إن الناظر في كتاب الله عز وجل يعلم علم اليقين أن فيه الإرشاد والهداية، والمتمعن والمتدبر في تلاوته تفتح له كنوز عظيمة منثورة بين آياته، ومن هذه الكنوز والدرر آية عظيمة جمعت عناصر العمل الدعوي الذي ينبغي على الداعية تعلمها والتحلي بها، وجعلها نبراسا له في طريق دعوته إلى الله تعالى.

قال تعالى: {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} [الأعراف:١٢٨]

الأساس الأول: الداعية

موسى عليه السلام: هو النبي المكلف بالدعوة إلى الله وإرشاد قومه إلى طريق الحق، وهذه المهمة (مهمة الدعوة إلى الله) ورثتها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فأصبحت هي المكلفة بها.

الأساس الثاني: البيئة

لقومه: وهم بيئة الدعوة، وساحة العمل، والمجتمع الذي حولنا، وهذه البيئة عامة وليست خاصة واسعة وليست ضيقة، فهي تشمل أماكن العمل والتعليم والعبادة والترفيه، الأسر والأفراد الكبار والصغار.

الأساس الثالث: الاستعانة والصبر

استعينوا بالله واصبروا: طلب العون والقوة والقدرة في هذه المهمة يكون من الله فقط والتعلق يكون به فقط وردُ الأمر يكون إليه فقط، فمهما بلغ الداعية من الفطنة والذكاء والاستعداد والتدرب والأخذ بالأسباب؛ فإنه دوما بحاجة إلى معية وتوفيق الله عز وجل، وعلى الداعية أن يعلم أن طريق الدعوة ليس مفروشا بالورود والأزهار فهو غالبا محفوف بالمخاطر الموحشة والمغريات البراقة؛ لذا كان عليه أن يتسلح بالصبر.

الأساس الرابع: الاعتقاد الصحيح

إن الأرض لله يورثها من يشاء: الله عز وجل هو مالك الملك له ملك كل شيء، وهذه عقيدة راسخة في قلب كل المؤمن الداعية، فالسماوات والأرض ومن فيهن كلها لله تعالى، وهو وحده من يمنح الملك أو ينزعه {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء...}.

الأساس الخامس: العبودية

من عباده: ما أجمل وأرواع هذه الإضافه وهي أن يضاف الداعية إلى الله تعالى (عباده) فيكون عبدا لله تعالى، فهذا مقام شريف ومنزلة عالية فقد تشرف بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما أضافه الله إليه حين قال: {سبحان الذي أسرى بعبده...} فمقام العبودية لله شرف عظيم وحضوة عالية في حضرة المقام الإهي، فالجدير بوراثة الأرض هو ذلك المؤمن الذي ارتقى في عبوديته لله تعالى فلا يعبد إلا الله ولا يتوكل إلا على الله ولا يكون في قلبه إلا الله بإيمان مطلق واعتقاد تام (عبادا لنا أولي بأس شديد).

الأساس السادس: التقوى

والعاقبة للمتقين: فعاقبة هذا التدافع ونهايته والفوز والظفر فيه هي لأهل التقوى الذين صدقت نياتهم وأعمالهم وأفكارهم الذين يزنون أعمالهم وفق مراد الله تعالى، ولن تكون عاقبة هذا الأمر أبدا لأهل المكر والدسائس والمكائد والإفساد، وهذا أمرٌ لا يشك به مؤمن عامر الإيمان.

فما هي النتيجة بعد هذا كله؟

بعد هذا كله لا شك أن معية الله وتوفيقه ستكون من نصيب هذا الداعية الرباني، فقد تحققت معية الله لسيدنا موسى عليه السلام وكان التوفيق الإلهي له عجيب جدا، فقبل أن يورثه وقومه الأرض انتقم له من عدوه فأصاب فرعون وقومه نقص من الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم (وما يعلم جنود ربك إلا هو)، ومن ثم كان الإغراق لفرعون وجنوده.

بعدها ورث موسى عليه السلام وقومه الأرض بمشيئة الله تعالى وحده قال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وماكانوا يعرشون} [الأعراف:١٣٧]

الدعوة إلى الله لها أسس وقواعد ومطلوب من الداعية أن يأخذ بها ويعمل وفقها ليحصل له المراد بإذن الله تعالى،ويفتح الله بينه وبين قومه بالحق وهو خير الفاتحين.