محمد خير موسى

 

متّكئًا على أريكته بعد أن ألقى في بطنه وجبة دجاجٍ من “كنتاكي” وكان سبقها بيومٍ بالتهام شطيرة لحمٍ من “ماكدونالدز”؛ يرفع عقيرته بالتّشنيع على المسلمين الذين يذبحون الأضاحي في العيد لأنّهم يمارسون الجريمة بحقّ الحيوانات ويرعبه منظر الخراف المسكينة التي لقيت حتفها على أيدي المسلمين القساة.

 

 
منهجيّة خاطئةٌ في نقاش هؤلاء المهاجمين

 

 
كلّما أقبل عيد الأضحى تعالَت أصوات هؤلاء بالهجوم على شعيرة الأضحية بذريعة الانتصار لحقوق الخراف الوديعة؛ وهم لا يريدون من وراء ذلك إلّا وصم الإسلام بالدّمويّة ومهاجمة الإسلام من خلال مهاجمة شعيرة الأضحيّة.

 

 
وينساق كثيرٌ من المسلمين إلى النّقاش من هؤلاء بدافع الحرص والغيرة على الدّين إلى محاولة الدّفاع عن الإسلام وبيان إنسانيّته العظيمة وبراءته من القسوة بحق المخلوقات جميعًا بما في ذلك بهيمة الأنعام أو حتّى الحيوانات الضّارية المفترسة.

 

 
إن وضع الإسلام في قفص الاتّهام، ومحاولة الدّفاع عنه وتبرئته كما لو أنّه ارتكب جريمة نحاول تخليصه من تبعاتِها هو عين ما يريده هؤلاء، وهو منهجيّة خاطئةٌ في حوار ما يثيرونه من شبهات حول الإسلام عمومًا وفي قضيّة الأضحيّة على وجه الخصوص.

 

 
الإسلام ليس متّهمًا في رسالته وإنسانيّته وشعائره حتّى نحاول تبرئته ممّا ألصقه هؤلاء به من التّهم، بل هم المتّهمون في صدقهم والمتهمون بالازدواجيّة في إنسانيّتهم المُدّعاة والمتّهمون بالكذب على أنفسهم وعلى النّاس في دعاوى الحرص على الحيوان والرّأفة به.

 

 
هؤلاء الذين يرفعون عقيرتهم انتصارًا للخراف في عيد الأضحى نقول لهم: لم تخرسون تمامًا ولا تنبسون ببنت شفة انتصارًا لمئات الآلاف من الأبقار التي تذبحها شركة “ماكدونالدز” يوميًّا وليس مرّة في العام؟!

 

 
في الثّالث عشر من شهر نوفمبر من عام 2014م سمحت “ماكدونالدز” برفع السريّة عن مصانعها في أمريكا للقنوات الإعلاميّة ويومها دخلت قناة “ABC” إلى تلكم المصانع وأعلنت أن شركة ماكدونالدز تستهلك في أمريكا وحدها يوميًّا مئةً وواحدٍ وثمانين طنًا من لحم البقر، أي أنّها تستهلك في العام أكثر من ألفي طن من لحم البقر في أمريكا وحدها، ولك أن تتخيّل كم تستهلك في العالم وهي التي تمتلك بناءً على إحصائياتها عام 2013م أربعةً وثلاثين ألف فرع في أنحاء العالم.

 

 
وكذلك نقول لهؤلاء المشنّعين علينا في أمر الأضحية: أين هي إنسانيّتكم المدّعاة ورأفتكم بالحيوان من عشرات ملايين طيور الدّجاج التي تذبحها “كنتاكي” يوميًّا وهي التي تمتلك أكثر من عشرين ألف فرعٍ لبيع وجبات الدّجاج المقلي موزّعةً على أكثر من 123 دولة؟!

 

 
وكذلك نقول لهؤلاء الذين لا يحلو لهم إظهار رأفتهم إلّا حين يتعلّق الأمر بشعيرة الأضحيّة الإسلاميّة: مالكم تبتلعون ألسنتكم تمامًا حين يحلّ عيد الشّكر الذي يكون في الخميس الرّابع من شهر نوفمبر من كلّ عام، ويتفاخر الأمريكان سياسيّوهم قبل عامتهم بأنّهم يذبحون الدّيك الرّومي احتفالًا بهذه المناسبة؟!

 

 
وفي استطلاع رأي أجراه “الاتحاد الوطني للدّيك الرومي” عام 2018م في العاصمة واشنطن؛ فإن نحو 88% من الأسر الأمريكية تفضّل تناول الدّيك الرّومي خلال الاحتفال بعيد الشّكر.

 

 
كما أعلن الاتحاد إن ما يتمّ استهلاكه من الدّيوك الرّومية في عيد الشّكر من عام 2018م يمثّل نحو 18% من إجمالي أعداد الدّيوك الروميّة التي تمّ تربيتها في المزارع الأمريكية عام 2017م والتي بلغ عددها 245 مليون ديك رومي، أي أنّ عدد الدّيوك الرّوميّة التي تمّ ذبحها في عيد الشّكر في أمريكا وحدها قرابة 45 مليون ديك روميّ.

 

 
تعالوا نقارن كلّ هذا بالأضحية

 

 
إنّ مبدأ مقارنة ما يتمّ ذبحه من عشرات ملايين الأبقار لصالح ماكدونالدز، ومئات الملايين من الدّجاج الذي يُذبح لصالح كنتاكي وعشرات ملايين الدّيوك الرّوميّة التي تذبح في عيد الشكر مع الأضحية التي يذبحها المسلمون في عيد الأضحى فيه إجحاف كبير بحقّ الأضحيّة ولكنّنا نفعله من باب المجاراة، ويسيرٌ من المقارنة يُظهر تفوّق شعيرة الأضحيّة في المنطق الحضاري والإنساني وفي إطار الآليّات التنفيذيّة كذلك.

 

 
أمّا في مجال المنطق الإنساني والحضاري فإنّ كلّ ما يتمّ ذبحه في عيد الشّكر وفي شركات ومطاعم وجبات اللحوم والدّجاج يتمّ ذبحه بمنطق استهلاكيّ بحتٍ في خضوع لحمى الاستهلاك التي تجتاح البشريّة.

 

 
وكذلك يتمّ ذبح هذا كلّه للاستهلاك الذّاتي للفرد أو داخل الأسرة دون مراعاةٍ لأيّة احتياجاتٍ إنسانيّة أخرى.

 

 
أمّا الأضحية فهي قائمةٌ على فكرة إحساس الإنسان بالإنسان، فهي تمثّل نموذجًا لإعادة الاعتبار للشّعور الإنسانيّ في الإطعام، ففي الوقت الذي يموت فيه أناس من التّخمة، ويموتُ فيه آخرون من الجوع تأتي الأضحية ليلتفت الإنسان إلى أولئك الذين تمضي عليهم الأسابيع وربما الأشهر ولا يعرف اللّحم طريقه إلى بطونهم وفي هذا معنى حضاريّ وإنسانيّ تفتقر إليه كلّ أنواع ذبح الحيوانات الأخرى ولكن لا يريدُ المشنّعون الالتفات إليها.

 

 
وأمّا في مجال الآليّات التّنفيذيّة فإنّ ما يجري عليه الذّبح في عيد الشّكر يتمّ إهدار الكثير منه ويذهب إلى القمامة، ومثله ما يكون مذبوحًا لصالح وجبات الدّجاج واللحوم؛ بينما الأضحية لا يتمّ إهدار أيّ جزء منها بما في ذلك الجلد والرأس.

 

 
إنّ الذين يشنّعون على المسلمين أداءهم لشعيرة الأضحية بدعوى الرأفة بالحيوان المسكين إنّما يكذبون على أنفسهم بهذا التشنيع ويعلمون أنّهم يمارسون التّدليس وازدواجيّة الموقف، ممّا يجعل تشنيعهم محض محاولةٍ لإطفاء الشّمس بنفخ الأفواه، وستبقى الأضحية شعيرة الله تعالى التي نعظّمها والتي يثبت على مرّ الأيّام أنّها من أهم التجليّات الحضاريّة في الإسلام سواء في ذلك معانيها وآليات تنفيذها.

نقلا عن: الجزيرة مباشر