ممدوح الولي

يشكل بند الدعم أحد بنود الإنفاق الثمانية بالموازنة المصرية، ويستحوذ على نسبة 17 في المئة من إجمالى الإنفاق في العام المالي الحالي 2019/2020، ويحتل المركز الثالث في القيمة، بعد بندى فوائد الديون وأقساط القروض من حيث القيمة، بنحو 328 مليار جنيه، أي أكبر من بندي الأجور والاستثمارات.

وداخل توزيع مخصصات الدعم يبدو التركز الشديد بحصول الجهاز الإداري بالحكومة والمكون من 33 وزارة على نسبة أكثر من 96 في المئة من إجمالي الدعم، بينما كان نصيب الهيئات الخدمية البالغ عددها 164 هيئة حكومية نسبة 3.5 في المئة.

وتتبقى نسبة أقل من اثنين بالألف، أي أقل من ربع في المئة للإدارة المحلية بالمحافظات السبع والعشرين، ومديريات الخدمات الموجودة بها ذات الإحدى عشر نوعية، ورغم أن العاملين بالمحليات يشكلون النصيب الأكبر من العاملين بالحكومة.

وعادة ما يتكرر رقم مخصصات الدعم البالغة 328 مليار جنيه في الخطاب الرسمي للمسؤولين، كدلالة على الاهتمام بالطبقات الفقيرة ومحاولة تخفيف آثار برنامج الإصلاح الاقتصادي على تلك الطبقات، إلا أن استعراض تفاصيل توزيع ذلك الدعم يبين صغر حجم استفادة الطبقات الفقيرة من تلك المبالغ، وحصول الأغنياء على نصيب كبير منها، إلى جانب الفئات المميزة بالجهاز الحكومي.

11 في المئة من الدعم للبطاقات التموينية

وتتركز الفكرة العامة عن الدعم في مصر على أنه المخصص لدعم الطبقات الفقيرة من خلال تقديم سلع غذائية عن طريق البطاقات التموينية، إلا أن مخصصات سلع البطاقات التموينية بالموازنة الحالية تبلغ أقل من 36 مليار جنيه، أي بنسبة 11 في المئة من الدعم لنحو 63.2 مليون فرد، من بينهم شرائح عالية الدخل، وعلى الجانب الآخر هناك شرائح فقيرة ليست مقيدة على البطاقات التموينية.

كما تقول وزارة المالية المصرية إن خصصت نحو 47 مليار جنيه من الدعم، لتوفير رغيف خبز رخيص السعر لنحو 71 مليون مواطن، وهو ما يعنى عدم اقتصاره على الفقراء. وبخلاف دعم السلع التموينية والخبز، نجد مجالات عديدة استفادت من مخصصات الدعم، منها المنتجات البترولية والكهرباء والمواصلات والمُصدرين والتأمين الصحي والإسكان والثقافة والرياضة والأوقاف والإنتاج الحربي والمساعدات للدول الأخرى.

وهكذا نجد أن جميع الوزارات المصرية الثلاث والثلاثين قد نالت من مخصصات الدعم، وتتأثر قيمة هذا الدعم للوزارات بمدى نفوذ تلك الوزارة أكثر من مسألة الاحتياج والتوجه به إلى الشرائح الفقيرة، وهنا نجد وزارة الداخلية تحصل على 704 مليون جنيه من أموال الدعم، لتوجهه إلى علاج ورعاية ضباط الشرطة والمحالين للمعاش وأسرهم، والأندية الاجتماعية لهيئة الشرطة.

ومثل ذلك تفعل وزارة المالية، حيث حصلت على 682 مليون جنيه لصناديق الرعاية الاجتماعية في الجهات التابعة للوزارة، مثل مصلحة الضرائب والجمارك وغيرها، وها هي وزارة الطيران المدني تحصل على 1.6 مليار جنيه من الدعم لصندوق تطوير الطيران، ووزارة الإنتاج الحربي تحصل على 1.8 مليار جنيه من أموال الدعم.

إعانات لثلث عدد الفقراء

وحسب البيانات الرسمية لتوزيع الدعم، نجد وزارة التضامن الاجتماعى بالصدارة بحصولها على 101 مليار جنيه، لكن النصيب الأكبر منها والبالغ 82 مليار جنيه؛ تقول الحكومة إنه مساهمة منها في صناديق المعاشات، بينما الحقيقة أنها مستحقات لصناديق المعاشات على الخزانة العامة، نتيجة ما قامت بصرفه نيابة عن الخزانة العامة من قبل، حين قررت بعض العلاوات الإجتماعية.

أما الجزء المتبقي والبالغ 18.5 مليار جنيه، فيخص ثلاثة أنواع من معاشات الفقراء، تحت مسميات معاش تكافل للسيدات الفقيرات ممن لهم أولاد بالمدارس، ومعاش كرامة لكبار السن والمعاقين ومعاش الضمان الاجتماعي للفقراء عموما، ويستفيد من المعاشات الثلاثة حوالي 3.5 مليون أسرة من مجموع ثمانية ملايين أسرة فقيرة، حسب النسبة الرسمية لمعدل الفقر والبالغة 32.5 في المئة.

وفي المركز الثاني قطاع التموين بنصيب 89 مليار جنيه ما بين البطاقات التموينية ودعم الخبز، وبالمركز الثالث المنتجات البترولية بنحو 53 مليار جنيه، ويتستفيد منها الجميع فقراء وأغنياء، بل إن دعم البنزين الذي يستفيد منه أصحاب السيارات الخاصة يشير لضعف استفادة الفقراء منه. ويحصل قطاع الصحة على ستة مليارات جنيه، وقطاع الإسكان خمسة مليارات جنيه لدعم الإسكان الاجتماعي ومياه الشرب، والكهرباء أربعة مليارات، والمصدرون من رجال الأعمال على حوالي أربعة مليارات جنيه.

محاباة القاهرة والإسكندرية بدعم المواصلات

واذا كان قطاع النقل بمختلف نوعياته يحصل على حوالي أربعة مليارات جنيه، فإن ما يقدمه من دعم به شبهة لعدم الدستورية، حيث يوجه 1.9 مليار جنيه لكلا هيئة النقل العام بالقاهرة وهيئة نقل الركاب بالإسكندرية، بينما باقي المحافظات لا تحصل على دعم للمواصلات بها، كما يحظى مترو الأنفاق بدعم لبعض ركابه، والذي يقتصر وجوده على القاهرة الكبرى فقط.

وفي التوزيع التفصيلي للدعم، تبدو المفارقات المتعددة، حيث حصلت الهيئة الوطنية للإعلام، المشرفة على الصحف القومية التابعة للحكومة على 331 مليون جنيه من الدعم، بخلاف 94.5 مليون للمجلس الأعلى للإعلام الذي حل محل وزارة الإعلام.

وفي المقابل، نجد المجلس القومي لشؤون الإعاقة، المختص برعاية المعاقين بمختلف أنواع الإعاقة الحركية والبصرية والسمعية، يحصل على نصف مليون جنيه فقط، وهي نفس القيمة التي حصل عليها صندوق تطوير العشوائيات المسؤول عن تطوير المئات من المناطق العشوائية بالمحافظات.

وبينما حصلت دار الأوبرا المصرية التي يقتصر حضورها على طبقة النخبة؛ على 43 مليون من الدعم، كان نصيب هيئة محو الأمية المسؤولة عن 17 مليون أمي بمصر؛ 25 مليون جنيه، مع تدني نصيب الكثير من المستشفيات، خاصة في الصعيد، من الدعم، حيث حصل معهد الأورام بجامعة أسيوط على 45 ألف جنيه فقط من الدعم، وهو المعهد الذي يستهدف علاج مرضى الأورام بمحافظات الصعيد بدلا من سفرهم إلى القاهرة حيث المعهد القومي للأورام.

وبينما حصلت مكتبة الإسكندرية على 18 مليون من الدعم، نجد نصيب مستشفيات جامعة سوهاج 40 ألف جنيه، ومستشفى بني سويف الجامعي 140 ألف جنيه، ومعهد صحة المرأة بجامعة أسيوط 60 ألف جنيه، والمستشفيات الجامعية بالزقازيق 300 ألف جنيه، وكان نصيب معهد تيدور بلهارس لعلاج البلهارسيا 50 ألف جنيه، ومعهد بحوث أمراض العيون 63 ألف جنيه.

32 مليار احتياطات للدعم مجهولة الصرف

وهكذا نجد نصيب وزارة الشباب من الدعم أكثر من مليار جنيه، ونفس القدر لوزارة الأوقاف التي من المفترض أن تقدم الدعم لغيرها نظرا لاشرافهاعلى هيئة الأوقاف المالكة للآلاف الأفدنة الزراعية ومئات العقارات بأنحاء البلاد علاوة على الاستثمارات المالية، وبما يشير إلى حصول كل الوزارات على نصيب من الدعم، حتى وزارات الخارجية والعدل ووزارة الدفاع.

والمهم في توزيع مخصصات الدعم أن هناك 32.2 مليار جنيه في شكل احتياطيات يتم الصرف منها خلال العام المالي على الجهات المختلفة، ولا يتم الإفصاح عن الجهات التي حصلت على تلك المبالغ، في ظل برلمان صوري افتقد أداء دوره الرقابي على الحكومة في ظل اختيار أعضائه من قبل الأجهزة السيادية، وكذلك مناخ كبت الحريات المانع للدور الرقابي للإعلام.

فرغم حصول الهيئة الوطنية للصحافة على 331 مليون جنيه من أموال الدعم، فإنها كثيرا ما تحصل على مبالغ أخرى من الدعم خلال العام لمقابلة دفع الأجور والحوافز المتعددة المسميات بالمؤسسات الصحفية الحكومية، وخاصة المبالغ المطلوبة لصرف الأرباح السنوية للعاملين في تلك المؤسسات رغم أنها جميعا خاسرة.

ورغم تشدد صندوق النقد الدولي في المطالبة بخفض الدعم لأصحاب البطاقات التموينية وغيرها من صور الدعم التي يستفيد منها الفقراء، لم ترد في طلباته مسألة خفض الدعم للمؤسسات الصحفية والإعلامية الخاسرة، وربما كان مستفيدا منها، حيث تقوم بتحسين صورته وتبرر مطالبه بين الجماهير الغاضبة من توصياته، التي تسببت في ارتفاع نسبة الفقر.