بقلم: د. عز الدين الكومي
حاول إعلام الانقلاب خلال الأيام الماضية أن يصنع من لقاء زعيم عصابة الانقلاب مع عدد ممن يسمون بالقيادات السابقة المنشقة عن جماعة الإخوان المسلمين حدثا عظيما ويسوقه على أنه من إنجازات المرحلة.
والحقيقة أنه ليس بين هؤلاء من هو قيادي بالمعنى المعروف سوى الدكتور محمد حبيب والذي شغل ثاني أكبر منصب في الجماعة، حتى إن أستاذنا محمد عبد القدوس اعتبر ذلك من الأخطاء التي وقعت فيها جماعة الإخوان المسلمين. وأقول له حنانيك أستاذي كما قال الشاعر:
إذا المرؤ لم يخلق سعيدا :: تحيّرت عقول مربيه وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر :: وموسى الذي رباه فرعون مرسل
وقبل هذا وذاك يقول المعصوم صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا)). ورأينا كيف يحمل الحقد هؤلاء على اللدد في الخصومة إلى حد الفجور.
ليس هذا هو المهم ولكن الأهم من ذلك هو طبيعة هذا الاجتماع والقصد منه وحسب ما علمنا أن الهدف من هذا الاجتماع والذي استمر لثلاث ساعات هو معرفة نقاط الضعف عند جماعة الإخوان المسلمين، التي يمكن من خلالها الضغط عليهم ليسلموا ويرفعوا الراية البيضاء ويقبلوا بالأمر الواقع.
والذي فات هؤلاء أن الإخوان ليس لديهم نقاط ضعف يحاول هؤلاء معرفتها واستغلالها لأنه ببساطة شديدة الجماعة تربّي أفرادها على الربانية وعدم الحرص على الدنيا وملذاتها وشهواتها وهذا هو الذي يذل أعناق الرجال ويجعلهم عبيد غرائزهم.
فقط تستطيع السلطة الغاشمة بما تمتلك من وسائل قوة وقهر وأدوات للقمع أن تضغط عليها بالقوة القاهرة والبطش والتنكيل والإساءة والتشهير و تزيد من ظلمها وغبائها فتلفق لأفرادها المزيد من التهم وسفك المزيد من الدماء وتصدر أحكاما بالإعدام للأبرياء بمعرفة القضاء الشامخ أو أنها تحاول وهى محاولات يائسة وبائسة تسعى لشق صف الجماعة من خلال بث أكاذيب من جهات أمنية بهدف إيجاد قيادة جديدة شابة أو غير ذلك.
وكم حاولت كاثرين أشتون الضغط على الجماعة للقبول بأنصاف الحلول وقبول المبادرات والحوار والتفاوض للإيقاع بالجماعة في حبائل الشيطان.
كما حاولت سلطة الانقلاب الضغط على شركاء التحالف الوطني بالتهديد والوعيد وتقديم المرونة السياسية.
وكم تم بث شائعات بين الثوار للضغط على الجماعة لتغيير منهجيتها السلمية حتى أن بعض الشباب صار يتهم قادة الجماعة بالفشل والمطالبة بحلها لكنها كانت مجرد أصوات نشاز.
كم حاول ثوار السبوبة الضغط على الجماعة للتنازل عن كل شيء (مبادئ - دماء - شرعية) مقابل أن يقبلوا بالنزول مع الإخوان إلى الشارع.
- ولعل هذا كله مرده الجهل بطبيعة الجماعة وكيفية عملها وأنها قائمة على مؤسسات وليست كإدارة سلطة الانقلاب من خلال عباس ترامادول؛ وهي وإن كانت تمارس العمل السياسي ولها ذراع سياسية متمثلة في حزب الحرية والعدالة إلا أنها قبل هذا وذاك هي جماعة دعوية إصلاحية.
وقد بدا من كلام أحد القادة المنشقين أنهم بصدد إعداد مشروع تقوم به حركة "مصر رائدة التنوير" التي تضم قيادات منشقة عن جماعة الإخوان، مشيرا إلى أن لهم اجتماعات دورية تقوم بها القيادات المنشقة لإعداد مشروع لمواجهة الفكر التكفيري.
وأضاف أن المشروع يتضمن كيفية تفكيك تنظيم الإخوان وحث شباب الجماعة على الانفصال عنها لافتا إلى أن حركة "مصر رائدة التنوير" ستجتمع بعد لقاء كل من مختار نوح، وكمال الهلباوي وثروت الخرباوي بقائد عصابة الانقلاب.
لقد تعرضت الجماعة لمحاولات وهزات كثيرة منذ نشأتها في زمن الملكية ومع حكم العسكر عام 1954 وكذلك في 1965 وفي فترة حكم السادات ومبارك وكانت تسمى الجماعة المحظورة، وبعد ثورة يناير لم تسلم الجماعة من التهكم وإلصاق التهم مثل قولهم الجماعة المحظوظة وأنهم ركبوا الثورة وباعونا في محمد محمود.
أما الحديث عن أي مصالحة تغفل القصاص من القتلة والسفاحين فهي مرفوضة شكلا وموضوعا ومحكوم عليها بالفشل، وغالبا ما تولد ميتة.
لكن الاجتماع لا يعدو عن كونه مؤامرة جديدة ضد الجماعة وحلقة من حلقات الصراع العديدة، وقد نسى هؤلاء أن الإخوان دعوة ربانية وأنها فكرة.. والفكرة لن تموت.
تالله ما الدعوات تهزم بالأذى.. أبدًا وفي التاريخ بر يميني
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي.. بالسوط ضع عنقي على السكين
لن تستطيع حصار فكري ساعة.. أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربى.. وربي حافظي ومعيني
سأظل معتصمًا بحبل عقيدتي.. وأموت مبتسمًا ليحيا ديني
ومما يوضح كذب وخداع هؤلاء هو اختلافهم حتى في الانشقاق ومن الذي يمثل المنشقين وحتى أن الانشقاق أصبح وظيفة كما وضح الأستاذ سليم عزوز في مقال سابق له الوظيفة: قيادي سابق.
حيث قال أحد القيادات السابقة: إن الشخصيات التي التقت قائد الانقلاب لا يمثلون إلا أنفسهم وليس لهم صلة بإقرارات التوبة، متهمًا إياهم بأنهم سرقوا جهد الشباب على مدار الشهور الماضية من إعداد إقرارات التوبة لشباب الجماعة داخل وخارج السجون لينسبوه لأنفسهم أمام قائد الانقلاب، وأضاف أن الحركة ستتخذ عدة إجراءات مع الحركات المنشقة لإعلان الموقف النهائي تجاه مؤسسة الرئاسة التي تريد إقصاء شباب الإخوان المنشقين من المشهد السياسي.
وأشار إلى أن هناك حالة غضب عارمة لدى الشباب من المتاجرة بهم وعدم التنسيق معهم خلال اللقاء مع قائد الانقلاب، واصفًا تصريح الخرباوي بأن لديه 180 إقرارًا للتوبة من قبل منتمين للإخوان بأنه كذب وليس له أساس من الصحة. وتأمل حالة المكر والحقد الدفين في نفوس هؤلاء.
ونلاحظ ظهور مصطلح التوبة ويبالغ الهلباوي في شرح مصطلح التوبة وهو يعني التوبة من العنف اللفظي والعنف الجسدي، لكن على ما يبدو أن سلطة الانقلاب تحاول أن تلعب دور المراجعات الفقهية كما حدث مع شباب الجماعات الإسلامية من قبل لتستدرج الشباب بعيدًا عن قيادات الإخوان مع الفارق طبعا في كل شيء.
وأخيرا فإن لقاء هؤلاء القادة مع قائد الانقلاب ما هو إلا نوع من الـ -شو الإعلامي- لإظهار أن شباب الجماعة يتمرد على القيادة وهناك مراجعات وإعلان للتوبة.
نعم الجماعة لديها نقطة ضعف واحدة وهى ألا تراق نقطة دم واحدة أو تزهق روح بريئة.. وستبقى جماعة الإخوان المسلمين عقبة كأداء أمام محاولات استئصال المشروع الإسلامي، ولذلك تتعرض لضغوط عديدة من كل اتجاه، بهدف إخراجها عن منهجها القويم ووسطيتها واعتدالها.
أما مشروعات تفكيك الجماعة فهؤلاء ظنوا كما ظن غيرهم أن جماعة الإخوان المسلمين حزب كرتوني كحزب الوفد أو حزب توتو يمكن أن ينفرط عقدها أمام أول محاولة.

