محمد أبوغدير :

إذا أقبل رمضان أقبل الخير كله على عباد الله الصائمين القائمين الذاكرين ، فينظر الله لعباده فلا يعذبهم ، والملائكة تستغفر لهم ، والجنة تتزين لهم ، ويغفر الله لهم ، وفيه تفتح لهم أبواب الجنة وتغلق النار وتسلسل الشياطين .

وفي هذا الشهر الكريم ترتقي المشاعر فتتعلق  القلوب بالمساجد ، وفيه تتعدد أسباب المغفرة  ، وتتراحم الأمة وتتكافل بين أفرادها ، وفي رمضان نتربى على الإحسان ،

فوجب علينا أن نشمر للجنة ونعرف ماهي ولمن تكون  .

أولا : الجنة ماهي ، ولمن ؟

أ - أتدرون ما الجنة ؟

إنها ذات النعيم الخالد والسعادة الدائمة والقطوف الدانية :

روى ابن حبان في صحيحه عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ : أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ، قَالُوا : نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ .

وروى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ )  .

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى ‏أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "، واقرأوا إن شئتم قوله تعالى:{ فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهم من قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بما كانوا يَعْمَلون }

ب - أتدرون لمن الجنة ؟ .

إنها سلعة الله الغالية ، التي لا ينالها إلا من عمل لها من  المخلصين وسعى إليها من السالكين واشتاق إليها من الصالحين .

فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ » سنن الترمذي (2638 ) صحيح.

قال الله تعالى : {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (72) سورة الزخرف.

وقال أيضا : {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (63) سورة مريم.

ثانيا : في رمضان ينظر الله لعباده فلا يعذبهم ، والملائكة تستغفر لهم ، والجنة تتزين لهم :

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي :

أما واحدة : فانه إن كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم ومن نظر الله إليه لا يعذبه أبدا ،
وأما الثانية :فان خلوف فم الصائم -حين يمسي-أطيب عند الله من ريح المسك ،

وإما الثالثة : فان الملائكة تستغفر لهم كل ليلة ،

وإما الرابعة : فان الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها :استعدي وتزيني لعبادي فانه يوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى دار كرامتي ،

وإما الخامسة : فانه إن كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعا ،

فقال رجل من القوم : أهي ليلة القدر ؟ قال : لا ، الم ترى إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من إعمالهم وفوا أجورهم “

ثالثا : في رمضان تفتح الجنة وتغلق النار وتسلسل الشياطين :

روى  البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان رمضان ، فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين)
ورواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ (قد جاءكم رمضان، شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها) .

أ - في رمضان يفتح الله أبواب الرحمة أو الجنة :

قال الله تعالى : (يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون
أن التقوى التي يجنيها الصائمون من صيامهم هي أول المؤهلات لدخول الجنة والنجاة من النار في كل الأوقات ، ومن باب أولى في هذا الشهر الكريم .
وقد تكرر ذلك كثيرا في القرآن الكريم أن التقوى طريق إلى الجنة :
قال الله تعالى(إن المتقين في جنات وعيون ) الذاريات 15
وقال سبحانه :(تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) مريم 63
وقال أيضا : ( وأزلفت الجنة للمتقين ) الشعراء 90

والإيمان والعمل الصالح هما مؤهلان لدخول الجنة، وما أكثرهما في رمضان :
قال الله تعالى:( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون ) البقرة 25 .

وقد خص الله تعالى الصائمين، بباب من أبواب جنته الثمانية، لا يدخله غيرهم إكراما منه تعالى لهم ، روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون)

ب - وفي رمضان يسلسل مردة الشياطين الداعين  الضلال والنار  :

الشياطين يدعون إلى الضلال،  ومصير أتباعهم النار : قال الله تعالى : ( فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ  ) 30 الأعراف .
وقال الله تعالى : ( وما يعدهم الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ، أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ) 120 ، 121 النساء .
وفي رمضان تصفد وتسلسل الشياطين نعمة من الله تعالى وفضل ، روى الحاكم عن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اذا كان اول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن . . .  ) ،

وأثر تصفيد الله تعالى الشياطين في هذا الشهر، واضحة في سلوك المسلمين، كل منهم بقدر ما يبذل من الاجتهاد في طاعة الله، والبعد عن معصيته،

فالمسلم المجتهد في طاعة الله في غير رمضان، يزيد اجتهاده في رمضان، والمسلم الذي يسدد ويقارب ويكون في رمضان أكثر تسديدا ومقاربة، وأقل تقصيرا فيه، والمسلم الذي يكثر فسقه في غير رمضان، يقل فسقه فيه.

أما المسلم التارك الطاعات، المبالغ في ارتكاب الكبائر في غير رمضان ، فإن أجواء رمضان الإيمانية تجذبه  الى الطاعة والعبادة ، إلا أنه يحتاج إلى إرادة قوية، وعزم شديد، ونية صادقة ، فلا ينتصر المرء على عدوه وهو قاعد، بل لا بد من أن يدفع عن نفسه، بكل وسيلة متاحة لمجاهدته.

رابعا : في رمضان ترتقي المشاعر فتتعلق  القلوب بالمساجد ويكون الفوز بالجنة :

رمضان شهر القرب من الله والتزود من الخيرات والطاعات ، فتتعلق فيه القلوب بالمساجد ويسعى الصائمون للبكور في الصلاة وقراءة القرآن ومجالس العلم والذكر طوال الشهر الكريم ، رغبة منهم في التزود منه للوصول إلى الدرجات العلا في الجنة .

أ - صلاة الجماعة :

1 .  الصلاة عماد الدين :
فهي أعظم فرائض الإسلام قدراً وفضلا ، فهي الركن الأول من أركان  الإسلام الخمسة بعد الشهادتين ، وهي الفارق بين الكفر والإيمان ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " أخرجه الترمذي والنسائي وان ماجه وأحمد وهو حسن.

2 . فضل صلاة الجماعة في المسجد:

 . رفع الدرجات بسبب الخطى إلى المساجد :
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « أعظم الناس أجرا في الصلاة ، أبعدهم فأبعدهم ممشى ، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام ، أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام » رواه البخاري .

 . النور التام يوم القيامة :
عن بريدة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد، بالنور التام يوم القيامة» سنن أبي داود.

3 . وجوب الصلاة في جماعة :
ومن الأحاديث الدالة على وجوب صلاة الجماعة، مثل قوله صلي الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار"،
وكقوله صلي الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر"،
وكقوله صلي الله عليه وسلم للرجل الأعمى الذي طلب منه أن يرخص له "أتسمع النداء؟" قال: نعم، قال: "فأجب".

ب - المساجد منارات العلم والذكر :

1 . المساجد بيوت الله ورياض الجنة :
التي أمر أن ترفع ويذكر فيها اسمه،لقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} النور: 36

2 . فضل المشي إلى المساجد والمكث فيها  :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً)) رواه مسلم
وحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وفيه : ( وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ).

3 . فضل الجلوس في المسجد في أوقات مخصوصة :
  . عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من صلى الغداة في جماعه ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجه وعمره تامة، تامة، تامة ) رواه الترمذي.
. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة ) رواه أبو داود . 

د - فضل مجالس الذكر :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) : إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا ( قَالُوا : وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : ( حِلَقُ الذِّكْر ) رواه أحمد

ه - فضل حِلق العلم في المسجد :

هي من أعظم السبل المؤدية إلى الجنة : عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده).  رواه مسلم .

 

خامسا : رمضان شهر المغفرة ، والمغفرة طريق إلى الجنة :

أ - المغفرة طريق الجنة :

قال الله تعالى : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ) آل عمران 133 .

في هذه الآية تقديم المغفرة على الجنة ، لأن المغفرة سبب في دخول الجنة ، فمن غير المعقول أن يدخل إنسان الجنة دون حصول المغفرة ، فهي جواز سفر لدخول الجنة ،

ب -  أسباب المغفرة في شهر الصوم ، منها :

١ . صيام رمضان :
فقد روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)). متفق عليه
٢ . قيام رمضان  :
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - آن رسول الله - رضي الله عنه - قال: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)). متفق عليه .
٣ . قيام ليلة القدر :
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه .

سادسا : رمضان شهر الرحمة والتكافل ، وذلك طريق الجنة :

ومن الرحمة تنبعث الرقة والعطف والرأفة ، وتقوى القيم الإيمانية والأخلاقية ، فتتنامى المنافع وتتدافع الأضرار عند المسلمين ، فيتحقق التكافل بينهم في الدنيا  ، ويفوزون بالرحمة والمغفرة والعتق من النار في الآخرة ،

أ - رمضان شهر الرحمة :

روى الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم الملائكة فأروا الله من أنفسكم خيرا فان الشقي المحروم من حرم فيه رحمة الله عز وجل ) .

ب -  ورمضان شهر الإحسان والجود :

روى البخاري عن بن عباس رضي الله عنهما، قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فَلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أجودُ بالخير من الريح المرسلة"
وزكاة الفطر في هذا الشهر الكريم تكتسب المسلم صفات  الكرم والسخاء والسماحة ، والعطف على المسلمين .

ج - وفي رمضان توثق الصلات ويتحقق التكافل  :

1 . رمضان سببا لتقوية صلة الأرحــام وذوى القــربى :
 حيث يتم التزاور بين الأسر والعائلات بطرق ووسائل مختلفة لتقوية صلة الأرحــام وذوى القــربى ، ولقد أمرنا الله بذلك في رمضان وفى غير
2 . السعى في قضاء حوائج المسلمين :
 وقد حث رسول الله على ذلك في رمضان وفى غير رمضان ، وأجاز الفقهاء أن يخرج المعتكف من اعتكافه لقضاء مصلحة أخيه.
3 . ولزكاة الفطر اثرها الفعال في تحقيق التكافل إذ أن المزكين يؤدون زكاة الفطر طهرة لأنفسهم من اللغو والرفث، وطعمة للفقير والمسكين،
4 . وكذلك فدية  الصيام ، فقد أوجبها الاسلام على من لا يستطيع الصيام ، وكذلك الكفارة التي فرضت على من يفطر يوما عمدا ، وهى إطعام ستين مسكينا أو عتق رقبة أو صيام شهرين متتاليين .
5 . ولا ننسى تبادل الهدايا المالية والعينية بين المسلمين بصفة عامة وفى مضان بصفة خاصة إذ تساعد في تحقيق التكافل الاجتماعى وإلى إيجاد المجتمع المتضامن .

سابعاً : وفي رمضان نتربى على الإحسان ، والإحسان جزاؤه الجنة :

أ - مفهوم الإحسان :

1 . الإحسان هو ضمير المسلم الذي يستشعر به ودائما أن الله معه ويراه ويعلم سره ونجواه ، وحول ذلك روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غُفر له ما تقدم من ذنبه ) .

2 .  والإحسان خلق الإتقان ومهارة الجودة في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة ، وفي مدرسة رمضان المسلم الصائم يزكي نفسه ولسانه ويتحلي بالصبر ، امتثالا لقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصوم جُنَّة، فإذا كان أحدكم يومًا صائمًا فلا يَرْفث ولا يجهل، فإنِ امرؤٌ شتَمه أو قاتله، فلْيَقل: إنِّي صائم))؛ رواه الإمام أحمد

3 . والإحسان عطاء متدفق يفوق العدل ، فهو نافلة تضيفها على الفريضة ، وبعد أداء الفرائض في مدرسة رمضان والمسلم يضاعفون الجهد في قراءة القرآن في رمضان ،قال تعالى:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) البقرة:185 .
وعن الإنفاق في رمضان ، روى الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل: أي الصدقة أفضل فقال ( صدقة في رمضان ) ، وروى  البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال -صلى الله عليه وسلم-: "عمرة في رمضان تعدل حجة".

4 . والإحسان خلق رفيع تصل به من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عن من ظلمك ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ ).

5 . الإحسان ضد الإساءة، قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) النجم31 .

ب - الجنة جزاء المحسنين :

قال تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يونس:26 .
وقد ثبت عن النبي في صحيح مسلم تفسير الزيادة المذكورة في هذه الآية الكريمة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة.
وعكس هذا ما أخبر الله به عن الكفار في الآخرة بقوله: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) المطففين:15

 وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ) الذاريات:15-19 .
 وهكذا وهب  الله سبحانه الجنة بما أسلف المؤمنون من الإحسان في الدنيا من صلاة الليل والاستغفار بالأسحار والتصدق على المحتاجين، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ* وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ) المرسلات : 41-44 .