ياسر الزعاترة


في الفضاء العربي نخب بلا حصر أدمنت ممارسة “الأستذة” على الإسلاميين، وتقديم وجبات من النصائح لهم على نحو متواصل، مع ميل لدى بعضهم إلى تجاوز “الأستذة” نحو التقريع؛ بل التهديد في بعض الأحيان.

واللافت بالطبع أن كثيرا من تلك النخب لا تنتمي أصلا لخلفيات ديمقراطية حقيقية، بقدر ما تتحدر من فضاءات اليسار الذي يعرف الجميع تنظيراته حول “دكتاتورية البروليتاريا”، أو القومية التي يعرف الجميع تجاربها “الراسخة” في ديمقراطية الإقصاء والقتل والتعذيب، أو كانوا من العلمانيين الذي لهم سجل طويل في التحالف مع الأنظمة الدكتاتورية، والعمل معها.

ليس لنا اعتراض على أن يتبنى أي أحد النهج الذي يريد، أو أن ينتقل من معسكر إلى آخر، لأن التغير سنة ماضية، بخاصة في عوالم النخب التي لا يجد بعضها غضاضة في الانتقال من مربع إلى آخر في زمن قياسي، فيما يحدث ذلك مع آخرين كنتاج لمراجعات أو ضغوط أو إغراءات، وهو أمر يشمل الإسلاميين بشتى ألوانهم أيضا، فكم منهم انتقل من السجون إلى التنظير لخدمة الطغيان، وكم منهم انتقل من المعارضة إلى أقصى درجات الموالاة.

ليس لنا اعتراض أيضا على أن يوجّه أي أحد النقد والتوجيه للإسلاميين، فهم ليسوا فوق النقد، ومن يخوض المجال العام، ينبغي أن يكون جاهزا لتقبل النقد مهما كان قاسيا.

ما يعنينا هو ذلك التعالي في “الأستذة” والتنظير على الإسلاميين، كما لو كان عليهم أن يقدموا من الاستحقاقات ما يرضي شهية أولئك القوم كي يقبلوهم ضمن الفضاء الديمقراطي، أو يكفوا عن التحريض عليهم، مع العلم أن مسلسل المطالب غالبا ما يتغير ويرتفع سقفه بحسب الأجواء السائدة، وهو غالبا ما يمضي صعودا، ولا يُستبعد أن يأتي اليوم الذي يطالب بعض أولئك فيه الإسلاميين بالكف حتى عن بناء المساجد لكي يثبتوا أنهم يسيرون في الخط الصحيح الذي يناسب التنمية والتطور!

والحال أن الفضاء الديمقراطي الحقيقي الذي يزعم أولئك الانحياز إليه، والتنظير لصالحه لا يجد حرجا في تقبل التطرف والاعتدال، فيما تُترك للجماهير حرية الاختيار. وإذا كان الكيان الصهيوني هو أحد النماذج الديمقراطية التي يُعيَّر بها العرب، بالقول إنه يمثل “واحة الديمقراطية” في شرق مسكون بالديكتاتورية، فإن الساحة الإسرائيلية تزدحم بالأحزاب ذات الخلفية الدينية المتطرفة، ولم يطالب أحدٌ بشطبها من الحياة السياسية.

يحدث ذلك في أعتى الديمقراطيات التي يتحرك فيها اليمين الديني والقومي بحرية، ويخوض الانتخابات، ويحقق نتائج عالية أو محدودة بحسب كل بلد، ولم يطالب أحدٌ بشطب أحزابه من الحياة السياسية، إلا في حالات نادرة بلغ خلالها التطرف حد الدعوة للعنف، كما هو حال المتطرف الهولندي “فليدرز”.

الإسلاميون كما التيارات الأخرى ليسوا سواءً، وهم يراوحون في مواقفهم ونظرتهم للسياسة والديمقراطية والشريعة وما يجب وما لا يجب، والجماهير وحدها هي صاحبة الحق في الحكم عليهم، ولا يحق لأي أحد آخر أن يمارس الوصاية عليهم، ما داموا يحققون ما تفرضه الحياة السياسية من شروط.

الحق أن أزمة تلك النخب الإسلامية لا تتمثل في مواقفهم، ولا في تطرفهم واعتدالهم، بل في جماهيريتهم التي تستفز فيروسات الحسد في نفوس القوم، فيميلون إلى “الأستذة” عليهم، مستبطنين التحريض، وليس النصيحة التي تجعلهم أكثر قربا من الجماهير.

كل ذلك ليس وصفة لغرور الإسلاميين، إذ إن عليهم أن يستمعوا إلى الجميع، بما في ذلك الكارهون، لكن بوصلتهم الأساسية يجب أن تبقى مصوّبة نحو الضمير الجمعي للجماهير؛ لأنها هي حاضنتهم، وهي الأصدق في تصحيح النهج الذي يتبنونه أكثر من أي طرف آخر.

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر