في فبراير/شباط 2014 علق شباب مصريون على قمة جبل فاستغاث رفاقهم بالسلطات لنجدتهم، وبعد ذلك بأربعة أعوام حصلت حادثة مشابهة في تايلند وأخرى في موريتانيا.

المسافة بين تايلند وشمال أفريقيا بعيدة جدا حيث تبلغ آلاف الكيلومترات، وكذلك يبدو الفرق شاسعا في الاستجابة لطلب النجدة في الجانبين.

في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران الماضي اصطحب مدرب كرة قدم فريقا من 12 طفلا في رحلة نزهة إلى كهف في مدينة تشيانج راي بشمالي تايلند.

لكن الخطر ما لبث أن أطبق على الرحلة، فقد أمطرت السماء بغزارة وسدت الفيضانات مدخل كهف تام لوانج ولم يعثر على أي أثر للفتية ومدربهم.

بمجرد الإبلاغ عن اختفائهم، شن الجيش التايلندي حملة بحث واسعة انخرطت فيها الطائرات العسكرية وفرق الغوص والجمعيات التطوعية وعبئت لها كل إمكانيات الدولة وعلاقاتها.

وبعد تسعة أيام من البحث المضني عثر غواصان بريطانيان على المفقودين. لكن ذلك لم يكن سوى إيذان بخوض معركة ضد الطبيعة من أجل كسب رضا الرأي العام.

تسلمت البحرية التايلندية مسؤولية إنقاذ العالقين في الكهف. وللوهلة الأولى فقدت أحد غواصيها، لكن ذلك لم يثنها عن مواصلة المهمة.

في البدء، نجحت في إيصال طبيب وغواصين للكهف وأبقتهم إلى جانب الفتية لإطعامهم ورعايتهم لحين وضع خطة ناجعة للإنقاذ.

وفي مؤتمر صحفي عقده بالمناسبة، قال حاكم الإقليم إنه يريد الأطفال أحياء وبصحة جيدة، مشددا على أنه لن يقبل بتنفيذ خطة إنقاذ تتضمن أي نسبة من الخطر.

إنجاز المهمة

الزخم الذي أحيط بعمليتي البحث والإنقاذ، شد أنظار العالم إلى تايلند، وبات خبر فتية الكهف يتصدر نشرات الأخبار في مختلف وسائل الإعلام لأكثر من أسبوعين.

وفي العاشر من يوليو/تموز الجاري، أعلن قائد عملية الإنقاذ نارونجساك أوسوتاناكورن أن المهمة تكللت بالنجاح، فقد نقل الفتية إلى خارج الكهف ليعم الفرح أرجاء البلاد.

وأضاف "لا نريد أن يتكرر هذا الحادث مرة أخرى في تايلند أو في أي مكان في العالم. يجب أن يكون هذا الحادث درسا للجميع".

لكن مثل هذه العمليات يصعب تصورها في العالم العربي، فما تزال الحكومات تسترخص حياة الناس ولا تبحث في الغالب عن رضا الرأي العام.

في موريتانيا وقبل يومين، انحرفت شاحنة عن الطريق فألقت بثقلها وحمولتها على سيارة صغيرة يقودها مهندس شاب وبجانبه زوجته وابنتهما الرضيعة.

كان ذلك على بعد 95 كيلومترا شرق العاصمة نواكشوط. ورغم تجمهر الناس على الحادث وإطلاق نداءات الاستغاثة، فإن السلطات لم تتدخل لرفع الشاحنة وإنقاذ الأرواح.

لم تحضر الدولة ولم يكن بمقدور الناس العاديين رفع الشاحنة، وبعد أربع ساعات من الصراخ لم يكن أمام العائلة الصغيرة سوى الموت.

ولحد الآن، لم تعتذر الحكومة لذوي الضحايا ولم تحقق مع الجهات الأمنية والإدارية التي تقاعست عن التدخل لإنقاذ الأنفس في الوقت المناسب.

سانت كاترين

أما في مصر، فقد صعد أربعة شبان في العام 2014 إلى قمة جبل سانت كاترين في رحلة نزهة، لكن عاصفة ثلجية باغتتهم ومنعتهم من النزول.

كان بعض رفاقهم لا يزالون عند سفح الجبل واتصلوا حينها بالسلطات وطالبوا بإرسال مروحية لإنقاذهم قبل أن تتجمد أجسادهم وتذهب أرواحهم.

يروي هؤلاء أن السلطات سألتهم عما إذا كان بينهم سياح أجانب، وعندما أبلغوها أن العالقين كلهم مصريون تركتهم لحالهم يصارعون قسوة الثلج وضراوة الجوع.

بعد ثلاثة أيام من الإهمال وتناول القضية في وسائل الإعلام، استجابت السلطات للضغوط وأرسلت مروحية إلى قمة الجبل لتعود بالشباب العالقين هناك.

لكن السلطات لم تنقلهم إلى بيوتهم ليفرح بهم ذووهم كما حصل أمس الثلاثاء في تايلند، إنما إلى المشرحة لكتابة تقارير عن وفاتهم وبدء إجراءات دفنهم على الفور.