عامر شماخ

بعد أن صمت المطالبون بفصل الدعوى عن السياسى عقب فشل مهمتهم، ظهر علينا جماعة مختلفو الآراء، متعددو الأهواء لا يجمعهم رابط سوى انحيازهم للعسكر وإن تظاهروا بعكس ذلك، كما يجمعهم كرههم للإخوان والحقد عليهم -يطالبون بحل الجماعة وإزاحتها عن الساحتين السياسية والدعوية بالكلية…

لماذا يا سادة؟ يقولون: لأجل حل الأزمة المستعصية، والخروج بمصر إلى بر الأمان.. هكذا اعتبروا الإخوان هم الطرف الأوحد المسئول عما حل بالمحروسة من نكبات؛ لذا يطالبون بنفيهم من الوجود. أما الطرف الجانى الذى أوردنا المهالك فلا شىء عليه، بل لم يرد ذكره على ألسنة هؤلاء (النشطا) الوطنيين!!

لقد استقر فى أذهان هؤلاء الناس أن الإخوان فصيل سياسى كبير، يحصد الأصوات الانتخابية، ويعارض أنظمة الحكم العسكرية، ويمنعهم أنفسهم من الحصول على شىء من المغانم السياسية؛ لذا فإنهم يطلبون ما يطلبون ظانين أنه يمكن التضحية بهذا الفصيل كما جرى فى بلدان أخرى. وتناسوا أن الإخوان رابطة لا تنحلّ، وكيان يستحيل القضاء عليه ولو تم قتل جميع أفراده المعروفين وغير المعروفين لدى الأمن ومرشدى السلطة؛ فالإخوان دعوة، والدعوات لا تموت، ومن ظن أنه يقدر عليهم فقد أفنى حياته فى وهم وخداع؛ فإن المصلحين الحقيقيين باقون ما بقيت سماوات وأراضين؛ كلما فنى منهم فوج قيض الله فوجًا آخر ينصحون الناس ويبلغونهم آياته..

ولو اعتبروا لعادوا لأحداث الخمسينيات والستينيات. لقد فُعل بالإخوان ما فُعل، وقد حُلّ التنظيم وتوقفت الأنشطة جميعًا لمدة عشرين سنة، وإن هى إلا انفراجة سياسية محدودة حتى عاد الإخوان أقوى مما كانوا، وأنشط مما كانوا؛ فتضاعف عددهم، وانتشر ذكرهم، وحلت فكرتهم فى شتى أرجاء الدنيا حتى استقرت فى نحو ثمانين دولة، قد تحمل الجماعة فى تلك البلاد مسميات أخرى غير مسمى الإخوان المسلمين، لكنهم يعتقدون العقيدة نفسها، ويحملون المبادئ نفسها، ويسلكون السلوك نفسه.

الإخوان المسلمون إذًا فكرة تجمع المسلمين الذين يؤمنون بأن الإسلام (نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا؛ فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء..)..

ولو حصرت المؤمنين بهذا الفكر لوجدتهم الغالبية الغالبة للمسلمين، والغالبية الغالبة للمصريين، الذين يعطون أصوتهم للإخوان من دون تردد، ولو عقدت انتخابات حرة الآن لاكتسحها الإخوان، ولظل أصحاب فكرة حلهم يشقون الجيوب ويلطمون الخدود..

لقد لخص الإمام الشهيد حسن البنا فكرة الإخوان –التى لم يستوعبها هؤلاء (النشطا) وكثير من الناس- بقوله: (لسنا حزبًا سياسيًا، وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا، ولسنا جمعية خيرية إصلاحية، وإن كان عمل الخير والإصلاح من أعظم مقاصدنا.. ولسنا فرقًا رياضية وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلنا…

لسنا شيئًا من هذه التشكيلات، فإنها جميعًا تبررها غاية موضعية محدودة لمدة معدودة، وقد لا يوحى بتأليفها إلا مجرد الرغبة فى تأليف هيئة والتحلى بالألقاب الإدارية فيها..

ولكننا أيها الناس: فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحده موضع ولا يقيده جنس ولا يقف دونه حاجز جغرافى، ولا ينتهى بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ وذلك لأنه نظام رب العالمين ومنهاج رسوله الأمين…

نحن أيها الناس -ولا فخر- أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحمله رايته من بعده، ورافعو لوائه كما رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظو قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا، ورحمة الله للعالمين…

نحن روح جديد يسرى فى قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو مرددًا دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن الحق الذى لا غلو فيه أننا نشعر أننا نحمل هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس).

وقد تعرضت الجماعة للحل من قبل على أيدى العسكر؛ فقد صدر قرار (مجلس قيادة الثورة) فى 12 من يناير 1954 بهذا الحل، وكان رد الإخوان على هذا القرار بيانًا أصدره الإمام الهضيبى، فند فيه ما جاء فى بيان العسكر، وقال فى نهايته تلك الجملة التاريحية:

(إن قرار حل الإخوان -وإن أنزل اللافتات عن دورهم لم يغير الحقيقة الواقعة وهى أن الإخوان المسلمين لا يمكن حلهم؛ لأن الرابطة التى تربط بينهم هى الاعتصام بحبل الله المتين، وهى أقوى من كل قوة، وما زالت هذه الرابطة قائمة ولن تزال كذلك بإذن الله، ومصر ليست ملكًا لفئة معينة، ولا يحق لأحد أن يفرض وصايته عليها، أو أن يتصرف فى شئونها دون الرجوع إليها والنزول على إرادتها؛ لذلك كان من أوجب الواجبات على الإخوان المسلمين أن يذكروكم بأنه لا يمكن أن يبت فى شئون البلاد فى غيبتهم، وكل ما يحصل من هذا القبيل لن يكون له أثر فى استقرار الأحوال ولا يفيد البلاد بشىء).

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر