29/12/2008

إسلام أون لاين - علا عطا الله - غزة - المصاحف تئن.. صفحاتها مملوءة بالدم.. الآيات تتكسر وتتناثر.. يظن المصلون أنهم في أمان.. غير أن طائرات الاحتلال وحمم حقدها تباغتهم وترمي بأمطار نيرانها على أجسادهم وجدران مساجدهم.. فصواريخها لم تعد تُفرق بين مقرٍّ أمني وجامع.. كل الأهداف أمامها في غزة مُستباحة ومطلوبة.

أربعة مساجد حتى ظهر اليوم الإثنين، غرة رأس السنة الهجرية الجديدة، سوتها إسرائيل بالأرض وأحالتها إلى كومة من الرمال في عدوانها على غزة الذي بدأ السبت بغارات مكثفة على المقرات الأمنية والحكومية أسقطت مئات القتلى والجرحى في يومٍ من أكثر الأيام دموية التي شهدها قطاع غزة منذ عقود.

أربعة مساجد 

 

"مسجد الشفاء غرب غزة.. مسجد عز الدين القسام في خان يونس.. مسجد الشهيد عماد عقل شمال القطاع.. مسجد أبو بكر الصديق في مخيم جباليا" أربعة مساجد تم استهدافها في سابقة خطيرة من نوعها، غير أن مراقبين قالوا إنه لا غرابة فيما تفعله إسرائيل بعد إعلانها الحرب على غزة واستهدافها للبشر والحجر.

وتدعي مصادر إعلامية وسياسية إسرائيلية أن القصف الإسرائيلي على المساجد يأتي ضمن استهداف ما وصفته ب"بنك الأهداف" ضد حركة حماس.

صاروخان حولا مسجد الشفاء المقابل لمجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة إلى أثر بعد عين حين باغتته الطائرات الحربية الإسرائيلية في ثاني أيام محرقة إسرائيل الجديدة؛ مما أدى إلى استشهاد اثنين وإصابة العشرات بجراح.

زجاج المسجد المتناثر وكومات الحطام والدمار اشتكت لبارئها صواريخ الحقد والموت.

أبو خالد القاطن بجوار المسجد قال ل"إسلام أون لاين.نت": "سمعت انفجارا دوى في المكان، ورأينا سحابة من الغبار الأسود تغطي المكان، اقتربنا وكانت الفاجعة أن القصف نال من المسجد"، ويستدرك بغضب: "يقصفون دور العبادة.. يغتالون المصاحف، حسبنا الله ونعم الوكيل".

قمة الجرائم

ولا يبكي أبو رامي على بيته الذي تضرر بشكلٍ كبير إنما على المسجد، ويتساءل والصدمة لا تزال تعلو وجهه: "هل وصل بهم الأمر إلى هذا الحد".

إمام المسجد أبو عمر قال وهو يحاول انتشال المصاحف المتناثرة على الأرض بين الركام: "المسجد عمره يزيد على عشرين عاما.. كان اسمه مسجد البيرنو؛ لأن هذه العائلة هي من شيدته ثم تم تسميته بمسجد الشفاء لقربه من مجمع الشفاء الطبي".

يتنهد الإمام بحزن ويُواصل: "لماذا يتم استهداف المساجد؟ هل هي منصات لإطلاق الصواريخ؟! إنها هي دور للعبادة.. هذه جريمة، بل قمة الجرائم".

الضربة الثانية كانت من نصيب مسجد عز الدين القسام في مدينة خان يونس جنوب القطاع وسوته الطائرات أرضا بثلاثة صواريخ مساء أمس الأحد، وحولت طوابقه الثلاثة إلى كومة من الحطام، وأصاب القصف عشرات المواطنين، وألحق دمارا هائلا في البيوت المجاورة.

الضربة الدامية الثالثة كانت فجر اليوم من نصيب مسجد الشهيد عماد عقل في مخيم جباليا؛ إذ أغارت طائرات إف 16 بثلاثة صواريخ على المسجد مما أدى إلى انهياره بالكامل، كما استشهدت خمس شقيقات من عائلة بعلوشة، أصغرهم طفلة لم تتجاوز أربعة أعوام.

صيحات التكبير في المكان تعالت بغضب، وقال أحد رواد المسجد: "ماذا فعل لهم المسجد.. هل هو مستودع للسلاح؟!".

وفي أحدث قصف أحالت طائرات الاحتلال مسجد "أبو بكر الصديق" في مخيم جباليا إلى ركام صباح اليوم.

وانهار المسجد وسط ذهول المواطنين واستغرابهم من الحرب ضد المساجد, ونقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مسئول إسرائيلي رفض الكشف عن اسمه قوله: إسرائيل ستضرب بقوة المساجد في غزة؛ لأنها بحسب زعمه معاقل حركة حماس، وقال: إن المقاومة الفلسطينية لم ترحم دور العبادة في إسرائيل.

ذرائع واهية

وكان مصدر عسكري إسرائيلي قد دفع بذريعة أخرى حين صرح يوم السبت، أول أيام المحرقة، أن صواريخ المقاومة أصابت معبدا يهوديا، وبحسب المصدر نفسه فإن الصاروخ تسبب في حدوث أضرار بسيطة في المعبد.

غير أن مصادر فلسطينية أمنية عقبت في تصريح لإسلام أون لاين بالقول بأن التلميح الإسرائيلي بأن قصف المسجد يأتي ردا على إصابة المعبد اليهودي "يفتقر إلى الواقعية والمنطق، ويعد ذريعة واهية".

وتمضي موضحة: "صواريخ المقاومة المحلية الصنع غير موجهة ولا يتم توجيهها لتسقط في مكان تُحدده المقاومة؛ إذ تختار المقاومة فقط المدينة الإسرائيلية التي تريد قصفها ومن ثم تُطلق صواريخها عليها وتقع على المدينة دون أن يتم تحديد الهدف بدقة أكثر، بعكس صواريخ الاحتلال التي تنطلق من طائرات مزودة بأحدث الكاميرات وبأحدث وسائل التكنولوجيا لتي تصيب بدقة شديدة الهدف".

المصادر ذاتها تدحض المزاعم الإسرائيلية بشأن استخدام حماس المساجد في عملياتها أو لإيواء ناشطين، وتوضح في المقابل أن "المساجد في غزة عموما تلعب دور الجمعيات الأهلية؛ حيث إنه في كل شارع بكل المدن الغزاوية يوجد تقريبا مسجد يعمل على إغاثة الفقراء وتنظيم حملات نظافة ومسابقات اجتماعية وتعليمية ودينية".

 وتضيف: "ولما كانت الغالبية العظمى من هذه المساجد تتبع حركة حماس، فإن إسرائيل تظن أن ضرب أكبر كم من المساجد سيضعف الحركة على الصعيد الشعبي".

الدعاء.. يرهب العدو

تفسير آخر يطرحه إمام أحد المساجد بغزة حيث قال لـ"إسلام أون لاين.نت": "إسرائيل يرهبها الدعاء.. يرهبها رجال المساجد؛ لهذا لا نستبعد أن تأتي على كل مسجد في غزة.. هي تخشى هذا الجيل.. جيل المساجد.. جيل الله أكبر".

بدوره، يستغرب "وائل الزرد" الداعية الفلسطيني وإمام المسجد العمري صمت العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي أمام استهداف دور العبادة وقال لإسلام أون لاين: "في المساجد نقرأ القرآن.. نصلي.. لا نستخدمها كثكنات عسكرية.. ولا منصات لإطلاق الصواريخ".

ويتساءل قائلا: "أليست هذه جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية كما يقولون وتستحق العقاب؟!"، ويتابع بالقول، كأنه يجيب على نفسه: "ستبقى بلا عقاب.. فلنسأل الله أن ينزل العقاب من عنده.. إنه سميع قريب مجيب الدعوات".