بقلم: ربيع عبد الرؤوف الزواوي


إذا كان شهر رمضان هو شهر الانتصارات مع أننا نعلم أن المسلمين فيه يتركون الطعام والشراب في نهاره، وهما وسيلة مد الجسد بالقوة والقدرة على الحركة والعمل والقتال والسفر وقطع الفيافي والقفار، فإن ذلك من وجهة نظري يشير إلى أن الانتصارات والفتوحات لها عتاد وقوة وقدرة وعزيمة ومدد غير التي نعرفها تماما.. إنه سمو الروح، وانطلاقها من محبسها في الجسد الذي يثقله الطعام والشراب، وتقيده الشهوات.

يرتبط شهر رمضان المبارك بانتصارات الإسلام والمسلمين في القديم والحديث، وكثير منا يعرف أن غزوة بدر الكبرى كانت في رمضان، وأن فتح مكة كان في رمضان، وأن فتح عمورية كان في رمضان، وأن معركة الزلّاقة كانت في رمضان، وأن معركة حطين كانت في رمضان، وأن معركة عين جالوت كانت في رمضان، إلى آخر ذلك من الانتصارات والفتوحات الكثيرة التي لا يتسع المقام لسردها في هذا المقال.

ولعل لله تعالى حكمة في ذلك؛ لتظل هذه الأمة – مهما أصابها من خمول وكسل، أو حاق بها من ملمات وإحن – على يقظة من أن تاريخها يشير لحقائق تغيب عنها بين الحين والحين، وكذلك لدفع شبهة أن شهر رمضان شهر الخمول وترك العمل، بل شهر النوم عند البعض للأسف الشديد.

فإذا كان شهر رمضان هو شهر الانتصارات مع أننا نعلم أن المسلمين فيه يتركون الطعام والشراب في نهاره، وهما وسيلة مد الجسد بالقوة والقدرة على الحركة والعمل والقتال والسفر وقطع الفيافي والقفار، فإن ذلك من وجهة نظري يشير إلى أن الانتصارات والفتوحات لها عتاد وقوة وقدرة وعزيمة ومدد غير التي نعرفها تماما.. إنه سمو الروح، وانطلاقها من محبسها في الجسد الذي يثقله الطعام والشراب، وتقيده الشهوات.

إنه شهر استمداد العزيمة والمدد من الله العلي الأعلى، فينطلق المسلمون فيه للنصر لأنهم انتصروا على أنفسهم أولا، فقهروها بتحقيق منعها من الطعام والشراب والشهوة المباحة في نهاره، وهو انتصار لازم لمن يريد أن ينتصر على غيره، فإن المهزوم داخل نفسه مهزوم أمام غيره ولا شك.

إنه شهر يتلو فيه المسلمون كتاب ربهم، الذي يهجره البعض في غير رمضان للأسف، كتاب ربهم الذي يحدثهم في كثير من آياته عن أجر الجهاد في سبيل الله تعالى، وعن مكانة المجاهدين في سبيله، وعن حُسن مصير الشهداء عند ربهم، وعن مكانتهم بعد استشهادهم، ونفت آياته الكريمات أن يكونوا موتى؛ {… بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} فتهفوا نفوسهم وتحنّ قلوبهم للجهاد، والموت في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى.

كما ترفع آيات القرآن الكريم من شأن يوم غزوة بدر فتسميه {.. يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} والجمعان؛ جمع الحق يقوده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمع الباطل يقوده أبوجهل، جيش الحق قليل يقوده رسول الله المرتبط بالسماء والآخرة، وجيش الباطل يقوده أبو جهل المرتبط باأرض والدنيا، فقد كان لا يفكر يومها إلا في أن تسمع بهم العرب، وأن ينحروا الجزور، وأن يشربوا الخمر وترقص لهم القيان.

وتصور آيات القرآن الكريم ذلك المشهد في أروع صورة؛ { كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} ولذلك ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال يومها: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تجادلك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني».

وقد كانت نتيجة المعركة – مع توفيق الله ومدده لجيش المسلمين – محسومة لصالح الإسلام، لصالح الجمع القليل الذي صبر على ملاقاة جيش يفوقهم ثلاثة أضعاف عددا وعُدّة.

هناك التقى الجمعان جمع يقوده غرور أبي جهل كهر تأسدا وجمع عليه من هداه مهابة وحادية بالآيات في الصبر قد حدا وشمّر خير الخلق عن ساعد الفدا وهز على رأس الطغاة المهنّدا وجبريل في الأفق القريب مكبّر ليلقي الونا والرعب في أنفس العدى وسرعان ما فرت قريش بجمعها وعافت أبا جهل هناك ممددا منكّسة الرايات مفلولة العُرى جريحة كبر قد طغى فتبددا ينوء بها ثقل الهوان وهمه وتفضحها أسرى تريد لها الفدا وأنف أبي جهل تمرغ في الثرى وداسته أقدام الحفاة بما اعتدى ومن خاصم الرحمن خابت جهوده وضاعت مساعيه وأتعابه سدى وكيف يقوم الظلم في وجه شرعة تسامت على كل الشرائع مقصدا سماوية الأغراض ساوت بنهجها جميع بني الدنيا مسودا وسيدا

شاء الله أن تكون أول معركة في الإسلام بهذه الصورة، وبهذا المنظر، وفي هذا المكان، وفي هذه الظروف، وبهذه القيادة، وبهذين الجيشين، وفي هذا الوقت، لتكتمل الصورة المثلى للمعاركة اللاحقة، فلم تجتمع في معركة بعدها هذه المحاور كما اجتمعت هنا في غزوة بدر؛ يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان.

إن في ذلك لدرس وعبرة لنا؛ فلا نخاف ولا نيأس، إن أسباب انتصارات الإسلام كامنة في شرعته وعقيدته، وليست في أهله، وكلمة السر فيها أننا متى حققنا هذه الأسباب والمؤهلات في أنفسنا تحقق لنا النصر إن شاء الله في أي زمان وأي مكان.

المصدر: موقع طريق الإسلام