تعد رسالة التعاليم من أهم رسائل الإمام البنا، وقد وجهها لتربية الأفراد داخل الجماعة، وذلك لتوحيد المفاهيم، وحتى يصدر جميع أفراد الجماعة عن فهم واحد للإسلام.

ولذا قال في مطلع هذه الرسالة التربوية الجامعة: «فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها».

أيها الإخوان الصادقون: أركان بيعتنا عشرة فاحفظوها:

«الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوَّة، والثقة»؛ ولهذا تفاعل مع هذه الأركان كل فرد في هذه الجماعة لكي يصدق النية مع الله.

الفهم

الفهم هو أحد هذه الأصول التربوية، والتي ابتغى الإمام البنا من ورائها أن يوقن ويتربى كل فرد بأن فكرتنا إسلامية صميمة.

ومن الأمثلة التربوية على حسن تطبيق الإخوان لهذا الركن، أن المستشار حسن الهضيبي– بعد أن خُفف عنه الحكم من الإعدام للمؤبد- كان يقضي وقت فسحته في الحديقة المواجهة لمدير السجن، ويقوم بأداء تمرينات رياضية بملابس زاهية.

وحينما سأله أحد الإخوان عن سر ذلك عبر له بفهمه لمدلول الإسلام بقوله: دعهم لا يرون منا إلا البشاشة، وارتفاع المعنويات، حتى يتحققوا أن سهامهم طاشت، ولم يبلغوا منا ما يريدون، ألم يبلغك قول رسول الله ﷺ: «رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة»، وهذا الفهم ما يقوم به كل فرد في السجون الآن تطبيقا للفهم الشامل للإسلام([1]).

الإخلاص

«أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله»، هكذا عمل الإمام البنا على تربية إخوانه، فكانت النماذج الحقيقية لهذه التربية.

والأمثلة التربوية كثيرة، ومنها ما قام به أحد الرعيل الأول للجماعة، وهو الأستاذ عبد العزيز علام النبي الهندي الذي يعمل (ترزيًا) في المعسكر الإنجليزي حيث دعته زوجة أحد كبار الضباط لبعض الأعمال الخارجية بمهنته، وراودته عن نفسه فرفض بشدة إخلاصًا لله وخوفًا، فأغرته ثم هددته وصوبت نحوه المسدس، فصرخ في وجهها بالشهادة، فسقط المسدس من يدها، وما كان منها إلا أن أخذت تدفعه دفعًا خارج بيتها، فخرج يجري حتى بلغ دار الإخوان([2]).

العمل

وضع الإمام البنا مراتب لمنهج العمل التربوي المطلوبة من الأخ، ومنها إصلاح نفسه، وتكوين البيت المسلم، وإرشاد المجتمع، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي.

لقد تربت الأخوات على هذه المفاهيم مثلما تربى الإخوان، فكنت تراها وقت المحن تعمل على حمل رسالة الدعوة، وتبلغها لديوان الملك، كما كانت تشكل اللجان لخدمة المعتقلين وذويهم دون كلل أو ملل، وفي الانتخابات كانت القوة الضاربة خلف المرشح، وفي البيوت يعملن على الحفاظ على أزواجهن وأبنائهن.

الجهاد

رفع الإخوان شعارهم التربوي الواضح [الجهاد سبيلنا] ومن ثَم عملوا تربويًا على تحقيق ذلك في نفوسهم من الاستعداد لهذه اللحظة، وتجهيز ما يمكنهم في المشاركة، وما إن فُتح باب التطوع حتى تسابق الشيوخ والشباب، فكان الإمام البنا يُعيد الكبير جدًا، والصغير، وأصحاب المسئوليات.

وقد رأينا كيف أن عبد الرحمن البنان اشترى لنفسه بدلة الحرب، وسافر واخترق كل الكمائن حتى وصل لأرض فلسطين، وضرب أروع الأمثلة تربويًا كان لها مردود طيب على نفسه وأهله وهو داخل المعتقل([3]).

التضحية

لا تقوم دعوة ولا جماعة بدون تقديم أفرادها للتضحية من أجل سموها ورفعتها، والأمثلة لا تحصى ولا تعد على تضحيات الإخوان من أجل فكرتهم ومبادئهم.

لخص الإمام البنا المفهوم التربوي لهذه الركن حينما سأله مندوب مجلة (مسامرات الجيب): «هل أنت غني؟ وكان جوابه: نعم، أنا غني بهذه القلوب المؤمنة التي تحابت معي فى الله، فقال مندوب المجلة: أقصد الناحية المادية؟ فقال فضيلته: نعم، غني والحمد لله، فكل أموال الإخوان التي فى جيوبهم ملك للدعوة».

وهكذا ظلت جماعة الإخوان تسمو بتربية أفرادها، التي كان يضحي كل فرد بماله ووقته ونفسه من أجل دعوته وما زالوا كذلك([4]).
 
التجرد

لقد تشابكت المفاهيم التربوية بين الطاعة والثبات والتجرد، فأخرجت أجيالًا قادرة على أن تصفو بأرواحها، وتتجرد لدينها.

فهذا عمر التلمساني سليل عائلة البشوات، كان يسافر مع الإمام البنا في الدرجة الثالثة فكان يطأطأ رأسه خجلًا، وكان الإمام البنا ينظر إليه مبتسمًا، وأحسن البنا تربيته، فيقول الأستاذ التلمساني: «حتى إذا ما طالت عشرتي للإخوان، أصبح ركوب الدرجة الثالثة عندي كركوب الأولى الممتازة دون حساسية أو تحرج»، حتى وصفه الصحفي محسن محمد بقوله: قابلته في مكتب جريدة (الدعوة) بالقاهرة، لا توجد حوله سكرتارية ضخمة، أو قيود تمنع لقاءه. والمكتب الذي يجلس عليه صغيرٌ للغاية، فقد نبذ الرجل الأبهة، وقد كان من أغنياء الإخوان في شبابه، إنه التجرد لله، إنهم أناس باعوا الدنيا واشتروا الآخرة([5]).

الثقة

لقد ختم الأستاذ البنا تربوياته في هذه الرسالة بالأخوّة التي غُلفت بمعاني الثقة، فتلاقت القلوب على الحب والثقة في منهجها وقادتها ومبادئها.

فهذه هي السيدة نعيمة خطاب حينما توسط الملك سعود بن عبد العزيز لدى عبد الناصر لتخفيف حكم الإعدام عن المرشد العام الهضيبي عام 1954م أرسلت خطابًا له موقع باسمها وأسماء بناتها قالت فيه: «يا جلالة الملك، إننا إذ نشكر كريم عاطفتك نؤكد على أننا على عهد الدعوة وميثاق الجهاد، وسواء استشهد الهضيبي أم طالت به حياة فلن تقف عجلة الصراع، ولو ذهب في سبيله آلاف الشهداء، من رجال ونساء، حتى تعلو كلمة الله، ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون»([6]).

لقد ترسخت المفاهيم التربوية في نفس كل فرد في هذه الجماعة أو تعامل معها، وهي الصفات والتربويات التي تحتاجها المجتمعات في هذا الأيام الضارية.

المصادر

([1])  محمد عبد الحليم حامد: مائة موقف من حياة المرشدين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1993م.

([2]) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1998م.

([3]) عبد الرحمن البنان: مذكرات فتى الجهاد، دار النشر للجامعات، 2009م.

([4]) عبده مصطفى دسوقي: مواقف تربوية في ضوء رسالة التعاليم، مؤسسة إقرأ للتوزيع والنشر والترجمة، 2008م.

([5]) محسن محمد: صحيفة الأخبار، تحت عنوان من القلب، 1986م.

([6]) مريم السيد: نساء مجاهدات على طريق الدعوة، مجلة المجتمع، 2006م.