بقلم: د. عز الدين الكومي
عندما استخدم آباؤنا وأجدادنا هذه الأمثلة لم يجانبهم الصواب عندما قالوا في أحد الأمثلة الشعبية الرائعة "الجنازة الحامية والميت كلب"، بل ربما أصابوا النجعة حتى صرنا نحن نستخدم هذه الأمثلة وغيرها للتدليل على سفاسف الأمور والإعلاء من شأن ما هو تافه.
مواقع التواصل الاجتماعي في مصر -نصبت المندبة- وأقامت ميتما وملئت الدنيا صريخا وعويلا ولا حديث لها الآن إلا عن كلب شارع الأهرام بشبرا الخيمة الذي ذبحه بعض الأشخاص انتقامًا منه بعدما اعتدى على شابين حاولا ضرب صاحبه.
حيث قام عدد من المواقع بنشر فيديو صادم يظهر فيه مجموعة من الشباب يلتفون حول كلب تم ربطه بأحد أعمدة الإنارة، وينهالون عليه ضربا وطعنا بأسلحة بيضاء في الشارع حتى خر صريعًا بعدما وجه له أحدهم طعنة بالسكين في رقبته.
طريقة القتل البشعة أثارت غضب رواد موقعي «تويتر» و«فيس بوك»، ودشنوا هاشتاج «#كلب_شارع_الأهرام» للمطالبة بضبط الجناة. وأنا متأكد أن أم الكلب ستكلف مستشارها الصحفي بالرد على مقالي هذا بمقال في صحف السبوبة بعنوان (وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة لتعبر عن فجعيتها في ضناها).
من جهتها استنكرت منى خليل -رئيسة جمعية الرفق بالحيوان واقعة ذبح الكلب وتعذيبه- وقالت -في مداخلة هاتفية وبمنتهى البراءة- إن هذه الجريمة لا يقبلها أي دين سماوي والاعتداء على الحيوان هو بداية نشأة كل مجرم في المجتمع، وأنها ستتقدم ببلاغ يوم الخميس ضد المتهمين بقتل الكلب، وصاحب الكلب الذي سمح لهم بارتكاب الجريمة.
وهكذا تكون صناعة إلهاء الشعوب كما حذر منها الخواجة تشومسكي في "الإِستراتيجيات العشرة لإِلهاء الشعوب، حتى صار إلهاء الشعوب صناعة يخطط لها.. وترصد من أجل نجاحها الأموال وتقام لها الدراسات والإستراتيجيات بعيدة المدى.. وتتعدد مفردات الإلهاء ما بين إعلام فاسد، وفن هابط، وافتعال مشكلات اقتصادية واجتماعية.
هل رأى هؤلاء البكاؤن ما حث لآلاف الشباب في مجزرتي رابعة والنهضة قتلا وحرقا وقنصا وتجريفا ودفنا في مقابر جماعية في معسكرات القوات المسلحة؟ أم رأوا اختناق الشباب وقتلهم في مسجد الفتح برمسيس واحتراق وتفحم سبع وثلاثين شخصا في سيارة الترحيلات وتم براءة القتلة والسفاحين؛ فيما عرف بتسريبات مكتب قائد الانقلاب وتدخل ممدوح شاهين لدى الشامخ، فيما أطلق عليه بعد ذلك الحكم بعد المكالمة؟
أم رأى هؤلاء البكاؤن الحرائر التي تم اغتصابهن من قبل كلاب الداخلية وفي مدرعات الشرطة؟ أم رأوا زوجا يصاب بجلطة عندما يذهب لزيارة زوجته المعتقلة ظلما ولمدة خمس دقائق فيخر مغشى عليه ويفارق الحياة لما رأى معاناة زوجته الأسيرة؟ وهل تأثر هؤلاء لاعتقال الطفل عمروٌدو الثلاث سنوات لإجبار والده على تسليم نفسه؟ أم لم يسمع هؤلاء البكاؤن عن تحويل طفل عمره 8 سنوات للمحكمة العسكرية بتهمة تفجير أبراج الكهرباء؟ أم لم ير هؤلاء البكاؤون الجرافات العسكرية تهدم البيوت في رفح وتهجر أهلها لإقامة منطقة عازلة لحماية الكيان الصهيوني؟
فأين هؤلاء البكاؤون أصحاب القلوب الرحيمة الذين يتباكون على كلب من سلخانات التعذيب في أقسام الشرطة وآخرها المحامى كريم محمد حمدى، وعماد محمد العطار فى قسم المطرية جراء التعذيب وأماكن الاحتجاز وسجن العازولى؟ هل هي دموع التماسيح التي تذرفها وهي تلتهم فريستها أم أصبحت الدموع حلالا على الحيوان وحراما على بني الإنسان؟
أم أنها "جنازة حامية والميت كلب" كما يقول المثل الشعبي، أو كما يقول المرحوم الشيخ كشك في إحدى طرائفه رحمه الله: "إن رجلا غنيا كان عنده كلب يعتز به جدا فاغتاظ الفقراء من هذا الكلب وقتلوه، فأراد الغنى أن يغيظهم فأقام للكلب سرادق عزاء فشكوه لشيخ البلد أنت عملت صوان للكلب، فرد الغنى: نعم.. لأنه ترك 100 جنيه، وقال لى اعمل صوانا بـ50 وأعط شيخ البلد 50، فقال شيخ البلد :المرحوم قال لك أيه؟
وكذلك ما قاله الأستاذ أحمد مطر:
كلب والينا المعظم ::عضنى اليوم ومات.
فدعانى حارس الأمن لأعدم.
عندما أثبت تقرير الوفاة.
أن كلب السيد الوالى تسمم.
لكن بقي أن نقول لهؤلاء البكائين أصحاب المشاعر الجياشة والعواطف الفياضة والتي اهتزت لموت كلب ولم تهتز لحرق الجثث وتمزيق الأشلاء تحت جرافات الجيش وبحور الدماء.. وعلى فكرة هي نفس الأصوات التي تعالت يوم حرق (الكساسبة) ومصمصت الشفاه وسالت دموعها وارتفعت أصوات نحيبها.

