عندما صبأ جنرلات العسكر وباعوا جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، في سوق النخاسة الانقلابية، قالت حكومة الانقلاب يومذاك، في تقريرها الذي أرسلته لبرلمان عبدالعال، للرد على الأسئلة التي طرحت حول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتى تقضى بتبعية الجزيرتين للمملكة:" إن الجزيرتين في الأصل كانتا تتبعان مملكة الحجاز، التي كانت تحكمها قبيلة "قريش". بدليل العثور على آثار لأبى لهب وأبى جهل، وهبل واللات والعزى!

وعندما وقّع قائد الانقلاب، على اتفاقية التنازل عن حصة مصر التاريخية من مياه النيل، خرجت صحيفة "اليوم السابع" الانقلابية لتبشر الشعب بمنشيت كبير : "السيسى حلها". والحل كما رأينا، هو أن الشعب يشرب من مياه المجارى والصرف الصحى!

وعندما تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص الرومية، والذى ترتب عليه انتقال جبل "أراتوستينس" إلى قبرص، والذى تبلغ عائداته السنوية 200 مليار دولار، بعد ذلك عقدت إسرائيل اتفاقيىة ترسيم حدود مع قبرص، بالرغم من عدم توقيعها على اتفاقية البحار الصادرة عن الأمم المتحدة، وبعد ذلك بشهور قليلة، أعلنت قبرص عن اكتشاف حقل "أفروديت" وأعلن الكيان الصهيوني عن اكتشاف حقل "ليفياثان" وقيمة ثروات الحقلين لا تقل عن 200 مليار دولار، وكان الكيان الصهيوني فرض سيطرته على 40% من منطقة الاكتشافات ورصدت حوالى 620 مليون دولار لإنشاء شبكة دفاعية باسم "الدرع" حول منصات الغاز، وتجهيز 4 سفن حربية مجهزة بنظام مضاد للصواريخ وطائرات استطلاع ودوريات الزوارق البحرية.

وبالأمس هلل المهللون وطبل المطبلون، بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية، بين مصر واليونان والذى سيفقد مصر حوالى 11,500ميل بحرى.
لكن تركيا رفضت هذه الاتفاقية، ولم تقبل بها، وعلى الفور دفعت قواتها إلى المياه، التي يفترض أنها صارت"يونانية"، حسب الاتفاق المزعوم،  واستأنفت التنقيب فيها، على اعتبار أنها مياه تركية حسب الاتفاق مع ليبيا، واعتبرت اتفاق مصر – اليونان كأن لم يكن!
كما وجهت تعليمات عاجله لسفنها البحرية المشاركة في مهام الناتو، وسفنها المنتشرة في البحار الأخرى بالانسحاب، والتوجه بشكل عاجل لشرق المتوسط.

كما أن"رئيس الإستخبارات التركي الأسبق" إسماعيل حقى بيكن" قال: "اليونان ومصر..مجرد بيادق- بعض قطع الشطرنج الضعيفة وغير المؤثرة- بيد الولايات المتحده، واتفاقهما كان بضوء أخضر أمريكي، لإجبارتركيا على توقيع اتفاق بحري مع إسرائيل". و"يجب أن ترد تركيا بعمل مسح زلزالي في جزيرة ميس " وتفرض الأمر الواقع في شرق المتوسط.

الرئيس التركى "أردوغان"، اعتبر الاتفاقية بين اليونان ومصر بشأن الحدود في البحر المتوسط باطلة، ولا قيمة لها، ولا حدود لليونان مع مصر. وقال "إن المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل" طلبت منا مؤخرا وقف أعمال التنقيب، وأبلغتنا بأن ذلك سيسهل عملها، وأنا قلت لها إن كنت تثقين باليونان أو بالآخرين سنوقف أنشطة التنقيب، لمدة تتراوح بين 3 و 4 أسابيع".
و"بعد نكث الوعد ما الذي سيحصل؟ باشرنا بأعمال التنقيب مباشرة، وأرسلنا سفينة بربروس خير الدين باشا إلى المنطقة، لمباشرة مهمتها قبالة سواحل جمهورية شمال قبرص التركية".

وزارة الخارجية التركية بدورها، رفضت الاتفاقية واعتبرتها تنتهك الجرف القاري التركي، وأن تركيا لن تسمح لأي أنشطة ضمن المنطقة المذكورة، وستواصل الدفاع عن الحقوق المشروعة لتركيا وللقبارصة الأتراك شرقي المتوسط.

والخطوة التى أقدم عليها نظام الانقلاب، توضح بجلاء خطورة تصرفات الجنرال الأخرق، للزج بمصر في صراع قديم، ليس لنا فيه ناقة ولاجمل لحساب قبرص واليونان، ولايعدو عن كونه نوع من المناكفة والمكايدة بناء على توجيهات الكفيل الممول! وإلا كيف تعول مصر على دولة فاشلة ومفلسة مثل اليونان، التى هى عالة على معونات الاتحاد الأوربى؟

كما أن هذه الاتفاقية المشبوهة، جاءت بعد تصريحات وزير الخارجية السعودي:"فيصل بن فرحان"بعد زيارته لقبرص الأسبوع الماضى، قائلاً:" ندعم سيادة قبرص الرومية وقلقون من مستجدات المتوسط".. والسؤال ما دخل السعودية بشرق المتوسط أوغربه، سوى كيد النسا؟!
فهل يعقل أن ترسيم الحدود يتم بغرض النكاية والكيد السياسي؟ إنه يجب أن يخضع للأهداف والمصالح الاستراتيجية والسياسية للبلاد، وليس للأهواء والأمزجة وتعليمات الممولين!

لذلك إذا نظرنا لقضية المصالح والمفاسد، فليس ثمة مصلحة من توقيع اتفاقية الحدود البحرية مع اليونان، تعود على مصر، ففضلاً عن أنها تفريط في حقوق ومقدرات الشعب، فإنها ستقدم خدمة تاريخية لإنجاح خط East Med، الذى سينقل الغاز من دولة الكيان الصهيونى إلى أوربا عبر قبرص واليونان، بمعنى أوضح، أن مصر من خلال توقيعها للاتفاقية مع اليونان ستعطى المسوغ القانوني لدولة الكيان الصهيونى وقبرص واليونان لإنشاء خط East Med، وهو ما يعني خسارة مصر موقعها كمنصة إقليمية في المستقبل.

والطريف أن مصر ظلت ترفض لسنوات، توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اليونان، لأنه يؤدى لإهدار مساحة ضخمة من المناطق الاقتصادية الخالصة المصرية، وهو ما تم التنازل عنه بمقتضى الاتفاق الأخير، وفقاً لقانون البحار ووفقاً للرؤية اليونانية، وهو ما يعني خسارة مصر مساحات مائية هائلة في منطقة واعدة بالثروات.

لذلك فإن اتفاق ترسيم الحدود المائية بين مصر واليونان، سيجعل دولة الكيان الصهيونى هي المستفيدة منه بالدرجة الأولى، لأن الاتفاق التركي الليبي يجعل إصبع الدولة العربية تحت أضراس تركيا.

فيا قومنا أليس منكم رجل رشيد، يوقف مخطط التفريط في ثروات البلاد ومقدرات الشعب، بسبب هذا النزق الانقلابى!