نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية، تقريرا تحدثت فيه عن المعاناة التي يتعرض لها المدنيون السوريون خلال عمليات القصف المكثّف التي استهدفت المستشفيات والمدنيين والبلدات والمدن، ما أجبر حوالي 700 ألف شخص على الفرار من منازلهم خلال الأسابيع العشرة الماضية، فيما وصفته الأمم المتحدة بأنها أكبر عملية نزوح خلال الحرب.
 
وقالت الصحيفة في تقريرها، إن قوات النظام السوري، مدعومة من الطائرات الروسية، شدّدت الحصار على مدينة إدلب، آخر المعاقل التي يسيطر عليها المعارضون في البلاد. وتمكّن نظام الأسد من استعادة عشرات البلدات والقرى من المعارضة، بعضها مدعوم من تركيا.
 
وأشارت الصحيفة إلى أنه في ظل إغلاق السلطات التركية لحدودها، والحصار الذي تفرضه قوات النظام السوري على هذه المحافظة، لم يعد هناك ملجأ أمام النازحين للاحتماء به من قنابل نظام الأسد.

وحيال هذا الشأن، قال فياض عكوش، الناشط السوري الذي فر رفقة زوجته وطفليه من بلدة الأتارب التابعة لمحافظة حلب منذ ثلاثة أيام، في مكالمة هاتفية مع صحيفة الإندبندنت: "يوجد الآلاف من الأشخاص المشردين في الشوارع. لا أحد يقدم لنا يد المساعدة. العالم كله يراقبنا ونحن نموت وننتظر سقوط القذائف علينا".

الجدير بالذكر، أن حوالي ثلاثة ملايين شخص يحتشدون حاليا في محافظة إدلب، من بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى من البلاد.
 
وعلى الرغم من أن هذه المنطقة كانت تعد ملاذا للنازحين طيلة فترة الحرب، بيد أنه لم يعد يوجد خيام كافية للقادمين الجدد. ومع امتلاء معسكرات النزوح، فتحت المدارس والمساجد أبوابها لاستقبال النازحين التي غصت بهم.

دون ملجأ

وقال الناطق الإقليمي باسم الأمم المتحدة عن الأزمة السورية، ديفيد سوانسون، متحدثا من جنوب تركيا: "أصبح عدد النازحين في هذه الأزمة خارج نطاق السيطرة الآن مع تنقل آلاف الأشخاص الآخرين".

وأضاف سوانسون قائلا: "لا يملك الكثير من أولئك الذين لجؤوا إلى المخيمات أو المعسكرات غير الرسمية أو المباني غير المكتملة سوى الملابس التي يرتدونها".
 
وأوردت الصحيفة أن الرحلة للوصول إلى أماكن يحتمي بها النازحون تستغرق ساعات طويلة بسبب الأعداد الهائلة الموجودة على الطرقات والشوارع.

وقال ثائر إبراهيم، وهو محاسب يبلغ من العمر 28 سنة من حلب فر بحثا عن ملجأ آمن لعائلته: "أشعر أنني عاجز وغير قادر على الحفاظ على سلامة أطفالي وتوفير مكان دافئ لهم، أو إيجاد مكان لأعيش فيه. أنا مستعد للذهاب إلى أي مكان، حتى لو اضطررت إلى العيش في خيمة لحماية عائلتي من الأذى".

وأضاف إبراهيم قائلا إن "الأمر يستغرق ساعات بالسيارة للذهاب إلى أي مكان بسبب عدد الأشخاص على الطرقات. ولا يوجد ما يكفي من المياه الجارية. فضلا عن ذلك، تتوفر الضروريات الأساسية، ولكن ليست بكميات كافية، كما أنها مكلفة للغاية. كما أن الخبز لا يظل متوفرا سوى لبضع ساعات فحسب".
 
وأفادت الصحيفة بأن تدهور الوضع الإنساني في المنطقة أدى إلى إطلاق الأمم المتحدة تحذيرات شديدة ودعوات ملحة إلى ضرورة الحصول على مزيد من التمويل نظرا لأن ارتفاع عدد النازحين تجاوز قدرتها.

وفي هذا الصدد، قال نائب منسق الإقليمي للشؤون الإنساني في الأزمة السورية، مارك كوتس، "دعونا مجلس الأمن مرارا وتكرارا لحماية السكان المدنيين".
 
خلال الأيام الأخيرة، أدى تجدد الهجوم الذي شنته دمشق، بدعم من القوات الروسية والإيرانية، على إدلب بهدف القضاء على آخر معاقل للمعارضة إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع تركيا، التي تدعم جماعات مسلحة في المحافظة وتتمركز قواتها في مواقع المراقبة على طول الخطوط الأمامية.

وجراء قصف النظام السوري في الأيام العشرة الماضية، قُتل 13 عسكريا تركيا، في حين أعلنت أنقرة أنها تمكنت من القضاء على 52 عنصرا من النظام السوري ردا على ذلك. ومن جهته، لوّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن المزيد من الأعمال الانتقامية في حالة تعرض المزيد من الجنود للأذى.
 
وذكرت الصحيفة أنه على الرغم من موقف تركيا، إلا أنه مازال من غير الواضح ما إذا كانت ستتخذ موقفا حاسما ضد روسيا، الحليفة الرئيسة لنظام الأسد في سوريا، التي تسيطر على المجال الجوي في إدلب.

وعموما، وعد رئيس النظام السوري بشار الأسد بالسيطرة على كل شبر من البلاد، ويبدو أنه يتمتع بدعم موسكو الكامل للقيام بذلك. في هذه الأثناء، تقلّص الدور الذي تلعبه الدول الغربية حيال الأزمة التي تعيشها إدلب إلى دور المراقب فحسب، ولم تعد تلعب دورا مؤثرا على الأحداث الجارية.
 
في سياق متصل، قال أحد الدبلوماسيين الغربيين، الذي لم يرغب في الكشف عن هويته، يبدو أن الاستراتيجية التي تتبعها تركيا لخلق الحدود ومنع تدفق اللاجئين فشلت، مضيفا أن "الأتراك أخطأوا في حساباتهم، حيث كانوا يتوقعون الكثير من الروس والصفقات المبرمة مع الأمريكيين، ويهددون في الوقت ذاته أوروبا بتوافد اللاجئين، ثم يتوقعون منا أن ندفع للاجئين".
 
وخلصت الصحيفة إلى القول إنه بالنسبة للمدنيين الذين يحتشدون في إدلب، يبدو أن التوقعات مازالت قاتمة، حيث يعارض الكثيرون القوى الجهادية التي تسيطر على جزء كبير من المنطقة، ويخشى عدد كبير منهم التعرض لعقوبة السجن أو الموت في حال استعادت قوات النظام سيطرتها على المنطقة.

وبينما ما تزال حدود تركيا مغلقة، يظلّ المدنيين في إدلب محاصرين في منطقة تعيش انكماشا باستمرار، دون مأوى، في ظل انخفاض درجات الحرارة، وعدم وجود وسيلة للفرار. وختم إبراهيم قوله: "نشعر وكأننا نأجل الموت، ولكنه أمر حتمي لا مفر منه".

هرب من الموت

من جانبها، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، تقريرا، تناول حال النازحين من إدلب، حيث أورد في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، أنه "يحاول مئات الآلاف من الناس (معظمهم نساء وأطفال)، الهرب من الغارات الجوية المتواصلة في شماليَ غربيَ سوريا".

وأوضحت أن "عائلات وقع فصل بعضها عن بعض، حيث تحاول مجموعة منهم التقدم إلى الأمام بواسطة سياراتهم، فيما يتنقل آخرون سيرا على الأقدام".

ولفتت إلى أنه خلال تسع سنوات من الحرب الأهلية، وجد ملايين السوريين الأمان في بلدان أخرى أو في محافظة إدلب، حيث كانت ملاذهم الأخير.

ووصفت الصحيفة ما يعانيه النازحيون بإنه "رحلة مؤلمة ومحفوفة بالمخاطر في البرد القارس على متن سيارات الشحن المكدسة بالبضائع".

وشبهت ما يعانيه السوريين حاليا بأزمة الروهينغيا سنة 2017. لكن هنا في إدلب، حيث تقاتل القوات الموالية للحكومة لاستعادة آخر أراضي المعارضين، يفر الكثير من الناس للمرة الثالثة أو الرابعة على التوالي.

وأكدت أنه "فرّ 800 ألف سوري خلال ثلاثة أشهر، وهذا ما يبدو عليه الأمر"، لافتة إلى أن تركيا أغلقت حدودها. وفي ظل تقدم القوات الموالية للحكومة إلى إدلب، يتم حشر المدنيين في مناطق ضيقة بين الحدود والحرب.

وأكدت أن المدنيين "جزء من النزوح الذي بدأ خلال العام الماضي، عقب شن القوات السورية والروسية هجومًا جديدًا على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة".

وكتبت: "فر أبو محمد، وهو أب لأربعة أطفال وجندي سابق في الحكومة، مع أسرته خلال السنة الماضية. لم يأخذ سوى ما يمكن أن يسع على دراجة نارية واحدة صغيرة، فضلا عن بعض البطانيات وكتاب الإنجليزية الذي يعود لابنته البالغة من العمر 18 عاما".

وقال للصحيفة: "غدونا بلا أي شيء".

وأكدت الصحيفة ضرب قوات النظام السوري المستشفيات والمدارس والمخابز. كما أصبحت الرعاية الصحية في العديد من الأماكن بعيدة المنال. كما قُتل ما لا يقل عن 1700 مدني منذ بداية الهجوم في الربيع الماضي.

وأوردت الصحيفة: "استهدفت الحكومة السورية وحلفاؤها الناس، وهم بصدد الفرار، وأسفر الهجوم على عربة إحدى العائلات خلال الأسبوع الماضي عن مقتل تسعة مدنيين، من بينهم سبع نساء وأطفال".

إحراق المنازل

وأفادت: "أضرم بعض الناس النار في منازلهم قبل المغادرة، مصممين على عدم تركها تسقط تحت سيطرة الحكومة".

ونقلت عن عبد الرحمن عبده وهو يحرق منزله: "احرقوا كل شيء. لا أريد أن أرى" قوات الحكومة بداخله".

وقالت الصحيفة: "بدا أن الهدف من الضربات يتمثل في إجلاء الناس. وقد نجح الأمر".

ولفتت إلى أنه في حالة سقوط إدلب، سيقترب بشار الأسد من السيطرة على آخر الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في البلاد، والتي فقدها في سنة 2012.

وأكدت أنه انتهى الأمر بالعديد من الأشخاص الذين فروا في ظروف كهذه، بالتخييم في خيام واهية تغمرها المياه مرارا وتكرارا. ويعيش البعض في هذا المكان منذ شهور.

وقال أبو محمد إنه يستخدم البطانيات التي أحضرها لمحاولة منع دخول الريح إلى الغرفة نصف المبنية التي يقيم فيها.

وأضاف: "إنه برد قارس كذلك. لقد احترقت هذه الخيمة بعد أن أشعلت عائلة النار بحثا عن الدفء، ما أسفر عن مقتل شقيقتين صغيرتين. ومات ما لا يقل عن 12 شخص جراء التعرض للحريق".

وأكدت الصحيفة أنه في حال استمر القتال، فسوف يفرّ مئات الآلاف وسيحتاجون إلى مأوى.

وشُيّدت المساكن المبنية من الطوب بالقرب من الحدود التركية لإيواء جزء صغير من النازحين. ولكن هذا الأمر لا يكفي.

وختمت الصحيفة تقريرها بالقول: "أوروبا وتركيا ولبنان، الكل يريد أن تزول أزمة اللاجئين، وأن يعود السوريون إلى سوريا. لكن البلاد تدمّرت بشدة، وانهار اقتصادها، بحيث من الممكن أن يعيش الناس كلاجئين لسنوات. فهل سيتمكن السوريون من العودة إلى ديارهم في يوم من الأيام؟".