انحدرت شبكة الإنترنت إلى مستوى منخفض جديد، وأصبحت مكانًا مزعجًا، إذ عند التسوق عبر الإنترنت يمكنك أن تتوقع إعلانًا عن ذلك الشيء الذي يلاحقك من موقع إلى آخر، وفي حال كان لديك بعض علامات التبويب المفتوحة ضمن متصفح الويب، فإن بطارية الحاسب المحمول تستنزف بسرعة، وذلك دون الحديث عن مقاطع الفيديو التي يتم تشغيلها بشكل تلقائي عند التمرير عبر صفحة ويب.

وساعدت هذه العوامل على جعل شبكة الإنترنت مكانًا غير آمن، كما أنها أصبحت تمثل تجارة غير عادلة، إذ ينبغي على المستخدم التخلي عن خصوصيته ضمن الإنترنت مقابل الحصول على خدمات مريحة إلى حد ما وإعلانات تستهدفه بشكل كبير، ولذا يبدو أن الوقت قد حان لتجربة متصفح ويب مختلف، ونتحدث هنا عن فايرفوكس Firefox، المطور من قبل شركة موزيلا Mozilla غير الربحية.

وظهر هذا المتصفح في أوائل العقد الأول من القرن العشرين ليكون بمثابة أسرع وأفضل أداة تصميمًا لتصفح الويب، ولكن تغيرت الأمور بشكل كبير بعد أن أصدرت جوجل في عام 2008 متصفحها للويب المسمى كروم Chrome، وهو متصفح أسرع وأكثر أمانًا وتنوعًا.

وقامت موزيلا مؤخرًا بالضغط على زر إعادة ضبط متصفح فايرفوكس، وذلك بعد مرور حوالي عامين على اجتماع عدة موظفين من الشركة والنقاش حول حالة متصفحات الويب، حيث خلصوا في النهاية إلى وجود أزمة ثقة في الويب، وقال مارك مايو Mark Mayo، كبير مسؤولي المنتجات في موزيلا عبر مقابلة: “إذا لم يثقوا بالويب، فلن يستخدموا الويب، لقد شعرنا بهذا وكنا ذاهبين في الاتجاه الذي نحن بصدده الآن، وهكذا بدأنا بالتفكير في الأدوات والمعماريات والأساليب المختلفة”.

ويبدو أن متصفح فايرفوكس قد عاد بقوة، إذ أصدرت موزيلا نسخة جديدة في أواخر العام الماضي، حملت الاسم فايرفوكس الكمومي FireFox Quantum، حيث تم تصميم هذه النسخة لتوفر السلاسة والسرعة المطلوبة، وقالت موزيلا إن فايرفوكس الذي تم تجديده يستهلك ذاكرة أقل من منافسيه، مما يعني أنه بإمكانك فتح العديد من علامات التبويب مع مواصلة عملية التصفح بشكل سلس.

كما توفر هذه النسخة الجديدة العديد من المميزات أبرزها أدوات الخصوصية، مثل الميزة المدمجة المخصصة لحظر الإعلانات التي تتبع المستخدم وميزة منع فيسبوك من مراقبة نشاط المستخدم عبر الويب، وهي ميزات لا تتواجد ضمن معظم متصفحات الويب الرئيسية الأخرى.

ووفقًا لاختبار استمر لمدة ثلاثة أشهر أجراه بريان تشين Brian Chen من صحيفة نيويورك تايمز فإن فايرفوكس كان على قدم المساواة مع متصفح جوجل المسمى كروم في معظم الفئات، مع قدرة ميزات الخصوصية المدروسة ضمنه بجعله المتصفح الرئيسي بالنسبة له، مع توضيحه للميزات التي ساعدته على أخذ هذا القرار، والتي يجب إلقاء نظرة عليها.

ميزات الخصوصية

تدعم متصفحات فايرفوكس وكروم آلاف الإضافات، وهي عبارة عن برمجيات صغيرة تعمل على تعديل تجربة التصفح، وبالرغم من انتصار كروم في هذه الناحية مع امتلاكه مئات الآلاف من الإضافات بالمقارنة مع 11 ألف إضافة تقريبًا لمتصفح فايرفوكس، لكن خلال أشهر من استخدام فايرفوكس، لم يكن هناك أي شيء قد يرغب بعمله على متصفح كروم ولم يتمكن من فعله على فايرفوكس.

ويدعم كلا المستعرضين 1Password، وهي برمجية إدارة كلمات المرور المعروفة، كما يدعمان الإضافات التي تحظر مقاطع الفيديو من التشغيل بشكل تلقائي عند زيارة مواقع الويب، وكلاهما يدعم uBlock Origin، وهي برمجية حظر الإعلانات التي يوصي بها العديد من خبراء الأمان.

وتقدم موزيلا أيضًا إضافة لمتصفحها تسمى Facebook Container، والتي تعمل على عزل هوية المستخدم ضمن فيسبوك في حاوية خاصة بها، مما يجعل من الصعب على الشبكة الإجتماعية متابعة المستخدم خارج موقعها، إذ عادًة ما تقوم منصة فيسبوك بتتبع أنشطة الاستعراض الخاصة بالمستخدمين حتى خارج موقعها من خلال استخدام أدوات التتبع المزروعة على مواقع ويب أخرى مثل ملفات تعريف الارتباط على الويب.

وبرز فايرفوكس تبعًا لبعض ميزات الخصوصية المتواجدة بشكل مضمن داخل المتصفح، إذ يمكنك تشغيل ميزة حماية التتبع ضمن إعدادات الخصوصية، والتي تمنع المتتبعين عبر الإنترنت من جمع بيانات المتصفح عبر مواقع ويب متعددة، كما يمكنك باستخدام كروم تثبيت إضافة مطورة من قبل جهة خارجية لمنع برامج التتبع، ولكن كلما قل عدد الإضافات المستخدمة عبر المتصفح كان ذلك أفضل.

قال كوبر كوينتين Cooper Quintin، الباحث الأمني في مؤسسة Electronic Frontier Foundation، وهي منظمة غير ربحية تعمل في مجال الحقوق الرقمية: “يبدو أن فايرفوكس قد وضع نفسه كمتصفح صديق للخصوصية، وكان يقوم بعمل رائع لتحسين الأمن أيضًا، بينما تعد جوجل من ناحية أخرى شركة إعلانية بشكل أساسي، لذا فمن غير المحتمل أن يكون لديها أي اهتمام تجاري في جعل كروم أكثر خصوصية في التعامل مع الآخرين”.

وقالت جوجل إن الخصوصية والأمن يسيران جنبًا إلى جنب، وأنها قادت الصناعة على كلا الجبهتين، وأضافت عملاقة البحث أن لديها متصفح الويب الوحيد الذي لديه طريقة للتعامل مع ثغرة Spectre بشكل موثوق به، وهي الثغرة الأمنية التي تم الكشف عنه هذا العام، والتي لا يمكن إصلاحه بالكامل، حيث تؤثر Specter على المعالجات الدقيقة ضمن جميع أجهزة الحاسب في جميع أنحاء العالم تقريبًا، ويمكن أن تسمح بسرقة المعلومات.

ويتضمن متصفح كروم أيضًا مرشح مضمن يمنع الإعلانات غير الملائمة والضارة من التحميل، وقالت باريسا تابريز Parisa Tabriz، مديرة قسم الهندسة في جوجل المتخصصة في الأمن: “لا يمكنك الحصول على الخصوصية بدون أمان على الويب”، ويتمتع كل من كروم وفايرفوكس بأمان صارم من الناحية العملية، حيث يتضمن كلاهما وضع الحماية الذي يعزل عمليات المتصفح حتى لا يصيب موقع الويب الضار أجزاء أخرى من الجهاز مثل الملفات أو كاميرا الويب أو الميكروفون.

وقالت جوجل إن هناك شيئًا يمكن القيام به بشكل أفضل وهو تضمين إعدادات الخصوصية تقنية حظر عمليات التتبع، على غرار الأدوات التي يتضمنها فايرفوكس، وصرحت باريسا تابريز “أعتقد أن هذا شيء يمكننا تحسينه، إذ لدى فايرفوكس بعض الإعدادات التي نعمل على استكشفها أيضًا”.

اختبارات السرعة والبطارية

تشير بعض مواقع الاختبار المعيارية، والتي تحدد سرعة المتصفح عن طريق قياس استجابة عناصر الويب المختلفة، إلى أن كروم قد يكون أسرع، لكن بعض المواقع الأخرى تشير إلى أن فايرفوكس أسرع، ومن خلال التجارب المتعددة للمستخدمين كان كلاهما سريعًا جدًا، بحيث يمكننا القول أنهما متعادلان من هذه الناحية.

كما أن الوعد الذي قطعه موزيلا والمتعلق باستهلاك فايرفوكس ذاكرة أقل يثير الآمال بأنه يجب أن يستخدم أيضًا عمر بطارية أقل، بحيث أوضح اختبار تم على حاسب محمول يستعين ببرنامج نصي لإعادة تحميل المواقع الإخبارية العشرة الأولى تلقائيًا أن فايرفوكس استمر مدة أطول ببضع دقائق فقط من كروم قبل نفاد البطارية، في حين استغرقت البطارية وقتًا أطول بنحو 20 دقيقة عند استخدام متصفح كروم في اختبار تضمن مشاهدة فيديوهات مستمرة من خدمة نيتفليكس عبر كل متصفح.

الخاتمة

يعد فايرفوكس متصفح الويب رقم 2 على أجهزة الحاسب، مع حصوله على حوالي 12 في المئة من مجمل الحصة السوقية لمستعرضات الويب المكتبية، مما يجعله متخلفًا بشكل كبير عن كروم الذي يمتلك نسبة تصل إلى حوالي 67 في المئة، ووفقاً لبيانات شركة StatCounter فإن متصفحات إنترنت إكسبلورار من مايكروسوفت وسفاري من آبل متأخرة أكثر في سوق أجهزة الحاسب المكتبية.

ويبلغ نصيب إكسبلورار حوالي 7 في المئة وسفاري حوالي 5.5 في المئة، أما على هواتف أندرويد، فإن كروم لا يزال المتصفح الأكثر شعبية مقارنة بفايرفوكس، مع توافر نسخة خفيفة الوزن من متصفح فايرفوكس لأجهزة آبل العاملة بنظام التشغيل آي أو إس iOS، ومع ذلك، فإن الطريق إلى الأمام بالنسبة لموزيلا تبدو واعدة بشكل متزايد للمستهلكين.

ولا ترتبط المنظمة غير الربحية بأي علاقة مباشرة مع المعلنين، وتحصل على مبلغ صغير من موفري البحث مثل جوجل Google وبينغ Bing عند إجراء بحث عبر مواقعهم باستخدام فايرفوكس.

تجدر الإشارة إلى أن موزيلا تقدم بالإضافة إلى متصفح فايرفوكس العادي متصفح Firefox Focus، وهو متصفح للأجهزة المحمولة مرتبط بالخصوصية، والذي يعمل على حجب برامج التعقب بشكل افتراضي وينظف سجل تصفح الويب الخاص بالمستخدم بمجرد إغلاق الصفحة، حيث تعد هذه المنتجات بمثابة منتجات الويب التي تحافظ على الخصوصية، والتي يمكن لموزيلا أن تتوسع فيها على المدى الطويل.