الكاتب الصحفي: وائل قنديل

اعتبرها علي جمعة، مفتي مذبحة رابعة العدوية، يومًا من أيام الله، تمامًا كما نظر إليها حاخامات الكيان الصهيوني وجنرالاته الذين قالوا عنها إنها هدية الرب لهم .. وصنفها عبد الفتاح السيسي وانتصار السيسي ثورة عظيمة، لها عيد واحتفالات وشهداء. ورآها كل عربي منصف مفتتحًا لكل هذا الخراب المتأجج في خريطة العرب.

تلك هي "30 يونيو" في العام2013  في مصر، والتي يدفع ثمنها العرب في نهر النيل وسيناء وفلسطين المحتلة، فيما كانت مكاسب الكيان الصهيوني منها أضعاف ما حصدته من هزيمة العرب في العام 1967.

يستخدمها عبد الفتاح السيسي لتبرير كل جرائمه وكوارثه، يُشهرها في وجه كل من يتألم من الحصاد: هذه ثورة شعبية عظيمة، ألم يدعوكم للخروج فيها من اعتبرتوهم رموزًا ثورية؟ يصر طوال الوقت على إسباغ قداسة دينية، ووطنية، على جريمة دموية بكل المعايير السياسية المحترمة. ولهذا السبب يحيط نفسه منذ الأول برأس الأزهر ورأس الكنيسة، ويصطنع طبقةً سياسيةً بديلة للطبقة التي استعملها في البدايات، ثم تخلص منها بالإبعاد أو بالسجن أو بالمنع من الكلام.

كان من المتصوّر بعد سبع سنوات أن يمتلك هؤلاء السياسيون، المستخدمون في تسويغ الجريمة وتبرير مذابحها، أن يمتلكوا الشجاعة والنزاهة، لكي يرفعوا الغطاء الأخلاقي الزائف عن جريمة سياسية، وأن يحرّروا مصطلح الثورة، بنصاعته ونقائه، من الاستعمال وسيلة تجميلٍ لانقلاب واضح المعالم منذ اللحظة الأولى.

غير أنهم، في معظمهم، لا يزالون يصرّون على اجترار الأكاذيب المؤسّسة لفضيحة العصر السياسية، وخصوصًا تلك التي تتعلق بالمزاوجة المضحكة بين يناير/ كانون الثاني 2011 ويونيو/ جزيران 2013، أو الكلام عن الخديعة والخداع، أو محاولة اعتبار الثلاثين من يونيو شيئًا والثالث من يوليو شيئًا آخر، فكل هؤلاء يدركون جيدًا أن كل الأمور كانت محسومة، من قبل الخروج في الثلاثين من يونيو، والأدوار موزعة والخرائط مرسومة، ولن تحتاج جهدا كثيرا لتفهم أن "الانتخابات الرئاسية المبكرة" لم تكن سوى وسيلة لاصطياد الجماهير، وشحنها في قوافل الخراب الثوري. ولعل في قبول محمد البرادعي منصب نائب الفاترينة الرئاسية، عدلي منصور، الذي نصبه وزير الدفاع إلى أن يجهز نفسه للانقضاض على الحكم، لعل في ذلك الدليل على أن القصة لم تكن استعادةً لثورة يناير، أو إصلاحًا لمسار ديمقراطي، بقدر ما كانت لحظةً انتهازيةً استبدّت بالرؤوس وغيبت الضمائر، ظنًا أن لهم نصيبًا في المسروقات.

أما على مستوى المواطن العادي، فالكل يعلم أن الحشد بهذه الأعداد الضخمة لم يكن ليتم لولا أن الدعوة إلى الخروج على الرئيس المنتخب صدرت عن المؤسسة العسكرية، مع تطميناتٍ بالحماية وتوزيعٍ للأعلام والرايات والوجبات والهدايا وخيام الاعتصام الأنيقة، ناهيك عن أن العسكريين والشرطيين دخلوا ميدان الثورة محمولين على الأكتاف، قبل الثوار أنفسهم.

في السادس والعشرين من يونيو/ حزيران 2013 نشرت صحفٌ مصرية، من بينها "الشروق"، تصريحاتٍ عسكرية تقول إن الجيش قرّر أن يقوم بتنفيذ "شبه انقلاب"، وعلى الصفحة الأولى من الصحيفة ذاتها "الجيش استعد لمرحلة ما بعد مرسي". ونقلت، على لسان من وصفته بأنه "مصدر سياسي كبير"، توقعه" نزول أعداد كثيرة يوم الأحد المقبل فى ظل ما يتردّد عن تجهيز عشرة آلاف خيمة ودورات مياه متنقلة ومواد غذائية. وعن سيناريو اليوم التالي، قال المصدر إن مجلسا سوف يتشكل من ثلاثة أشخاص .. مدنيان وعسكري".

بعد أقل من أسبوع على هذا التصريح، كان "المدنيان"، عدلي منصور ومحمد البرادعي، يجلسان بين يدي "العسكري" عبد الفتاح السيسي، تملؤهم نشوة الفوز، لتبدأ بعد ذلك سلسلة المجازر المشهورة.

في هذا اليوم من كل سنة، ينتظر الناس أن يتحلّى أحدهم بفضيلة الاعتذار، غير أن هذا الاعتذار لا يجيء أبدًا. وبالتالي يواصل عبد الفتاح السيسي ابتزاز المصريين وإرهابهم، بأنه يحكمهم ويريق دماءهم ويبيع أرضهم ويفرّط في مياههم، بموجب شرعيةٍ ثورية، وفرها له رموز ممن تعلقت بهم الجماهير.

هذه الرموز لا تزال مصممة على تقديس الخطيئة، وبدلًا من الاعتراف بها والاعتذار عنها، تجد كبيرهم، محمد البرادعي، ولمناسبة ذكرى "هدية الرب لإسرائيل" يكثّف جهوده في ترويج أهمية زيارة القدس المحتلة، بإذن سلطات الكيان الصهيوني، بحجّة أن في ذلك دعمًا للقضية الفلسطينية، أو هكذا يصوّر له "مؤلف تغريداته" البائس.

والحديث يطول..