د.عز الدين الكومى
 
من المعلوم أن العدو الصهيوني لا يستجيب لصيحات الإدانة والشجب والاستنكار، ولا يلقى لها بالاً، فهو لا يصغي إلا لصوت الرصاص، ولا يفهم إلا لغة الدم التي لا يتقن غيرها، كما قال الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي رحمه الله: "أرى أن شهداءنا الأبرار قد برعوا كثيرًا في لغة الحوار؛ لقد حاوروا العدو ولكن حاوروه بالدم، حاوروه بالحراب، حاوروه باللغة التي يفهم، التي أمامها ينصاع".
 
فقد طالعتنا الأخبار يوم الجمعة عن منع إقامة صلاة الجمعة فى المسجد الأقصى، وهو ما لم يحدث من نصف قرن من الزمان، حين استولى الصهاينة على المسجد الأقصى بعد النكسة!! عندها فقط تذكرت يوم أن ضاعت بلاد الأندلس، ووقف أبوعبدالله آخر ملوك بني الأحمر ينظر إلى ساحل الأندلس وهو يبكي على ضياعها حزيناً، فقالت له أمه: (ابْكِ مثل النساء على ملك لم تصنه مثل الرجال).
 
وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فكلنا اليوم "أبوعبدالله" يندب على منع إقامة صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، لكن ما عساه أن يجدي النحيب والنواح؟؟!!
 
وبعد منع صلاة الجمعة فى المسجد الأقصى، ماذا لو استيقظ المسلمون يوماً على خبر تبثه وكالات الأنباء عن هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم لديهم؟ فلسنا بمنأى عن هذا الخبر ونحن نسمع تصريحات المنبطحين تترى، والتي كان آخرها تصريح ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة لصحيفة الشرق الأوسط الذي قال فيه: "لدينا خطة لبناء جزيرة اصطناعية في المياه الدولية للفلسطينيين لحل الصراع العربي الإسرائيلي، فلليهود الحق الإلهي في "أرض إسرائيل".
 
كما أن الانقلابي يوسف زيدان في تصريحات تلفزيونية سابقة قال: "المسجد الأقصى مكانه في السعودية لا القدس"، ومسجد التنعيم قرب مكة المكرمة، إلى جانب نفيه وقوع حادثة الإسراء والمعراج، وزعمه بأن المسلمين استعادوا القدس من الصليبيين من أجل الكرامة فقط".
 
وفي السابق كان زعماء العرب والمسلمين يشجبون ويستنكرون جرائم الصهاينة، أما اليوم فى ظل حالة الانبطاح والهرولة تجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني رأينا منهم مَن يتهمون مَن يفضح ممارسات الكيان الصهيوني الإجرامية بمعادة السامية، كما فعل وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش، الذي اتهم قناة "الجزيرة" بـ"نشر الطائفية والترويج للعنف ومعاداة السامية"، خلال رسالة وجهها إلى المتحدث باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين، وقال: إن "القناة روجت للعنف المتصل بمعاداة السامية من خلال إذاعتها لمواعظ وخطب الزعيم الروحي للإخوان المسلمين يوسف القرضاوي، التي أشاد فيها بهتلر ووصف الهولوكوست بأنه تأديب إلهي وعقاب قدريّ".
 
فماذا تنتظرون أيها العرب والمسلمون بعد اقتحام المسجد الأقصى عدة مرات، واعتقال المرابطين والمرابطات، والسعي لتهويد القدس، والعمل على هدمه من خلال إضعاف أساساته عن طريق الحفريات التي تتم تحته بحثًا عن الهيكل المزعوم؟؟!!
 
إنّ الأقصى ليس مجرد قطعة أرض؛ ولكنه أُولى القبلتين، وثالث الحرمين، وثالث مسجد يُشد إليه الرحال، وهو مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات العلى، وفيه صلى الرسول صلى الله عليه وسلم إمامًا بجميع الأنبياء، وعلى أرضه الطائفة المنصورة!!
 
وهناك مؤامرة ينفذها الكيان الصهيوني؛ هي التقسيم الزماني والمكاني للأقصى بين المسلمين والصهاينة. أما التقسيم الزمانيّ فيعني تخصيص أوقات معينة لدخول المسلمين المسجد الأقصى خلال اليوم، وأوقات أخرى لدخول اليهود، كما يتم تخصيص المسجد الأقصى لليهود خلال أعيادهم، وخلال أيام السبت طوال السنة، كما يحظر رفع الأذان خلال الأعياد اليهودية.
 
وأما التقسيم المكاني: فيعني تخصيص أماكن بعينها في المسجد الأقصى لكلا الطرفين؛ ما يعني تخصيص أجزاء ومساحات من المسجد الأقصى يستولي عليها الكيان الصهيوني لتحويلها لـ"كَنِيس" يهودي.
 
وقام الاحتلال خلال الفترات السابقة باعتداءات وإجراءات تمهد للتقسيم المكاني عن طريق بسط السيطرة بالقوة على جميع الباحات الخارجية للمسجد الأقصى، أما الأماكن المسقوفة؛ مثل: مصلى قبة الصخرة والمصلى المرواني فتكون للمسلمين!!
 
ولقد كتب الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي رحمه الله عقب استشهاد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله تعالى: "إني أتوقع أن يُمكّن الله الصهاينة من هدم المسجد الأقصى كما مكّنهم من اغتيال الشيخ ياسين".
 
فالأقصى أيضاً شأنه شأن البيت الحرام في إمكانية هدمه؛ فقد يتمكن اليهود -والعياذ بالله- من هدم الأقصى، ولِمَ لا؟! أليس قد حرقوه من قبل في عام 1969م!!
 
وقال وزير الأديان الصهيوني عام 1967: إننا نعتبر المسجد الأقصى وقبة الصخرة جزءا من ممتلكاتنا، وينطبق ذلك على المسجد الإبراهيمي المقدس في مدينة الخليل، ويعتبر الكهف محرابا يهوديا، لليهود في الكهف والصخرة حقوق احتلال وامتلاك.
 
وقال مائير كاهانا (زعيم حركة كاخ): إن أكبر خطأ ارتكبه جيش الدفاع أنه لم يهدم المسجد الأقصى يوم دخول القدس عام 1967م، ونحن مهمتنا أن نصحح هذا الخطأ ونهدم الأقصى.
 
وقد يقول قائل: وما مهمة الجيوش العربية والأسلحة المكدسة فى مخازنها بالمليارات؟
 
لقد أوضح الشهيد سيد قطب مهمة هذه الجيوش بقوله: "إن هذه الجيوش العربية التي ترونها ليست للدفاع عن الإسلام والمسلمين، وإنما هي لقتلكم وقتل أطفالكم ونسائكم ولن تطلق طلقة واحدة على الكفار واليهود".
 
فالتعويل على الأنظمة العربية المنبطحة وجامعة الدول العربية العاطلة، هو مضيعة للوقت؛ لأن جيش أكبر دولة عربية يفَرَض الحصار على غزة ويغلق المعابر ويهدم الأنفاق، ويغرقها بماء البحر!!
 
فلا بد من وجود حُكَّام أعيُنُهم على بيت المقدس، من أمثال الرئيس محمد مرسي، الذي قال: إن نفوسنا جميعا تتوق إلي بيت المقدس، وأقول للمعتدي خذ من التاريخ العبر، وأوقف هذه المهزلة، وإلا فإنك لن تستطيع أن تقف أمام المقاومة وغضب المصريين.
 
كما كشف الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، أنّ الرئيس محمد مرسي كان يجري اتصالات للاطمئنان على ما يجري في المسجد الأقصى المبارك وفي القدس عامّة.
 
وتَذْكُرُ كتب التاريخ أن صلاح الدين عندما سار إلى بيت المقدس، وصلته رسالة من أحد المأسورين في القدس فيها أبيات على لسان المسجد الأقصى:
 
يا أيهـا الملك الذي لمعالم الصـلبان نكس
جاءت إليك ظُلَامة تسعى من البيت المقدس
كل المساجد طُهِّرتْ وأنا على شـرفي أدنس
وكانت هذه الأبيات مما قوّى عزيمة صلاح الدين لفتح القدس، واسترداد الأقصى الأسير!!
 
فقضية الأقصى هي قضية كل المسلمين وليست قضية جماعة أو حزب أو حركة، أو منظمة تستغلها لتحقيق أهداف ضيقة.
وواجب على كل مَن يستطيع مِن المسلمين أن يكون له دور في إنقاذ الأقصى الأسير.
 
 


المقالات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر