وائل قنديل:

 

يقول الخبر إن الجنرال عبد الفتاح السيسي، مرتكب جريمة ميدان رابعة العدوية، وقف منحنياً أمام النصب التذكاري لضحايا مذابح الهوتو والتوتسي الجماعية في رواندا.
اختار السيسي الخامس عشر من أغسطس/ آب للزيارة، بالتزامن مع الذكرى الرابعة لمجزرة القرن المصرية التي كانت طريقه للوصول إلى السلطة، ليضع إكليلاً من الزهور على الراقدين في مقابر حروب الإبادة الرواندية.
هل هو مكر التاريخ الذي اختار له هذا التوقيت لزيارة رواندا، أم أنها بجاحة البشر، وغطرسة القتلة، ويقينهم بأن أحداً في هذا العالم المجنون، المتواطئ، لم يعد يحاسب على المجازر، مادام مرتكبوها يختبئون في أحراش"الحرب على الإرهاب"؟
ما نعرفه، فقط، أن نظام السيسي فعل بمصر ما فعله جنون عنصرية الهوتو والتوتسي في رواندا، مع فارق بسيط، هو أن السيسي لا ينتمي لقبيلة عرقية، على غرار أهل الهوتو، أو أتباع التوتسي، وإنما ينتمي لقبيلة العسكر التي تخوض حربها ضد قبيلة "الثورة المصرية".
حرب إبادة هناك، في رواندا، ومثلها هنا، في مصر، منطق الاجتثاث والإقصاء واحد، والآلية، كذلك، واحدة: شيطنة الطرف الآخر واستحلاله، ومن ثم اقتلاعه من الحياة.
قوائم للقتل هناك، ومثلها هنا، وإذا كانت قبيلة الهوتو الحاكمة، إبّان اندلاع حرب الإبادة الرواندية، قد أعدت قوائم  بأسماء "أعداء الوطن" من القبيلة الأخرى، وأطلقت العنان لمليشياتها كي تُعمِلٓ فيهم آلة القتل، هم وجميع أفراد أسرهم، فإن قبيلة السيسي العسكرية فعلت الشيء ذاته في مصر، بتأليف قوائم إرهاب، تضم كل من يعارض النظام بكلمةٍ أو بموقف، وتدعو مليشياتها من البلطجية لافتراسهم وإبادتهم ومطاردتهم في كل واد.
كان "الهوتو" يقتلون خصومهم وجيران خصومهم، وبحسب تقارير عديدة، كان الأزواج يقتلون زوجاتهم من المنتميات لقبيلة الخصوم، تنفيذاً للأوامر، ومن يرفض منهم يٌقتٓل أيضاً.
كانت حرباً على الهوية العرقية والقبلية، إذ كانت بطاقات الهوية الشخصية، في ذلك الوقت، تتضمن تحديد الانتماء العرقي، فأقامت مليشيات القتل الأكمنة ونقاط التفتيش على الطرقات، وكان القتل على المشاع.
في مصر، يسمون ذلك التصفية الجسدية، ويكفي بعد ارتكاب الجريمة بيانٌ يقول إن الضحايا كانوا يخططون لتنفيذ جرائم إرهابية، تزعزع الأمن القومي، وتعرّض البلاد للخطر.
وفي مصر، أيضاً، يحتجزون النساء رهائن، حتى يقرّ أزواجهم بارتكاب جرائم لم تقع، ولا يعرفون عنها شيئاً، وإلا سوف يغتصب رجال النظام البواسل نساءهم، أمامهم.
كان الحزب الحاكم المتحكّم في قبيلة الهوتسي يرفع شعار"تحيا رواندا". وتحت هذا الشعار تنتهك القوانين، وتداس حقوق الإنسان بالأحذية، فأنشأ ما أطلق عليه في ذلك الوقت "الحركة الوطنية الجمهورية من أجل الديمقراطية والتنمية"، وهي جناح شعبوي شبابي، يطلق عليه اسم "إنتراهاموي"، وتحول إلى مليشيا تنفذ المذابح.. تماماً مثل كل الفاشيات التي استلهمها نظام السيسي، لكي يسمح بتشكيل ما أطلق عليها "الشرطة المجتمعية"، تطبيقاً لفلسفة المواطن المخبر، الذي يمارس توغده وتسفله تحقيقاً لشعار "تحيا مصر".
يقول لنا أرشيف المقتلة الرواندية أن متطرفي نظام الهوتو استخدموا الإعلام سلاح قتل في حربهم العنصرية المجنونة، فأنشأوا محطات إذاعية وصحفا تبث الكراهية والوحشية وتحث أتباعها على إبادة " الصراصير"، تماما كما أدار نظام السيسي ترسانة إعلامية جبارة تحرض على ذبح"الخرفان" بلا هوادة.
في المجمل، جريمة رابعة، وإن كان عدد ضحاياها بضعة آلاف فقط، فإنها لا تختلف في منطلقاتها ووحشيتها عن الإبادة الجماعية في رواندا، ولابد أن تحت ثرى المقابر التي وقف السيسي عندها، ينثر وروده، أشلاء وجماجم تشبه التي حصدتها قواته في مصر، ولو كانت الجثث تنطق لصرخت في وجهه: اغسل يديك من دماء ضحاياك قبل أن تأتي إلى هذا المكان..أنت آخر شخص في هذا العالم المتوحش يمكن أن يقف هذا الموقف.
 
 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر