بقلم: وائل قنديل

قال الكاتب السعودي المعروف، جمال خاشقجي، إن "الموقف المصري من العدوان الروسي في سورية قد يتغيّر بإذن الله". نعم.. قد يتغير، لأن هذه مصر الجديدة التي تدار بعقلية الديليفري، حيث التوصيل لمن يطلب، ومن يدفع، والمواقف طازجة وساخنة، يوماً بيوم، إذ تُمارس السياسة، بالقطعة، كما يفعل عمال الأجرة اليومية، فالبوصلة هي إيراد آخر النهار، لا فرق بين العمل في بناء دار عبادة، أو طلاء دار مناسبات، أو بيت للتجميل، أو بيت لأي شيء آخر. إنه تغير، ويتغير، وسوف يتغير، لكنه هنا لا يمكن أن نطلق عليه "الموقف"، فالموقف مبدأ، والمبدأ ثابت، ومحاط عادة بغلاف قيمي وأخلاقي، يجعل حركته واتجاهه أكثر اتساقاً مع المستقر في الضمير.
 
لذا، من الأفضل أن نقول إن قرار عبد الفتاح السيسي، أو ولاء عبد الفتاح السيسي، أو اختياره، هو الذي سيتغير، ويتبدل ويتحول، وينقلب أيضاً. وفي هذا لكم في تراجيديا الحرب في اليمن المثل والدليل والعبرة، حيث كان الولاء تاماً، والتطابق كاملاً، والتقافز بخفة على سلم الطائرة الملكية يحدث بكل سرور وحبور، عندما كان "الأرز" يتدفق بانتظام. وحين التقطت قرون الاستشعار أن ثمة موقفاً سعودياً مختلفاً بعض الشيء، مع وصول ملك جديد، جاءت التبدلات والتقلبات، وأومأت العيون التي بطرفها زيغ لطهران، ودعت القاهرة الفن الحوثي، تشكيلاً وتصويراً، للاستعراض على أرضها، وبعثت سفيراً لها إلى صنعاء، في وقت كان فيه العرب يسحبون سفراءهم منها، كإجراءٍ لازم لنزع الشرعية عن الانقلاب الطائفي المدعوم إيرانياً. كان الأمر محض مكايدة وابتزاز للحكم الجديد في السعودية، حتى يُستأنَف الضخ، وما بين نفي قاطع من القاهرة للمشاركة في عاصفة الحزم، وتصريحات من عدن عن مشاركتها، ثم تلميحات وتسريبات بوجود رمزي، مضت الأمور، حتى عاد "الأرز" وإن بكميات أقل، فكان الإعلان رسمياً عن وجود قوات مصرية. وفي المحصلة، تحولت المسألة اليمنية إلى بحر من الرمال المتحركة، لا تنبت فيها أشجار الحسم، ويظل الجرح مفتوحاً ونازفاً حتى الآن.
 
وإجمالاً، يمكن القول إن إدماج سلطة انقلاب مصر في مشروع محاربة انقلاب اليمن أفاد عبد الفتاح السيسي أكثر مما أفاد التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وأكثر مما تحقق للتحالف نفسه، إذ كوفئ السيسي بأن جاءه الرئيس اليمني، المفترض أنه الشرعي، الذي يقاوم الانقلاب، حتى باب قصره في القاهرة، في واحدة من غرائب السياسة العربية وعجائبها: سلطة شرعية تقاوم انقلاباً في بلدها، تذهب لمنح شرعية لانقلاب في بلد آخر. يبدأ الحسم في ميادين القتال بحسم الاختيارات ونقاء العقيدة أولاً، وهو ما يفضي إلى مواقف استراتيجية، مكتملة الوضوح والاتساق، غير ذلك لا ينتج إلا ألاعيب تكتيكية، وتقلبات أكروباتية، تليق بلاعبي السيرك، أو عفاريت الديليفري، المنتشرين على الطرقات.
 
وعلى ذلك، ليس مستبعداً أن يصدر التغيير من القاهرة، بشأن الصراع السوري، على الطريقة نفسها التي رأيناها في الموضوع اليمني، بحساب المقدمات والنتائج، كما يقول المناطقة. إن قاهرة السيسي أقرب إلى الحوثيين وإلى بشار الأسد، منطقياً وبراغماتياً، كما أنها أكثر احتياجاً للقرار الروسي، الصيني، والتزاماً به، وهذا معلن ومثبت بتكرار الحج إلى الكرملين، بمعدل أكثر من مرة في العام، ومؤكد بالخطاب الدبلوماسي والإعلامي المصري الذي يفخر بأن السيسي هو "بوتين على صغير"، ومن ثم ليس من الفطنة أن يبتهج أحد، أو يستبشر بأن تحولاً، أو تغيراً، سيطرأ على التعامل الرسمي المصري من الصراع في سورية، لأنه سيكون محكوماً باعتبارات المقايضة، لا المقاومة، ومؤسساً على قيمة المبلغ، وليس جوهر المبدأ. إن عاصمة تعتبر الروسي القاتل فلاديمير بوتين بطلاً، والشيشاني المجاهد المناضل شامل باساييف إرهابياً ومجرماً، لا يمكن أن يرجى منها خير في معركةٍ من أجل العروبة والإسلام والإنسانية في سورية. ولا بأس من تكرار ما قلته منذ شهور بعيدة: إن السيسي والحوثي والأسد وحفتر رفقاء مشروع واحد، حتى وإن اختلفت روافد الدعم الإقليمية. وبالتالي، تبدو المنطقة كلها وكأنها متجهة إلى جحيم مستعر، سيكتوي به أولئك الذين أطلقوا العنان لأدوات المشروع المعادي لثورات الربيع العربي.
 
بدلات والتقلبات، وأومأت العيون التي بطرفها زيغ لطهران، ودعت القاهرة الفن الحوثي، تشكيلاً وتصويراً، للاستعراض على أرضها، وبعثت سفيراً لها إلى صنعاء، في وقت كان فيه العرب يسحبون سفراءهم منها، كإجراءٍ لازم لنزع الشرعية عن الانقلاب الطائفي المدعوم إيرانياً. كان الأمر محض مكايدة وابتزاز للحكم الجديد في السعودية، حتى يُستأنَف الضخ، وما بين نفي قاطع من القاهرة للمشاركة في عاصفة الحزم، وتصريحات من عدن عن مشاركتها، ثم تلميحات وتسريبات بوجود رمزي، مضت الأمور، حتى عاد "الأرز" وإن بكميات أقل، فكان الإعلان رسمياً عن وجود قوات مصرية.
 
وفي المحصلة، تحولت المسألة اليمنية إلى بحر من الرمال المتحركة، لا تنبت فيها أشجار الحسم، ويظل الجرح مفتوحاً ونازفاً حتى الآن. وإجمالاً، يمكن القول إن إدماج سلطة انقلاب مصر في مشروع محاربة انقلاب اليمن أفاد عبد الفتاح السيسي أكثر مما أفاد التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وأكثر مما تحقق للتحالف نفسه، إذ كوفئ السيسي بأن جاءه الرئيس اليمني، المفترض أنه الشرعي، الذي يقاوم الانقلاب، حتى باب قصره في القاهرة، في واحدة من غرائب السياسة العربية وعجائبها: سلطة شرعية تقاوم انقلاباً في بلدها، تذهب لمنح شرعية لانقلاب في بلد آخر.
 
يبدأ الحسم في ميادين القتال بحسم الاختيارات ونقاء العقيدة أولاً، وهو ما يفضي إلى مواقف استراتيجية، مكتملة الوضوح والاتساق، غير ذلك لا ينتج إلا ألاعيب تكتيكية، وتقلبات أكروباتية، تليق بلاعبي السيرك، أو عفاريت الديليفري، المنتشرين على الطرقات. وعلى ذلك، ليس مستبعداً أن يصدر التغيير من القاهرة، بشأن الصراع السوري، على الطريقة نفسها التي رأيناها في الموضوع اليمني، بحساب المقدمات والنتائج، كما يقول المناطقة.
 
إن قاهرة السيسي أقرب إلى الحوثيين وإلى بشار الأسد، منطقياً وبراغماتياً، كما أنها أكثر احتياجاً للقرار الروسي، الصيني، والتزاماً به، وهذا معلن ومثبت بتكرار الحج إلى الكرملين، بمعدل أكثر من مرة في العام، ومؤكد بالخطاب الدبلوماسي والإعلامي المصري الذي يفخر بأن السيسي هو "بوتين على صغير"، ومن ثم ليس من الفطنة أن يبتهج أحد، أو يستبشر بأن تحولاً، أو تغيراً، سيطرأ على التعامل الرسمي المصري من الصراع في سورية، لأنه سيكون محكوماً باعتبارات المقايضة، لا المقاومة، ومؤسساً على قيمة المبلغ، وليس جوهر المبدأ.
 
إن عاصمة تعتبر الروسي القاتل فلاديمير بوتين بطلاً، والشيشاني المجاهد المناضل شامل باساييف إرهابياً ومجرماً، لا يمكن أن يرجى منها خير في معركةٍ من أجل العروبة والإسلام والإنسانية في سورية. ولا بأس من تكرار ما قلته منذ شهور بعيدة: إن السيسي والحوثي والأسد وحفتر رفقاء مشروع واحد، حتى وإن اختلفت روافد الدعم الإقليمية. وبالتالي، تبدو المنطقة كلها وكأنها متجهة إلى جحيم مستعر، سيكتوي به أولئك الذين أطلقوا العنان لأدوات المشروع المعادي لثورات الربيع العربي.