وائل قنديل

في ظهوره الأول، مرشحًا مفترضًا ضد عبد الفتاح السيسي، قال الناشط السياسي خالد علي: لن نقبل بأن نشارك في مسرحية هزلية، فإما مشاركة جماعية في انتخابات حرّة بضمانات تامة، أو مقاطعة جماعية، ونسيب السيسي يدخلها لوحده.

فيما بعد، بدا خالد علي مصرًّا على قطع الشوط إلى آخره، وقد لفّ حول خصره حزاماً من الضمانات، تحدث عنها لمحطة “سي إن إن”، ثم أعلنها في مؤتمر جماهيري، بوصفها أمورًا محدّدة لقرار الاستمرار في اللعبة، وكان في مقدمة هذه الضمانات:

1- فتح المجال العام لإتاحة الفرصة أمام الشعب المصري أن يتنفس بحرية، ويعبر عن إرادته بشكل حقيقي فى اختيار حاكمه ومحاسبته.

2- إطلاق حرية الصحافة والرأى والتعبير وحرية تداول المعلومات، وإلغاء الحجب المفروض على المواقع الإلكترونية الصحفية أو الحقوقية.

3- إنهاء حالة الطوارئ منذ الإعلان عن فتح باب الترشح، فمن حق الشعب المصري أن تجرى الإنتخابات الرئاسية بدون حالة الطوارئ التي تمنع الحق في الحركة ومباشرة الحقوق السياسية، خاصة أن قانون محكافحة الإرهاب كافٍ لمواجهة الحالة الموجودة في مصر.

4- يجب أن يتضمن الإطار التشريعى لهذه الانتخابات مدة دعائية معقولة للمرشحين، فهل يعقل أن المدة المقرّرة لدعاية المرشح الرئاسي أقل من مدة إنتخابات مراكز الشباب؟ فالمدة المقرّرة حاليا للمرشح الرئاسي 20 يوما فقط من تاريخ إعلان الكشوف النهائية حتى يوم الترشّح، وهذه مدة غير كافية لتحرك المرشحين أو حملاتهم في طول البلاد وعرضها.

جاء الرد سريعًا من نظام عبد الفتاح السيسي، فاستجابة لمطلب “أن يتنفس الشعب بحرية وإنهاء حالة الطوارئ” تم تنفيذ شنق عشرات المصريبن، بعد محاكمات عبثية جائرة، وتصفية عدد آخر من الأبرياء، بعد اختطافهم وإخفائهم قسرًا. ثم أعلن السيسي قرارًا جمهوريًا بمد حالة الطوارئ، لتغطي فترة ما تسمى انتخابات رئاسية. وأخيرًا، أعلنت لجنة الانتخابات شروطًا تعجيزية، تحقيقها من المستحيلات، لكي يحصل المتقدّم على صفة مرشّح، أمام شخص يتحكّم، وحده، في كل شيء، من اختيار المنافسين إلى الجمهور إلى الحكم إلى أرض الملعب إلى وضع قواعد اللعبة ومداها الزمني.

جاء السيسي بأحمد شفيق، ليكون أمثولةً، وعبرةً لكل من تسوّل له نفسه الاقتراب من منصبه. في البداية، تم تضخيم صورة أحمد شفيق، منافسًا جبارًا، يشكل تهديدًا لعرش الجنرال، وباستخدام دراما مثيرة، جرت فصولها بين أبو ظبي والقاهرة. انتهى العرض بإعلان شفيق مبايعته السيسي زعيمًا، بعد أن أزاح الله الغمامة عن عينه، ورأى الإنجازات الكبرى.

كان استدعاء شفيق نوعًا من فواتح الشهية، وإضافة نكهاتٍ حرّاقة على موضوع بارد وميت وعبثي اسمه انتخابات. وعلى وقع دراما حضور أحمد شفيق وانصرافه، ارتفع حماس خالد علي للانخراط في اللعبة، وظهر في الصورة محمد أنور عصمت السادات، لإضفاء مزيدٍ من الجدية المصطنعة على مشهدٍ هزليٍّ بكل المقاييس والاعتبارات.

وفي اللحظة التي أعلنت فيها الهيئة المعنية بالانتخابات، والتي صنعها السيسي على عينه، الشروط والقواعد المنظمة للعملية، توقع كثيرون أن ينجو خالد علي بنفسه من هذا المستنقع، وينفذ ما قطعه على نفسه في الظهور الأول “لن نقبل أن نشارك في مسرحية هزلية، فإما مشاركة جماعية في انتخابات حرّة بضمانات تامة، وإما مقاطعة جماعية، ونسيب السيسي يدخلها لوحده”.

لكن ما حصل أن الحماس اشتعل في حملة خالد علي، ركضًا وراء لعبة التوكيلات المستحيلة، على نحو مثير للدهشة، فإما أن خالد علي يرى في نفسه قوة خارقة، تدعمها قوى خفية، تجعله واثقًا من كسر طوق التوكيلات، أو أنه بات في وضعيةٍ لا تسمح له بالتراجع، وإنقاذ نفسه من مصير حمدين صباحي “في أكثر التوقعات تفاؤلاً”.

والحاصل أن الوقائع على الأرض في هذه اللحظة تقول إن الانتخابات المقبلة يحكمها قانون الخوف، فذاك مرشح محتمل، ومحترق، أجبره الخوف على الانسحاب، ودعم السيسي. وهذا آخر أرغمه الخوف على الاستمرار في اللعبة التعجيزية، ولسان حال حملته يقول “سنظل أوفياء”، كما يفعل جمهور نادي الزمالك المصري، وهو يبتلع الهزائم، ويواصل الهتاف بحماس، في ظل أوضاعٍ لا يمكن أن تنتج غير الهزيمة.

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر