حرب الأدمغة بين كتائب القسام والعدو الصهيوني لم تتوقف، حيث ظهر الإبداع القسامي في تحديد الدور غير المتوقع واعتماد عنصر المفاجأة والمباغتة وهو أصل من أصول الحرب المتعارف عليها، في مواجهة أجهزة الأمن الصهيونية وعلى رأسها جهاز الشاباك الذي تم اختراقه عدة مرات من قبل كتائب القسام .
ونظر لأهمية هذا الصراع، ونجاح كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس في تحقيق عسكرية وأمنية، وإحداث اختراقات في جهاز الشباك الصهيوني، ونظرا لأهمية النجاحات التي حققتها كتائب القسام في هذا الصرع نعرض عليكم نماذج هذه العمليات الأمنية صمن سلسة (صراع الأدمغة).
الحلقة الأولى:
اخــــتراق
بعد الإبعاد الجائر بحق (400) مجاهداً من أبناء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى مرج الزهور بجنوب لبنان عام 1992م معظمهم من كبار العلماء و أساتذة الجامعات و القيادات الوطنية الإسلامية ، أطمأن العدو الصهيوني إلى فكرة أن حماس قد انهارت بالفعل و تصدعت أركانها و لم تعد تستطيع الوقوف مرة أخرى ، و بينما العالم منشغل بهذا القرار الغير مسبوق و الكيان الصهيوني ينتشي فرحاً ، كانت العقول المجاهدة في كتائب الشهيد عز الدين القسام تدرس المتغيرات على الأرض و تدرك تمام الإدراك أن العدو الصهيوني عمد لقرار الإبعاد الظالم ليضرب عصفورين بحجر واحد فمن جهة فقد قام العدو بإبعاد معظم كوادر حركة حماس من مختلف أجهزتها العاملة في الميدان و من جهة أخرى أوصل العدو رسالة بأن الانتفاضة قد انهارت بتوجيه الضربة القاضية لحماس .
و لهذه الأسباب و لقطع الطريق على مخطط العدو الصهيوني الخبيث ، فقد قررت كتائب القسام أن توجه ردها بكل قوة وحزم على قرار الإبعاد الظالم .
لم يكن العدو يتوقع أن تكون هناك عملية رد من أي نوع و هو يزهو بكل غطرسة و غرور بعد قرار الإبعاد ، و في أسوأ الظروف بالنسبة للأجهزة الأمنية الصهيونية كانت التوقعات برد عسكري بسيط ضد مواقع عسكرية أو مستوطنات صهيونية ، و قد تكون هذه الردود محدودة جداً على حسب إمكانيات المقاومة الفلسطينية و بالأخص كتائب القسام التي تلقت لطمه قوية باعتبار ما أصاب الحركة الأم حماس ، في هذه الأثناء كانت العقول القسامية تدرس نوعية الرد و كيفيته و قد اهتدت إلى الطريقة و الكيفية و بشكل سيذهل العدو كثيراً و سيجعله يعيش حالة انتكاسه بعد موجة الغرور و الانتصار المزيف الذي أصابه .
كانت الخطة بتوجيه الصفعة القاسية مباشرة لجهاز الأمن الصهيوني "الشاباك" هذا الجهاز الأمني الشهير بإسقاط مئات العملاء من أبناء الشعب الفلسطيني ضعاف النفوس و الإرادة و المسئول أيضاً عن تصفية العشرات من قادة و رموز المقاومة في فلسطين و إحباط كثير من العمليات العسكرية للمقاومة ، و بالفعل تم تحديد الهدف و هو اصطياد أحد ضباط مخابراته المكلفين بملاحقة وتصفية أسود الكتائب.
فقد تمكنت كتائب القسام من اختراق جهاز الأمن الصهيوني بعد أن أطمأن النقيب حاييم نحماني من جهاز الأمن العام (الشاباك) للمجاهد ماهر أبو سرور الثعلب القسامي واسع الحيلة و الدهاء ،الذي إستطاع و عبر عملية خداع بارعة إقناع ضابط المخابرات الصهيوني بأنه استطاع أن يجنده للعمل لمصلحة العدو .
وفي يوم الأحد الموافق 3 كانون الثاني / يناير عام 1993 أصدرت كتائب القسام أوامرها إلى المجموعة القسامية التي تولت العملية بتصفية ضابط المخابرات و تسديد ضربة قاسية لاستخبارات العدو و حكومته الإجرامية ، و بالفعل هاجم المجاهد ماهر أبو سرور الضابط الصهيوني داخل شقة آمنة أعدها نحماني لترتيب لقاءاته مع عملائه، وتمكن المجاهد ماهر أبو سرور من قتل الضابط نحماني والاستيلاء على سلاحه العسكري وحقيبة أوراقه الخاصة دون أن يتمكن العدو من معرفة ما جرى له إلا بعد أربع ساعات من تصفيته .
الثعلب ..
بعد نحو أسبوعين من عملية اغتيال نحماني و قبل أن يستوعب جهاز الأمن الداخلي الصهيوني (الشاباك) ما حل به من كارثة ، توجه المجاهد ماهر أبو سرور نحو محطة الوقود في بلدة بيت ساحور ونصب كميناً لجنود الاحتلال الذين يرافقون صهاريج الوقود، وبينما كان حارس صهريج وسائقه يجلسان في مكتب المحطة في التاسع عشر من كانون الثاني/ يناير 993 اقتحم أبو سرور المكتب وأطلق عدة عيارات نارية من مسدسه باتجاه الجندي الذي سقط صريعاً في مكانه دون أن يتمكن من الرد، فيما أدى تعطل السلاح فجأة إلى نجاة السائق وقد استولى البطل القسامي ماهر على سلاح الجندي قبل أن ينسحب بسلام .
نهاية بطل ..
وجه مجاهدو كتائب القسام صفعة عنيفة على وجه رابين صبيحة يوم 1/7/1993 عندما قامت مجموعة فدائية من كتائب عز الدين القسام بتنفيذ محاولة اختطاف لأحد حافلات العدو على خط 25 في الشطر الغربي من مدينة القدس المحتلة، وقد نفذت العملية في الساعة 7,20 صباحاً تقريباً، في الوقت الذي تكون فيه الحافلة مزدحمة بالموظفين المتجهين إلى أعمالهم، وقد تمكن المجاهدون أعضاء الخلية من الوصول إلى موقع العملية على الرغم من الطوق العسكري المحكم على الضفة والقطاع.
وقد اقتحم المجاهدون الحافلة وهو على بعد 100 متر فقط من مقر قيادة شرطة العدو في المدينة، لكن خطأ ما حدث أدى إلى هروب عدد من ركاب الحافلة وعدم القدرة على السيطرة عليهم ووقع اشتباك مبكر مع جنود العدو وشرطته، مما دفع المجاهدان ماهر أبو سرور ومحمد الهندي لمغادرة الحافلة واختطاف سيارة كانت تقودها صهيونية عقب إصابة المجاهد عثمان صالح بجراح في رأسه أفقدته وعيه.
وقد اصطدم المجاهدان أثناء انسحابهما بحاجز للعدو حيث رفضا التوقف، ولكونهما يمتلكان كمية من المتفجرات وجراء إطلاق النار على السيارة فقد انفجرت السيارة على الحاجز مما أدى لاستشهاد المجاهدين وقتل المستوطنة التي احتجزاها وعدداً من جنود الحاجز كما قتلت في العملية مستوطنة أخرى كانت تستقل الباص، وقد أسر المجاهد عثمان صالح الذي دخل في غيبوبة و موت إكلينيكي بعدها ، وعندما حاول المحققون استجاوبه في البداية، التزم الصمت التام وبقي يتمتم "الله أكبر . . الله أكبر".
وقد عثر في موقع العملية على بيان كان يحمله المجاهدون يتضمن مطالبهم التي سعوا لتحقيقها من تنفيذهم للعملية وهي :
1- السماح للحافلة بالتوجه الفوري والسريع إلى الحدود اللبنانية .
2- الإفراج العاجل والسريع عن المجاهد الشيخ أحمد ياسين والتحذير من التعرض له بأي سوء .
3- الإفراج الفوري والسريع عن خمسين مجاهداً من كتائب القسام وحماس وعن خمسين معتقلاً آخرين ينتمون لفتح والجهاد الإسلامي والقيادة العامة والجبهتين الشعبية والديمقراطية بواقع عشرة معتقلين لكل تنظيم.
4- الإفراج عن الشيخ عبد الكريم عبيد وعدم التعرض له بأي أذى في ذلك الوقت .
شبح الانتقام
تمكنت إحدى مجموعات القسام العاملة في منطقة بيت لحم جنوب القدس مساء يوم الخميس 8/7/1993 من نصب كمين لضابط صهيوني كبير في جيش العدو وقتله قرب مستوطنة تقوع، وقد اعترف ناطق عسكري باسم جيش العدو بمقتله لكنه زعم أنه مستوطن فيما أكد بيان الكتائب أنه ضابط بجيش العدو ويحمل رتبة كولونيل، وأن العملية تأتي رداً على استشهاد البطل ماهر أبو سرور ، الثعلب القسامي الذي سقى الشاباك كأس المرارة و حطم أنوفهم عبر اختراقه لقلب الأمن الصهيوني .
وترقبوا الحلقة القادمة من سلسلة صراع الأدمغة..
المصدر: فلسطين الآن

