08/11/2009

على الرغم من قناعة الغالبية العظمى من كوادر حركة "فتح" أن إبداء محمود عباس رغبته في عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، لا يعدو عن كونه أكثر من مسرحية هزلية، تبدَّت فصولها في المسيرات الباهتة وبيانات المناشدة والاحتفاء المُعَدَّة بعناية؛ بدأت في الكواليس معركة لوراثة الموقع بين "حيتان" المقاطعة كما أطلق عليهم أحد إعلاميِّي الضفة الغربية، إلى جانب القيادات الطامحة الأخرى.

تسويقٌ على وقع المبايعة

ففي خضم محاولة "فتح" رسميًّا رجاء عباس بالترشح باعتباره "الرمز الأوحد" و"الأمل الذي لا بديل عنه" و"القائد الذي إن راح رحنا معه"؛ بدأ غير مسؤول من كوادر المقاطعة التسويق لنفسه باعتباره الأَوْلى بهذا الموقع، خاصة بعد التصريحات الأمريكية والصهيونية التي فُهِم منها رفع الغطاء الذي كان ممنوحًا لعباس، وأن هناك حالة عدم اكتراث ببقائه أو غيابه.

ويؤكد الإعلامي الفلسطيني محمد ماهر أن الخطاب القصير واللهجة الهادئة الممزوجة بالمرارة من أبو مازن، دفعت "حيتان المقاطعة من قيادات (فتح)" إلى التنافس الخفي خلف الكواليس، ناقلاً عن مصادر كبيرة في "فتح" قالت إن بعضهم أو أحدهم بدأ حملة داخلية لتشكيل حالة أو استكشاف موقف الآخرين من ترشيح نفسه.

البرغوثي.. سجال وهجوم

المحامية فدوى البرغوثي عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، وزوجة القيادي مروان البرغوثي، كانت الأكثر وضوحًا؛ إذ أعلنت أن ترشُّح زوجها الذي يقبع في السجون الصهيونية منذ سنوات للانتخابات الرئاسية الفلسطينية أمرٌ واردٌ لكن بشروط.

وأضافت البرغوثي أنه "في حال وجود توافقٍ وطنيٍّ بين القوى الفلسطينية فإن كل الخيارات مفتوحة أمام زوجي، إذا ما تحقَّق هذا الشرط؛ فعندها سيتخذ مروان القرار المناسب للمرحلة بشأن ترشُّحه".

غير أن مجرَّد طرح البرغوثي إمكانية ترشُّح القيادي الأسير مروان للانتخابات، أثارت حفيظة دوائر أخرى في حركة "فتح"، لدرجة أنها تركت الباب مفتوحًا في "الملتقى الفتحاوي" لمهاجمة البرغوثي وزوجته، واعتبار أنه لا يتميَّز بالحنكة السياسية التي تخوِّله منصب الرئاسة.

"الملتقى الفتحاوي" يشن هجومًا على البرغوثي

وعاب أحد مشرفي "الملتقى الفتحاوي" يطلق على نفسه "أبو غوش" على البرغوثي وزوجته مجرَّد طرح إمكانية أن يرشِّح نفسه، معتبرًا أن هذه النقطة تسجَّل عليهما، واعتبر آخر أنه يفتقر للحنكة السياسية.

استقطاب ضد البرغوثي

وكشف مصدر مطلع أن هناك حالة استقطاب داخل اللجنة المركزية في حركة "فتح"، وتوجهًا عامًّا برفض ترشُّح القيادي البرغوثي بداعي أنه أسير!.

غير أن القيادي قدورة فارس -وهو من المحسوبين على البرغوثي- اعتبر أن الأخير من الوارد أن يرشِّح نفسه، لافتًا إلى أنه كان المرشَّح صاحب الحظ الأكبر في الانتخابات الأخيرة، إلا أنه سحب ترشيحه حرصًا على وحدة الحركة.

"معاريف" تحدِّد الحيتان المتصارعة

ودخلت وسائل الإعلام العبرية على خط سجال المتنافسين من "فتح"، محددة (الصحيفة) دائرة الصراع بين القيادات التالية:

- محمد دحلان (53 عامًا): وهو قيادي مثير للجدل، معروف بارتباطه بالاحتلال وواشنطن، وعلى الرغم من استقوائه بالغرب، الذي مكَّنه من العودة ليحتل موقعًا متقدمًا في مركزية "فتح"، فإن غالبية الشعب الفلسطيني والكثير من أعضاء "فتح" لا يرون فيه أكثر من "خائن" باع وتآمر على عرفات، ويخوض من فترة عملية تآمرية غير معلنة ضد عباس.

والملاحظ أن المذكور لم يُدْلِ بتصريحات كثيرة حول قرار عباس كعادته، رغم أنه مفوَّض الإعلام في "المركزية".

ولا يُخفي دحلان رغبته في الوصول إلى الرئاسة، ويعتبر نفسه الوريث والقادر على التعامل مع حركة "حماس"، والأفضل في التعامل مع المفاوضات مع الاحتلال، وله صداقات وعلاقات قوية بأوروبا وواشنطن.

- مروان البرغوثي (52 عامًا): أمين سر "فتح" في الضفة الغربية سابقًا، يقضي اليوم أربعة مؤبدات متراكمة في السجون الصهيونية بسبب دوره في الانتفاضة الثانية، له قاعدة في صفوف حركة "فتح" في الضفة الغربية، لكنه -كما أسلفنا- يواجه معارضة كبيرة في مركزية "فتح"؛ لصلته بـ"كتائب الأقصى".

- أبو ماهر غنيم (72 عامًا): عضو اللجنة المركزية لـ"فتح"، ومن قدامى الحركة، رفض العودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة لرفضه "أوسلو"، وعاد إلى الضفة هذا العام فقط، قبل نحو سنة ونصف السنة انتخب ليكون نائبًا لعباس في حركة "فتح"، تم إجباره مؤخرًا على العودة إلى الخارج، ينظر إليه كشخصيةٍ ضعيفةٍ، علاوة على كبر سنه.

- ناصر القدوة (60 عامًا): من كبار حركة "فتح"، ابن أخت عرفات، عمل سنوات طويلة ممثلاً لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" في "الأمم المتحدة"، وعضو اللجنة المركزية لـ"فتح"، ويشغل اليوم منصب رئيس "جمعية تراث عرفات"، وهو شخصية متحدثة، وله حظوظ ومطامع كبيرة، لكنه قد يحظى بمعارضة الاتجاه المضاد للعرفاتيين.

- اللواء جبريل الرجوب (56 عامًا): من كبار "فتح" (المكان الخامس)، رغم أن الصحيفة العبرية طرحته كأحد المنافسين، فإنه تبقى هناك شخصيات أكثر نفوذًا منه.

- الدكتور نبيل شعث (70 عامًا): من كبار "فتح"، ومن مواليد صفد، عمل طوال حياته في النشاط السياسي لـ"فتح"، وعمل على مدى فترة طويلة كرئيسٍ للفريق الفلسطيني لمحادثات المفاوضات مع الاحتلال، ثم عيِّن سفيرًا في مصر فعضوًا للجنة المركزية، ومن المستبعد جدًّا أن ينافس؛ لكونه لا يحظى بالتأييد الواسع في "فتح"، وكاد أن يفقد منصبه في اللجنة المركزية للحركة في انتخابات المؤتمر السادس.

وسيبقى الصراع يتراوح بين الحديث الهامس والتسريبات، حتى تتضح الصورة النهائية فيما يتعلق بموقف الإدارة الأمريكية والاحتلال من استمرار عباس من عدمه؛ باعتبار ذلك العامل هو الذي سيحدد دخول الراغبين في إزار المنافسة.

ــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : المركز الفلسطيني للإعلام