كانت الرسالة التي بعث بها السفير ابراهيم يسري الي السيسي ووفده في العاصمة الاوغندية "عنتيبي" واضحة: "لا توقع على عنتيبي لكي لا يدمغك التاريخ".
 
الرسالة التي لم يجد السفير السابق وسيلة لتوصيها سوي علي صفحته على فيس بوك قال فيها: "لا توقعوا عنتيبي الا إذا ردت إلينا حقوقنا في مياه النيل بموجب الاتفاقيات السارية والتي شطبتها اثيوبيا في اتفاقية عنتيبي".
 
وتابع: "لا أدرى من يستطيع توصيل هذا التحذير لوفد السيسي في كامبالا؟ واضح ان الافارقة وراءهم امريكا واسرائيل وبعض الدول الخليجية ترتب لنا خديعة وتأخذنا بالأحضان ونحن نعرف شر احضان موسيفيني كما رأينا استهتار اثيوبيا بِنَا.
 
رسالة السفير "يسري" كانت اشبه بإنذار بعد ورود مؤشرات على تنازل جديد يقدمه السيسي في امن مصر المائي بعد تنازله الاول لأثيوبيا ببناء سد النهضة، وتنازلهم أيضا عن امن مصر القومي ببيع تيران وصنافير للسعودية.
 
فقد ظهر الخنوع من جانب السيسي تجاه اثيوبيا في توقيعه على اتفاق مبادئ مع اثيوبيا يسمح لها ببناء السد على مجري النيل القادم لمصر، ما يعطيها حق التحكم في منع المياه عبر السد مستقبلا لمصر، ويعطي كل دول أعالي النيل نفس الحق بالتبعية في بناء ما يريدون من سدود ستؤثر في نهاية المطاف علي حصة مصر المائية.
 
تنازل وخطاب استجداء!
 
وجاء التنازل الثاني في قبوله حضور مؤتمر قمة عنتيبي لدول حوض النيل الذي تقاطعه مصر منذ 2010، لأن دول أعالي النيل ترفض الاعتراف باتفاقيات المياه لعامي 1929 و1952، اللتان تحفظان حقوق مصر المائية، وحديثه المائع هناك المستجدي للمياه.
 
ففي خطاب الاستجداء الذي القاه السيسي في عنتيبي قال للزعماء الافارقة: "ليس بخاف عنكم، أن نهر النيل يُعد المصدر الأساسي للمياه في مصر، وبنسبة اعتماد تصل إلى 97%، ولدينا محدودية في الموارد المائية الأخرى، والنمو السكاني وانحسار نصيب الفرد من المياه 640 متر مكعب سنويًا، وعجز مائي 21.5 مليار متر مكعب سنويًا".
 
ولم يذكر السيسي شروط مصر الثلاثة السابقة لدول حوض النيل المتعلقة بـ "عدم المساس بحصة الـ 55.5 مليار متر مكعب، التي نصت عليها اتفاقيات 1929 و1952، وضرورة "الإخطار المسبق" من جانب أي دولة افريقية لمصر قبل بناءها أي مشروعات على النيل، وموافقة دول حوض النيل (بالإجماع لا الأغلبية) كشرط لبناء اي مشروعات على مجري النيل.
 
وهو ما يهدد هذه المرة حصة مصر المائية الكلية لا مجرد حجز كميات منها في سد النهضة، بينما تشير الأرقام الرسمية إلى انخفاض نصيب المصري سنويًا من المياه من 2526 متر مكعب في عام 1947 إلى 663 متر مكعب في عام 2013، ما يضعها تحت خط الفقر المائي بحسب الأمم المتحدة، التي تتوقع أنه بحلول عام 2025 سوف تصل مصر إلى مرحلة من الندرة المطلقة للمياه، ينخفض فيها متوسط استهلاك الفرد إلى 500 مترًا مكعبًا.
 
لهذا تثار تساؤلات حول ما فعله السيسي في عنتيبي وهل تتجه مصر للقبول باتفاقية "عنتيبي" والتوقيع عليها بعد قمة رؤساء حوض النيل وبعد رفض دام 7 سنوات؟ وهل ما نشر عن تنازل ثالث قدمه في قمة عنتيبي يتعلق بقبوله ملء اثيوبيا في 5 سنوات فقط رغم مطالبة خبراء أن تطول المدة الي 7 و10 سنوات؟
 
وقد حاولت صحف النظام ومحسوبين عليه عدم اقلاق المصريين من مخاطر توقيع مصر على اتفاقية عنتيبي (الاطارية لدول حوض النيل) بمزاعم أن مصر تسعي لنسخة أو وثيقة معدلة (عنتيبى جديدة) من الاتفاقية تضمن حصتها المائية القديمة كما ألمح السيسي في خطابه.
كما حاول المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، تلطيف الأجواء بتصريحات جوفاء مكررة عن أن "أمن مصر المائي خط أحمر لا يقبل المساومة".
 
وتحدث عبر حسابه الرسمي على تويتر على أن "مفاوضات شاقة يخوضها الوفد المصري في أوغندا لإنجاح قمة حوض النيل وبناء جسور الثقة مع الأشقاء"، ولكنه اعترف أن اجتماعات وزراء الخارجية والري اللاحقة، أظهرت أن هناك "موضوعات لا تزال عالقة"، وتحدث عن "إرجاء الخلافات لمراحل لاحقة".
 
"عنتيبي" أخطر من سد النهضة
 
وترجع مخاطر توقيع السيسي علي "عنتيبي"، في حالة وقعها بالفعل، لأنها أخطر من سد النهضة، اذ أن مخاطر سد النهضة تنحصر في أنه سيحجز 74 مليار متر مكعب مياه على عدة سنوات لم تتحدد، بينما التوقيع على اتفاقية "عنتيبي" بحالتها الراهنة يعني حرمان مصر من حصتها التاريخية السنوية المقدرة بـ 55 مليار متر مكعب.
 
وخطورة هذه الاتفاقية التي بدأ السيسي يملح لقبولها مع تعديلات تضمن عدم حرمان مصر من المياه، أنها لا تعترف باتفاقيات مياه النيل السابقة عامي 1929 و1956، ومن ثم تسمح لكل دول حوض النيل بإقامة مشاريع سدود مائية وكهربائية وحواجز على مجري النيل تقتطع كمية كبيرة من نصيب مصر من المياه التي لا تكفيها أصلا حاليا وتلغي ما يسمي حق الفيتو المصري علي بناء أي سدود على النيل تهدد مصر.
 
وبعد أن افقد السيسي مصر أخر ورقة مناورات تمتلكها بعد اعترافها بسد النهضة دون شروط، يخشي أن يوقع على اتفاقية عنتيبي ما قد يرتب عليه اعطاء كل دول أعالي النيل الحق في بناء السدود ومن ثم حجب كميات من المياه التي تصل لمصر كدولة مصب؟
 
ويضم حوض النيل 11 دولة، هي: أوغندا وإثيوبيا والسودان وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية وبوروندي وتنزانيا ورواندا وكينيا ومصر وإريتريا (عضو مراقبً فقط).
 
في مايو 2010 وقبل الثورة المصرية بستة أشهر، وقعت خمسة من دول حوض النيل العشرة، هي: أثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا، على (الاتفاق الإطارى الجديد) الذي ينظم العلاقة بين دول حوض النيل ويتضمن 40 بندا، وفي فبراير 2011 وقعت بوروندي.
 
ورفضت مصر والسودان (دول المصب) الاتفاقية، وتمسكا بحقهما في حصتهما الحالية من المياه (55.5 مليار متر مكعب لمصر + 18.5 للسودان)، وحقهما في الموافقة أو الفيتو (الاعتراض) على اي مشروع لدول أعالي النيل الثماني يؤثر على حصتهما من المياه.
 
ولكن توقيع بوروندي مهد الطريق لإقرار الاتفاقية رسميا واصبحت أمرا واقعا عقب تصديق برلمانات هذه الدول الست ودخولها حيز التنفيذ في غيبة مصر والسودان وعدم توقيع الكونغو التي اعلنت نيتها التوقيع ولكن لم توقع.