كما طوروا استراتيجيات لكمائن الشرطة المحتملة.
ولفتت "لطيف"، إلى أنه لم تكن هناك نية حازمة للاحتجاج في ميدان التحرير في هذه المرحلة، على الرغم من أن "محمود" وأقرانه كانوا يحلمون منذ فترة طويلة بالنزول إلى الميدان واحتلاله بآلاف المتظاهرين؛ حيث رأى أنه إذا كان الحظ في صالحهم ووصل عددهم إلى ألف سيذهبوا إلى للتحرير.


 إدارة انتفاضة شعبية
 في صباح يوم 25 يناير، استعد "محمود" و"عمرو" وبقية المجموعة لتنفيذ الخطة بفارغ الصبر. ولضمان السرية التامة، أبلغوا عشرة نشطاء فقط بموقع ناهيا.
قيل لكل منهم في وقت مبكر أن يقابلوهم بمجموعاتهم في مكان ما في القاهرة من اختيارهم، ومن هناك كان عليهم أن يقودوهم إلى ناهيا.
وحدث كل شيء حسب الخطة. 
وتابعت "لطيف": "في الساعة 12 ظهرًا، تمكن ما يقرب من 250 ناشطًا من التهرب من الشرطة والاجتماع في ساحة صغيرة أمام مخبز محلي يقع في هذه المنطقة الفقيرة المكتظة والمزدحمة".
وألقى المحامي "زياد" خطابًا مثيرًا موجهًا إلى السكان المحليين الذين ينظرون من شرفاتهم قائلًا في مكبر الصوت: "اليوم هو 25 يناير، عيد الشرطة! قررنا المجيء إلى هنا اليوم لنخبر الحكومة المصرية أننا لن نصمت بعد الآن! اليوم إما أن نقف متكاتفين ونأخذ حقوقنا معًا، أو نفقد الفرصة!  الآن وإلا فلا!"
وسرعان ما بدأ التجمع يتضخم ويتدفق إلى الأزقة المجاورة. وبدأ النشطاء في المسيرة مطالبين الجموع التي تراقب من شرفاتهم بالانضمام إليهم بهتاف: "يا أهالينا!  إنضموا لينا!" و"إنزل!  إنزل! "
وبحسب الكتاب، كان قوام المسيرة مذهل بحوالي خمسة آلاف متظاهر على الأقل، والتي استمرت في أن الازدياد بينما كانت تشق طريقها في شارع جامعة الدول العربية.
كانت أعدادهم كبيرة جدًا لدرجة أن قوات الأمن المركزي حاولت إغلاق ممر المشاة على كوبري ناهيا لعرقلتهم، لكن المتظاهرين تمكنوا من التخلي عن هذا الطريق تمامًا والسيطرة على الممرات المرورية، ما مكنهم من الاستهزاء بالضباط الذين لم يتمكنوا من فعل أي شيء لوقفهم لازدياد أعدادهم.

 

لحظة انتصار

وقالت " لطيف": "كانت تلك لحظة انتصار للنشطاء الذين تمكنوا لأول مرة من إرباك قوات الأمن".
 وصف "عبد الرحمن" فرحته المطلقة عندما تدفقوا فوق جسر ناهيا وتناثروا في شارع جامعة الدول العربية قائلًا:
 "لن أنسى أبدًا مشهد وصولنا إلى جامعة الدول العربية. كان الأمر كما لو كان الناس يتدفقون من تحت الأرض. كان هذا أحد أكثر المشاهد إثارة. . . وبدأنا نبكي ونحتضن بعضنا، وظللنا نصرخ، "انتصرنا!" ما الذي انتصرنا عليه بالضبط؟  من كان يعلم ما كان قادمًا؟ لم يكن أحد ليعلم أحد! "
ومع اقتراب متظاهري ناهيا من ميدان مصطفى محمود في الساعة 2 ظهرًا، قوبلوا بآلاف المحتجين الآخرين. وكانت أعدادهم كبيرة لدرجة أنهم تمكنوا بسهولة من اختراق طوق قوات الأمن التي حاولت قمعهم.
بعد أن أدرك النشطاء أن لديهم انتفاضة محتملة، بدأ النشطاء من هذه النقطة فصاعدًا في اتخاذ قرارات فورية وتوجهوا إلى ميدان التحرير.