تخضع وسائل وبرامج الاتصالات المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعي إلى مراقبة ممنهجة من قبل الجهات الأمنية والشركات والمؤسسات في مصر، وخاصة من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والنيابة العامة، والجامعات، ووزارة الداخلية (الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات)، وفقًا لمؤسسة حرية الفكر والتعبير.

وأكدت المؤسسة في تقريرها الصادر اليوم الخميس 26 مايو، أن الجهات الرسمية تشترك في انتهاك الخصوصية والوصول إلى إجراءات تأديبية كالفصل، والملاحقة الجنائية، التي وصلت في بعض الحالات إلى الإحالة إلى محكمة أمن الدولة طوارئ ولا يمكن الطعن في أحكام هذه المحكمة.

كما تُعد النيابة العامة مشاركًا أساسيًا في ممارسة المراقبة الجماعية، من خلال وحدة الرصد والتحليل، حيث توالت البيانات الصادرة عن النيابة العامة، التي تؤكد على الربط المباشر بين عمل النيابة العامة وما يُثار على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن جانب آخر، تمارس جهات أخرى المراقبة الجماعية مثل الجامعات الحكومية، الهيئة الوطنية للإعلام، إدارة تكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

وتؤدي الممارسة الممنهجة للمراقبة الجماعية سواء من خلال المؤسسات العامة أو القضائية إلى أضرار جسيمة لمستخدمي الإنترنت، منها التعرض للحبس أو صدور عقوبات تأديبية بالفصل.

برمجيات التجسس

 

تعتمد سياسة المراقبة الجماعية على شراء برمجيات التجسس، بالإضافة إلى إصدار تشريعات تسمح ﻷجهزة الأمن بمراقبة المستخدمين، ما يؤدي إلى القبض على بعضهم.

وفي عام 2013، اشترت حكومة الانقلاب برمجية proxySG من شركة blue coat systems الأمريكية، التي تمكن من استخدام تقنية “الفحص العميق للحزم” deep packet inspection، وهي تعطي مقدمي خدمات الاتصالات القدرة على معرفة الكثير حول سلوك المستخدمين، مثل: تحديد الموقع الجغرافي، والتتبع ومراقبة وتصفية محتويات الإنترنت بشكل جماعي.

وفي العام نفسه، أعلنت وزارة الداخلية عن قرار للممارسة المحدودة، رقم 22 لسنة 2013/2014، تحت مسمى “منظومة قياس الرأي العام”، والتي من خلالها تم إجراء مناقصة لتوريد وتشغيل برمجيات تهدف إلى مراقبة الفضاء الإلكتروني.

وكرد فعل على ذلك، تقدمت عدة منظمات حقوقية بدعوى، في عام 2014، أمام محكمة القضاء الإداري لوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزارة الداخلية فيما يخص الممارسة المحدودة. وتم الحكم برفض الدعوى في عام 2017، لأسباب تتعلق بعدم وجود صلة لمقيمي الدعوى، بالعقد المطعون عليه، وبالتالي رفضت المحكمة الدعوى شكلًا، دون التطرق إلى أهمية موضوع القضية المرتبط بخصوصية المواطنين.

وفي 2017، اشترت دولة الإمارات العربية المتحدة برمجية التجسس Cerebro وقدمتها إلى حكومة الانقلاب. وهذه البرمجية تُتيح للسلطات المصرية مراقبة شاملة للاتصالات عبر تقنيةDeep Packet Inspection بما في ذلك المكالمات الصوتية والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفورية، وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة وعمليات البحث على محركات البحث.

ويلاحظ قيام اﻷجهزة التابعة لوزارة الداخلية، مثل الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بالتنسيق مع جهاز الأمن الوطني بفرض المراقبة على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث حدث تصاعد في أعداد المقبوض عليهم لأسباب تتعلق بمشاركة محتوى أو كتابة تعليقٍ أو إبداء إعجاب بمحتوى، أو إدارة صفحة على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي.

ووفقًا لما تم رصده وتوثيقه من قبل مؤسسة حرية الفكر والتعبير منذ النصف الثاني من عام 2013، حتى الربع الأول من عام 2021، تم القبض على 300 شخص على الأقل لهذا السبب. ليس ذلك فقط، بل استحدثت النيابة العامة وهي جزء من السلطة القضائية وحدة لرصد وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بمراقبة المستخدمين.

وتخلق المراقبة الجماعية على وسائل التواصل الاجتماعي خوفًا لدى المستخدمين من زيارة مواقع بعينها، أو التعبير عن آرائهم، وهو ما يخلق حالة من الرقابة الذاتية على ما يمكن كتابته أو إبداء الإعجاب بشأنه. ويمتد إلى المنشور على حسابات المستخدمين في وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك/ تويتر/ إنستجرام/ تيك توك)، بعد أن كان مقتصرًا على الرسائل الخاصة.

حلول تقنية

استعمال برامج التجسس الإلكترونية يُشجع على تفاقم العنف الاسري | اندبندنت  عربية

وكنتيجة للمراقبة، وغياب الضمانات القانونية لحماية الحق في الخصوصية، يلجأ المستخدمون في بعض الأحيان إلى حلول تقنية تمكنهم من التمتع بالخصوصية والاتصال بشكل آمن عبر شبكة الإنترنت، بينما يمكن إحالتهم إلى محاكمات بسبب ذلك، إذ ينص قانون تنظيم الاتصالات على تجريم استخدام “أدوات تشفير خدمات الاتصالات، سواء من قبل مقدمي الخدمة، أو من قبل المستخدمين”.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن كافة الوسائل الإلكترونية، بداية من البريد الإلكتروني، وصولًا إلى شبكات التواصل الاجتماعي تستخدم بروتوكولات مشفرة لنقل البيانات، وهو ما يعني التباس المفاهيم لدى المشرع، إلا أنه يمكن فهم المقصود من تلك المادة في سياق سعي السلطات إلى حجب مواقع تقدم خدمات VPN، إذ قامت بحجب موقع i2p وموقع مشروع free internet اللذين يقدمان المجهولية لمستخدمي الإنترنت.

بالإضافة إلى محاولات حجب تطبيقات محادثات شخصية مشفرة/ معماة كتطبيق سيجنال. ففي السادس عشر من ديسمبر 2016 حاولت حكومة الانقلاب حجب سيجنال، ونشر التطبيق عبر حسابه الرسمي على تويتر: “لقد قمنا بالتحقيق خلال الأيام الماضية وتأكدنا أن مصر تقوم بتضييق الوصول إلى سيجنال”.

وترجع هذه الممارسات إلى سياسة عامة انتهجتها حكومة الانقلاب لاعتبار المراقبة أداة لحماية الأمن القومي، دون التقيد باحترام حقوق الإنسان وحكم القانون.

وتسهم تلك السياسة في التأثير على علاقات مصر الدولية، وعلى سبيل المثال ألغت الشرطة الألمانية تدريبًا للشرطة بخصوص مراقبة المواقع الإلكترونية المتطرفة تخوفًا من استخدامه لمراقبة المواطنين، في عام 2017. إضافة إلى تأثير ذلك على الشركات الدولية العاملة في مصر، والتي قد تتعرض لضغوط لمشاركة بيانات مستخدميها مع حكومة الانقلاب.