13/02/2009
ما تزال تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة تلقي بظلالها على المستوى الإقليمي خاصة في ظل العودة إلى سياسة المحاور في الساحة العربية بين فريقي ما يسمى بـ"الممانعة" و"الاعتدال"، وبرزت تساؤلات على لسان أكثر من مسؤول عربي حول الدور القطري الذي انتقل بسرعة البرق من حلف إلى حلف، فبعد أن كان في قلب منظومة "الاعتدال" صار الآن يبحث عن الزعامة في فريق "الممانعة" ويحاول الاستفادة من شعبية المقاومة الفلسطينية لتصفية الحساب مع بعض الدول وبينها مصر.
وفي هذا السياق شنت صحف حكومية مصرية الخميس حملة انتقادات لقطر بسبب ما وصفته بمحاولة الدولة الخليجية منافسة القاهرة على دورها الاقليمي من خلال استخدامها اموال البترول.
واتهمت صحيفة "الجمهورية" الحكومية، في مقال رئيسي قطر بأنها تستثمر عائدات البترول في ما اسمته بـ"دبلوماسية المال". ووصفت الصحيفة الدور القطري في المنطقة بأنه "يعتمد على دبلوماسية المال لحل مشكلات بعض الدول"، معتبرا أن الدول لا تأخذ مكانتها بنقودها، وأن قطر لا يمكنها أن تنافس مصر بمثل هذه الدبلوماسية، و"أن الأموال لم تجد نفعاً" لتحقيق ذلك.
يشار هنا إلى أن قطر تتولى منذ فترة إغداق المال على حماس وأقامت فضائية خاصة "فضائية الفاخورة" تولت الإشراف على "تليتون" استمر أياما لجمع المال ووضعه بيد الحكومة المقالة في غزة.
وقد أعلن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس من الدوحة عن تخصيص منح مالية لكل العائلات التي تهدمت منازلها جزئيا أو كليا، وللعائلات التي سقط لها شهداء في حرب غزة.
وتتهم دوائر عربية رسمية وشبه رسمية الدوحة بأنها تغدق المال على حماس لتقويتها في مواجهة فتح وليس في مواجهة إسرائيل وتستدل على ذلك بأن خالد مشعل أعلن بعد حصول حركته على المال القطري عن تكوين "جبهة" تعمل على تشكيل بديل لمنظمة التحرير، وهو ما وسّع الهوة مع الرئيس محمود عباس واستفزه لإطلاق تصريحات نارية ووضع اشتراطات جديدة للحوار.
وبالتوازي تفتح الدوحة إعلامها أمام الإسرائيليين ليهاجموا المقاومة الفلسطينية ويتوعدوا باغتيال قيادات حماس نفسها، وهو ما يعتبره الكثير من الكتاب والسياسيين العرب مدخلا مقصودا لكسر الحاجز النفسي لدى الجماهير العربية تجاه إسرائيل ويمثل أرضية نفسية للتطبيع الذي تتولاه قطر على قدم وساق ليس فقط من خلال "مكتب الاتصال" بل من خلال عقد لقاءات سياسية واقتصادية وثقافية تستضيف شخصيات إسرائيلية بارزة "ليفني مثلا" تفاجئ بها الأطراف العربية الحاضرة وتفرض عليها التطبيع رغم أنفها.
وفي سياق الدور القطري الغامض اتهمت صحيفة "المساء" المصرية الدوحة بمحاولة "تجسيد وإظهار الشقاق العربي والفلسطيني بجلاء" مشيرة إلى أن قطر "عندما تسير في الاتجاه المعاكس مثل قناتها، الإسرائيلية التمويل، فإن هدفها ليس مزاحمة مصر أو التنافس معها لأنها تعلم جيدا أن 100 دولة مثلها لن تستطيع أن تزاحم أو تنافس مصر."
وتتهم الدوائر العربية المختلفة المذكورة سابقا قطر بأنها فضلا عن فتحها أبواب التطبيع مع إسرائيل، فهي تفتح الباب أمام الاختراق الإيراني للمنطقة الذي نجح في الدخول من بوابة التناقضات العربية، من ذلك أن نجاد كان "نجم" قمة الدوحة الأخيرة التي انعقدت لدعم غزة لكنها انفضت ولم تصدر عنها سوى مجموعة من الشعارات.
كما سبق للدوحة أن استدعت نجاد لحضور القمة الخليجية في أوائل كانون الأول – دسمبر 2007، وكسرت بذلك الإجماع الخليجي حول اشتراط تطبيع العلاقة مع طهران بإعادة الجزر الإماراتية الثلاث والكف عن السباق المحموم نحو التسلح ووقف التدخل في الشأن العراقي ودعم المليشيات المسلحة.
وتتسع دائرة المحاذير تجاه الدور القطري من خلال اتهام بعض البلدان العربية للدوحة بالعمل على استهداف أمنها من خلال دعم معارضات عُرفت بتبني خيار العنف وفتح الأبواق الإعلامية العربية أمامها لتشويه أنظمتها والتأثير على صورتها خارجية.
وفي هذا السياق يمكن أن نذكر الدور الذي ينهض به مركز الدوحة لحرية الإعلام" الذي يرأسه الفرنسي روبار مينار، وهنا يتساءل مراقبون ما الذي يجمع "شمل الشامي ع المغربي"؟، أي ما الذي يجمع إمارة وصل أميرها إلى السلطة بالانقلاب على أبيه ولا تملك أي تاريخ يذكر في مجال الحريات الصحافية بالرئيس السابق لـ"مراسلون بلا حدود" الذي يقول إنه يدافع عن الحريات والديمقراطية؟
ويقول هذا المركز إنه قدم منذ إحداثه في سبتمبر - أيلول 2007 أكثر من 500 ألف دولار لصحافيين انتقاهم بدقة من عديد البلدان وفق مقاييس لا تخلو من حسابات سياسية وأيديولوجية خارجية.
كما فضل المركز أن يخصص منحه السخية على الصحفيين المعارضين دون سواهم في البلدان النامية خاصة.
ويقول إعلاميون أن نشاط مركز الدوحة يتنزل في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تراهن عليه الإدارة الأمريكية لخلط الأوراق في بلدان محددة وفي مقدمتها البلدان العربية والشرق أوسطية، ويؤكد هؤلاء الإعلاميون بأن الدور الخفي للدوحة هو العمل على تنفيذ هذا المشروع وخلخلة الاستقرار في المنطقة، ويتساءلون كيف توهم الدوحة العالم بأنها تدعم قوى "التغيير" المعارضة للوجود الأمريكي فيما تحتضن أكبر القواعد الأمريكية في المنطقة "العيديد والسيلية" التي سهلت غزو العراق.
وقد حذرت صحيفة "المساء" المصرية قطر بأن ما تقوم به من أدوار متعددة ومتناقضة ربما يؤدي بها إلى الانتحار.

