بقلم : وائل قنديل

يبدو أن بعض الأطراف على استعداد لأن يضحّي بالحقيقة، وبالموضوعية وبالعدل، في سبيل اقتناص "لحظة اصطفاف" عابرة، تنتهي بالتقاط مجموعة من الصور الفوتوغرافية، الثمينة، يقدمونها إلى الرعاة.

تعبت الكلمات من تكرار التأكيد على أن الثورة فعل أخلاقي، لا ينبغي أبداً أن يسمح أصحابها بإقامة أواصر ومد جسور مع أطراف تبتذلها، وتنقلها إلى شيء أقرب إلى الصفقات والتربيطات الانتخابية، لتصاب في أخلاقياتها وقيمها، وتسلك، كما فعلت مؤسسة الانقلاب قبل الثلاثين من يونيو 2013، حين تبدل حال رموز "يناير"، فباتوا أقرب إلى موردي الحشود للخدمة في معسكر الثورة المضادة.

مناسبة إعادة التأكيد على هذا المعنى، كلمات نشرها الوزير السابق وأستاذ القانون الدكتور محمد محسوب، أمس، أبدى فيها انزعاجه مما يمكن أن أصفه بشبق الهرولة إلى "اصطفاف والسلام"، من دون أدنى اعتبار أو احترام للوقائع والتواريخ. كتب محسوب "نحن ندعو الجميع لاصطفاف يستعيد روح يناير، ومطالب الشعب، وأمل بناء دولة العدل والكرامة.. لكننا لا يمكن أن نسكت عن التلاعب بتاريخ أمة، وحوادث يملكها شعب كامل، ولا يجوز استخدامها لفض خصومة سياسية".

والحاصل أنه، منذ الارتفاع الملحوظ في درجات حرارة الاصطفاف، متأثرة برياح إقليمية مفاجئة، وكل الأطراف تتلبسها حالة من الرغبة في الظهور، وتقديم نفسها باعتبارها "الفرقة الناجية" من الخطايا، والمنزهة من الأخطاء، فتستغرق في الارتداد إلى الماضي القديم جداً، من دون أن ترحمه من العبث والتدليس والتلبيس والادعاء، بدلاً من تكبد مشقة مراجعة الذات والسقوط في الأخطاء، عن جهل وغفلة وإفراط في حسن النية أحياناً، وعن عمد وانتهازية في أحيان أخرى.

نحب الاصطفاف، نعم، لكن حبنا للحق ينبغي أن يكون أكبر. لذا، فإنه يمكن القول إن القصة، باختصار، أن بعضهم خرج، أو أُخرِج، سريعاً، أو متأخراً، من علاقة فاشلة مع عسكر 30 يونيو (قصائد الغرام المتبادلة محفوظة في الأرشيف)، وعلى الرغم من ذلك، يصرّون على أنهم الأصوب والأجدر.. وأحسب على الذين استيقظوا، أخيراً، من النوم في فراش أوهام 30 يونيو أن يتواضعوا، أو يخجلوا قليلاً.

إن التحلل الذي يمكن أن تلحظه في منظومة الانقلاب مرده أنها تأسست على الانتهازية وقيم الربح، بكل الوسائل، بصرف النظر عن مشروعيتها، حيث كان الاهتمام فقط بالأعداد والحشود، حتى كانت تلك الصورة المشينة، لبناء انقلابي، قوامه الثورة المضادة، وفي الواجهة رموز تنتمي لثورة يناير، ارتضت أن تستخدم للعب هذا الدور التجميلي، وهي، في كامل وعيها. ولذلك، لن تصمد طويلاً، خصوصاً مع تهاوي أوهام جنرال الانقلاب، يوماً بعد يوم.

وقد كتبت في بداية الانخراط في مؤامرة الانقلاب أن أخطر ما يمكن أن تصاب به المعارضة المصرية الحقيقية أن تسمح بعلاقات تجاور والتقاء مع معارضات أخرى، فاسدة ومزيفة، لمجرد أن الخصم واحد، لأن المهزوم في هذه الحرب غير المقدسة لن يكون النظام الحالي ولا "الإخوان" ولا الإسلام السياسي، بل ستكون مصر كلها هي المهزومة، وستكون ثورة يناير وقود الحرب وأشلاءها ودماءها، لينفتح مشهد النهاية على عودة النظام القديم بكامل عداده وعدته.

ويمكن أن نقول الشيء نفسه، فيما يخص النشاط المحموم لتشكيل منظومة اصطفاف، تنشغل بالكم والعدد، على حساب المضامين الأخلاقية لأي وحدةٍ ثورية، فتسمح بإدماج انتهازيين ومحترفي جلوس على كل الموائد.

إن أحداً لا يملك مفاتيح الثورة، ولا يصح أن يدّعي طرفٌ أنه الثورة، كما أن إغلاق الأبواب في وجه العائدين من تلك العلاقة مع سلطة الانقلاب جريمة بحق الثورة، غير أنه، مع كرنفالات الفرح والترحيب بالعودة، لا يجب أن تمنح لأصحابها الحق في ممارسة أنواع من التطاوس والاستعلاء السفيه، أو فرض الإملاءات والتصورات.

وإذا كنا متفقين على أنه لا يمكن الحديث عن إزالة انقلاب، مع استمرار عبد الفتاح السيسي على رأس السلطة، فإنه، وبالقياس نفسه، لا يمكن الكلام عن استرداد ثورة، من دون التمسك بما أفرزته من مكتسبات، بصرف النظر عن مشاعر حضرتك الشخصية تجاه الرئيس محمد مرسي، أو رأيك في أدائه.


هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه