عامر شماخ
أولئك الأسياد، ساكنو الزنازين، سلسلة السلف الصالح، المُضحون لأجل الدين، من اختارهم الله لإبلاغ رسالته، ونشر هدايته، الذين لا يضرهم من خذلهم وهم قائمون على الحق... نظرت فيهم فلم أر سوى الطهر، وحسن الخلق، وسلامة الصدر، والإيثار، وحب الوطن، والقبض على الدين، وصوْن العرض، والفرار من كل شبهة ورزية.

ونظرت إلى من أودعوهم تلك الزنازين فلم أر إلا نفاقًا وفُجرًا، وعداوة للدين، ومحاداة لله ورسوله، وسوء خلق، ومسالك شيطانية، وفحشًا فى الأقوال والأفعال، ورجسًا وإثمًا، وإفكًا ورذيلة. قلت: لعل الله -تعالى- يصور لنا من جديد مشاهد سمعناها وقرأناها، لكنا لم نعاينها، تلك المشاهد التى التقى فيها الحق والباطل؛ الحق بقوته وصمود أتباعه، وثباتهم واحتمالهم، وصبرهم واستبشارهم، وهم فى الوقت ذاته الأقل عددًا وعدة، والأضعف ناصرًا فيما يراه الناس؛ والباطل بعدده وعدته، وجبروته ورعونته، وزهوه وانتفاشه.. وقد التقيا فى جولات عدة، ساد الباطل فى أكثرها وقد أيدته الأغلبية، وقد غرته تلك الإنجازات فبالغ فى إجرامه وتسلُّطه، ونظر إلى العالم معجبًا مستكبرًا فلم يرض إلا بإسكات صوت الحق إلى الأبد... وفى تلك اللحظة التى ظن فيها ذلك الظن كانت يد الجبار قد طالته؛ سلط عليه الحق الذى استضعفه من قبل وسخر منه؛ فصار أتباعه يُتخطفون من كل جهة، يحسبون كل صيحة عليهم، وبعد أن كانوا عتاة قادرين صاروا أثرًا بعد عين، وذكرًا من دون أثر.

أما الأطهار الأبرار، الأبطال الشجعان، الذين لا يبدلون ولا يغيرون، ولا يخضعون ولا يساومون؛ فقد ازدادوا ولم ينقصوا، من ظن أنهم قد غابوا يومًا فقد أخطأ؛ فهم الغائبون الحاضرون، يرفع الله ذكرهم، ويعلى شأنهم، ويورثهم الأرض، ويجعلهم أئمة؛ إذ صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا... قد يفرطون فى أموالهم وديارهم ومناصبهم، لكنهم لا يتنازلون فى دعوتهم، ولا يبيعون دينهم، ولا يقادون برغبة أو رهبة، ولا تصلح معهم عصا ولا جزرة، جعلهم الله ملح الأمة، ولولاهم لفسدت، ورمانة ميزانها، و(ترمومتر) دينها ودعوتها؛ فهم الأصلاء النجباء، الناصحون، المخذِّولون، الفدائيون، المدافون عن حياض الأمة، الموفون بعهد الله إذا عاهدوا.

نكتب اليوم لنذكر بهم وهم لا يحتاجون لمثل هذا؛ فإن الله يذكرهم، ومن يذكره الله فهو فى معيته، ومن أهله وخاصته، ومن خلانه وأوليائه، إنما نذكر بأنهم هم القوة التى تجهز لها المسارح الآن، وتعد لها الساحات، يفعل ذلك خصومهم الذين سجنوهم؛ من حيث لا يشعرون، كالذين خربوا بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين؛ لغباوتهم وحقارتهم. تأملوا -إن شئتم- الساحة منذ نُكِّل بهم وحتى الآن، ماذا كان، وما الذى تغير؟ أين حلفاء الأمس؟ وماذا فُعل بهم؟.. فى نهاية الأمر لا بد أن تصل إلى نتيجة مؤداها: أن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وأن من نكث فإنما ينكث على نفسه، وأن من معه الله فلا يحزن؛ فإنه ولى الذين آمنوا، يهديهم، ويدخلهم ويخرجهم مداخل ومخارج صدق.

وما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، أما حال الغائبين الحاضرين فهى حال نوح بعد نصر الله له على من سخروا منه وقد طالت دعوته فيهم نحو ألف سنة، وهى حال إبراهيم الذى نجاه الله من الحرق بل جعل النار بردًا وسلامًا عليه، وقد ألجم قومه الحجة البالغة، وهى حال موسى الذى عبر إلى البر وقد انطبق البحر على الفرعون الأكبر الذى كاد يلحق به... أما حال الآخرين المفترين الظالمين؛ فهى كحال من هلك بالريح أو الصاعقة، أو بالماء، أو بالتهديم والخسف.. وما كان ربك نسيًا..

عليكم السلام يا أهل الحق ورحمة الله وبركاته، إنكم وإن كنتم بعيدين عنا بأجسادكم فإنكم ملء قلوبنا، وشغل أفئدتنا، دمتم حماة للدين والشرع، حراسًا للأرض والعرض، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر