نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحافي إيشان ثارور، يقول فيه إنه في الوقت الذي انصب فيه اهتمام واشنطن على مواجهة ترامب مع إيران، والصواريخ التي أطلقتها (على قاعدتين) في العراق، فإن الصراع المستمر في دولة عربية أخرى، هي ليبيا، أثار مخاوف القيادات العالمية.

ويشير ثارور في مقاله، إلى أن قوات اللواء خليفة حفتر قامت منذ نيسان/ أبريل بشن هجوم ضعيف في محيط العاصمة، طرابلس، وبقيت مشغولة في حرب استنزاف مع المليشيات الموالية لحكومة الوفاق الوطني التي تعترف فيها الأمم المتحدة، لافتا إلى أنه بعد أكثر من عام من ضربات الطائرات المسيرة والقصف المدفعي، فإن ميزان الصراع لم يتحول بعد، رغم أن القتال أدى إلى سقوط مئات القتلى ونزوح 140 ألف مدني، وإغلاق عدد لا يحصى من المدارس والمرافق الطبية.

ويقول الكاتب: "بعيدا عن ساحة المعركة، فإن هناك صراعا جيوسياسيا، فمنذ بدء الحملة الجوية التي قادتها أمريكا في ليبيا، التي أدت إلى الإطاحة بالديكتاتور الليبي معمر القذافي عام 2011، فإن هذه البلد الشمال أفريقية والغنية بالنفط تحولت إلى دولة فاشلة، ففيها حكومتان متنافستان، حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، والأخرى مرتبطة بحفتر في غرب ليبيا، تحاول كل منهما السيطرة وسط مستنقع من أمراء الحرب والمليشيات، بما فيها تنظيم الدولة، وتدعم الفصائل المتناحرة دول أجنبية التي دخلت الصراع بسبب عداوة أيديولوجية ومصالح اقتصادية جعلت التوصل إلى السلام أكثر صعوبة".

ويلفت ثارور إلى أن "حفتر، الذي كان من رجال القذافي ثم ذهب وعاش في أمريكا لفترة، تدعمه كل من الإمارات ومصر، اللتين ترى قيادتهما أن حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها السراج هي معقل للإسلام السياسي، بينهم متعاطفون مع الإخوان المسلمين، وفي الفترة الأخيرة التحق مئات المرتزقة المرتبطين بالكرملين بحملة حفتر، وتلقت حكومة الوفاق الوطني دعما من كل من قطر وتركيا، وبعد تصويت في البرلمان التركي بدأت تركيا بإرسال وحدات جيش للمساعدة في الدفاع عن طرابلس".  

ويفيد الكاتب بأن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقع اتفاقا مع حكومة السراج على الحدود المائية في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تسعى أنقرة للحصول على نصيب أكبر من الموارد المتوفرة تحت البحر، لكن بيانا صدر هذا الأسبوع من وزراء خارجية فرنسا واليونان ومصر وقبرص، أعلن عن أن اتفاقية أردوغان مع حكومة الوفاق الوطني (لاغية)؛ لأنها تتعلق بمساحات تدعيها الدول الثلاث الأخيرة، وتأمل في الحصول على حقوق التنقيب فيها".

وينوه ثارور إلى أنه "وسط أصوات محلية ضد إرسال قوات تركية إلى ليبيا، فإن أردوغان أعاد للأذهان تاريخ بلده العثماني لتبرير تدخله، فقال يوم الخميس: (نحن في تلك الأراضي (ليبيا)، حيث صنع أجدادنا التاريخ، لأننا دعينا لرفع الظلم والاضطهاد".

ويقول الكاتب: "تفوح رائحة فترة زمنية سابقة من الفوضى الاستراتيجية في ليبيا عندما تنافست القوى الأجنبية للنفوذ في البلد الغني بالموارد الطبيعية الغارق بالفوضى السياسي، لكنه أيضا يعكس بعمق واقعنا السياسي هذه الأيام، حيث أصبح (المجتمع الدولي) قليلا ما يتحدث بصوت واحد، ويبدو تأثير القوة العظمى في العالم، الولايات المتحدة، في حالة تراجع، ولم تستطع إدارة أوباما ولا إدارة ترامب فعل شيء لوقف الفوضى في ليبيا".

ويورد ثارور نقلا عن افتتاحية لـ"واشنطن بوست"، قولها إن "هذا كله يحصل جزئيا بسبب فشل الولايات المتحدة في ممارسة نفوذها مع الأطراف المتحاربة وحلفائهم الخارجيين.. وبدلا من ذلك قامت إدارة ترامب بإرسال إشارات مختلفة، فرسميا هي تدعم حكومة طرابلس؛ لكن في شهر نيسان/ أبريل الماضي تلقى الرئيس ترامب مكالمة هاتفية من حفتر.. وأبدى دعمه له".

ويذكر الكاتب أن "الأوروبيين حاولوا فرض مصالحة، لكن المفعول كان ضعيفا، وكان السراج في بروكسل هذا الأسبوع، والتقى بالدبلوماسيين الأوروبيين، وقال وزير الخارجية الألماني، هيكو ماس: (نريد أن نتجنب أن تصبح ليبيا ساحة للحروب بالوكالة.. لا يمكن لليبيا أن تصبح سوريا ثانية، ولذلك نحتاج الدخول في عملية سياسية في أسرع وقت، والتوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق نار فعال، وحظر على الأسلحة)، لكن حتى داخل أوروبا يبدو أن هناك اختلافا حول الطريق إلى الأمام، حيث فرنسا بالذات تبدو أكثر دعما لحفتر".

ويشير ثارور إلى أن تفاعل أوروبا مع ليبيا بشكل عام جعلها تخسر الأرضية لكل من روسيا وتركيا، والتقى اردوغان هذا الأسبوع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأعلنا معا عن وقف إطلاق نار سيبدأ يوم الأحد.

وتنقل الصحيفة عن العالم المتخصص في الشأن الليبي في المعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية، وولفرام لاتشر، قوله: "لقد ترك الأوروبيون والأمريكيون هذا النزاع يمتد من نيسان/ أبريل حتى وصل إلى طريق مسدود، وهذا سمح للروس بالتدخل بعدة مئات من المرتزقة على الأرض، وإحداث تغيير.. وما نراه هو سباق على من سيؤثر على الإطار الدولي لأي مفاوضات لإنهاء الصراع، ويحاول بوتين وأردوغان تحدي ادعاء أوروبا بأحقيتها في القيادة في ليبيا".

ويستدرك الكاتب بأنه "ليس من المؤكد أن أي فصيل ليبي سيلتزم بوقف إطلاق النار الروسي التركي، ويحصل حفتر على مزيد من الدعم المباشر من مصر والإمارات، وعندما كان الرئيس باراك أوباما في الحكم وبخ كلا من الإماراتيين والقطريين لتزويد وكلائهما بالأسلحة، في انتهاك للحظر الأممي على الأسلحة، ومن الواضح أن فعله هذا لم ينتج عنه الأثر المرغوب".

ويورد الكاتب نقلا عن الخبيرين في الشأن الليبي فريدريك ويهري وجلال حرشاوي، قولهما في مقال لهما نشره موقع مجلة "فورين أفيرز"، بأن إدارة ترامب قد تكون هي الوحيدة القادرة على وقف تقدم حفتر، وتجنب وقوع "كارثة" لسكان طرابلس المدنيين، وأضافا: "يجب على أمريكا أن تضع المزيد من الضغوط على الإمارات لتتوقف عن التدخل العسكري، ولجلب حفتر لطاولة المفاوضات"، وتابعا قائلين: "يجب على واشنطن أن تستخدم الأدوات الدبلوماسية المتوفرة لديها كلها".

ويختم ثارور مقاله بالقول: "لكن بالنسبة لإدارة لم تعرف بحذاقتها الدبلوماسية -ناهيك عن التشديد على الملكيات الخليجية- فإنه طلب صعب".