نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب جوناثان ستيل، يقول فيه إنه إذا كانت نهاية الحرب السورية تعني انتصار بشار الاسد والروس معه فليكن الأمر كذلك.

ويبدأ ستيل مقاله بالقول: "عندما تبدو الحرب السورية وكأنها لن تزيد تعقيدا، فإنها تصبح كذلك، ففي الأجواء فوق البحر المتوسط أسقط صاروخ سوري طائرة تجسس تابعة للحليفة الروسية بعدما ظن أنها مقاتلة إسرائيلية، وفي منتجع سوتشي على البحر الأسود اتفق الرئيسان الروسي والتركي على خطة تستخدمها أنقرة لنزع سلاح الجماعات المتطرفة في المنطقة الخاضعة لسيطرتها، وتضم مقاتلين من الشيشان والإيغور وغيرهم من المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى الجهاديين المتطرفين السوريين".

ويستدرك الكاتب في مقاله، بأن "هناك نقطتين يجب أخذهما في عين الاعتبار، الأولى، وهي توسع عمليات التدخل الخارجي فيما كان عام 2011 حملة مطالبة حقيقية للإصلاح، أما النقطة الثانية فتتمثل في الدور المركزي الذي لا يستطيع أحد الاستغناء عنه لروسيا، فهي تقوم بنشر شرطتها العسكرية في الجزء الجنوب الغربي لمنع الجماعات المؤيدة لإيران من الاقتراب من الحدود السورية مع إسرائيل، وحرفت النظر عن الهجمات الجوية التي تنفذها إسرائيل ضد المستشارين الإيرانيين في سوريا، ومع خسارة الطائرة الروسية فإن روسيا ستقوم بتعنيف إسرائيل علنا؛ لأنها خلقت إرباكا أدى إلى خطأ في إطلاق الصاروخ".

ويرى ستيل أن "علاقة روسيا مع تركيا متعددة الوجوه أيضا، فهي تشجب احتلال انقرة لمناطق في شمال سوريا، بما فيها أجزاء من محافظة إدلب، لكنها تستخدم الوجود التركي هناك، وتطالبها بنزع أسلحة المقاتلين الجهاديين، الذين تلقوا ذات مرة دعما من تركيا، وسواء تم تطبيق اتفاق سوتشي أم لا فإن هذا أمر سنراه لاحقا، فقد وعدت تركيا في الماضي وعودا لنزع أسلحة المعارضة دون تحقيق أي نجاحات تذكر".

ويشير الكاتب إلى أن "روسيا والنظام السوري يحشدان قواتهما في مناطق أخرى للهجوم على المعارضين لنظام الأسد، وهناك أطراف أخرى تدعو إلى وقف إطلاق النار، من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، حيث تقوم هذه الدول بحملة قوية لمنع روسيا من القيام بهذا الهجوم، فرغم أن دوافع هذه الدول إنسانية، خاصة أن القصف المكثف سيؤدي إلى عمليات قتل وتشريد على قاعدة واسعة، إلا أن دعواتها لوقف إطلاق النار ملطخة بدوافع أقل إنسانية، فهذه المحاولات مصممة لمنع الجيش السوري وروسيا من السيطرة على آخر معاقل المقاومة في قلب سوريا".

ويلفت ستيل إلى أن "بريطانيا وفرنسا وأمريكا وملكيات الخليج انخرطت بقوة في الحرب الأهلية منذ الثورة ضد الأسد، وقامت بعسكرتها عام 2012، ومولت جماعات المعارضة وسلحتها، وبينها جماعات متطرفة، والدعوة لوقف إطلاق النار هي محاولة لمساعدة المتمردين لا المدنيين الذين يحكمونهم بطريقة قاسية".

ويعتقد الكاتب أن "هناك عدة طرق لحماية المدنيين، وعددهم مليونا نسمة في إدلب، معظمهم في مخيمات مؤقتة، ويعيشون في أوضاع مزرية، وهي من خلال البحث عن تسوية سياسية يستسلم فيها المقاتلون، وتفاوضت الحكومة السورية مع المقاتلين في أكثر من 100 عملية استسلام خلال العامين الماضيين، التي تطلق عليها الحكومة عمليات مصالحة، حيث سمحت لآلاف المقاتلين بمغادرة مناطقهم المحاصرة، واختار معظمهم الانتقال إلى إدلب، ولأنها كانت راغبة بالسيطرة على المناطق فإنها سمحت للمقاتلين بالخروج بأسلحتهم، ووفرت لهم وسائل الخروج".
 
وينوه ستيل إلى أن "مئات العائلات خرجت مع المسلحين؛ ولهذا السبب تمتلئ إدلب بالناس المشردين، لكن هناك الكثيرين ممن استفادوا من (المصالحة)، وعادوا إلى بناء حياتهم، وفضلوا البقاء في مناطق تحت سيطرة الحكومة، بدلا من البقاء في قرى وبلدات تعيش الحروب، ولم يكن النزاع السوري حربا بين نظام ومعارضة، بل إن ملايين السوريين لا يدعمون ولا يصدقون أيا منهم، وهم ساخطون على عسكرة ما بدا أنها حركة مدنية سلمية تطالب بالتغيير، وتحولت لحرب بالوكالة، استخدمت من خلالها القوى الخارجية سوريا ساحة حرب".

ويبين الكاتب أنه "في الوقت الذي تدير فيه تركيا المناطق التي تعمل فيها هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة، فإن هناك مناطق أخرى خاضعة لأحرار الشام وكتائب نور الدين زنكي، وهما الفصيلان اللذان حصلا على دعم القوات الخاصة التابعة لدول خارجية، وهناك اصحاب الخوذ البيضاء الذين يتلقون رواتبهم من بريطانيا وفرنسا".

ويفيد ستيل بأن "الطائرات الروسية والسورية تسقط ملصقات في مناطق المعارضة، تدعو المقاتلين للاستسلام، وهناك تقارير عن معاقبة المعارضة لمن يلتقط الملصقات ويوزعها، ومن ينشرون الرسائل التي تدعو للاستسلام والسلام بدلا من الحرب العبثية، وحتى في هذه المرحلة لم يفقد المقاتلون الأمل بتدخل أمريكي ضد الأسد ومقره في دمشق".

ويورد الكاتب أن هناك رسالة أخرى للمعارضة تفيد بأن من يستسلم من المقاتلين سيقتل أو يعتقل، مشيرا إلى أن "فكرة قيام الحكومة بقتل أي مدني يستسلم للحكومة لا معنى لها، لكن هناك قلقا حقيقيا من عمليات انتقامية".

ويقول ستيل: "يجب على الحكومة السورية أن تعلن العفو عن كل مقاتل في إدلب طالما لم يكن عضوا في هيئة تحرير الشام، ولن يتم تجنيدهم في الجيش السوري كما حدث في حالات أخرى، خاصة أن الحكومة ليست بحاجة لجنود إضافيين، فالحرب قد انتهت، ويجب على الحكومات الأمريكية والفرنسية والبريطانية ألا تحث وكلاءها على عرقلة عمليات الاستسلام".

ويرى الكاتب أن "من الصعب على السوريين الاعتراف بأن الثورة المضادة للأسد قد فشلت، وإنكار هذا يعني تعريض السوريين لأشهر أخرى من المعاناة، ومن الصعب على الحكومات الغربية أن تقبل بانتصار الأسد بعد 7 أعوام من المطالبة باستقالته، بالإضافة إلى أنه من الصعب القبول بأن التدخل الروسي ساعد على وقف الحرب".

ويختم ستيل مقاله بالقول إن "(الكليشيه) هو أن الأسد يقوم بقتل شعبه، لكن هذا الكلام لا يعني أن المعارضة لم تكن تقتل أبناء شعبها في السنوات السبع الماضية، وتتحمل الحكومات الغربية جزءا من المسؤولية عن المذبحة، لكن اتخاذ الغرب الموقف الصحيح يعني أنه بدأ يصحح بعضا من أخطائه".