بقلم : د.أحمد نصار

 لم يمض يومان فقط على نشرنا مقال "إستراتيجية التوتر.. وسيلة الغرب في الامتداد والعسكر في الاستبداد"، حتى حدث ما توقعناه؛ تفجير في قلب القاهرة استبق تظاهرات الـ30 من يونيو؛ استهدف النائب العام الذي عينه السيسي عقب الانقلاب.


تحدثنا عن استخدام الإستراتيجية تاريخيًا في إيطاليا والجزائر والخليج، لكننا لم نتطرق لاستخدامها في مصر، وهي التي عرفت طريقها إلى المصريين من قبل الاحتلال الإنجليزي في حريق القاهرة، ومن العسكر عقب انقلاب يوليو في حادثة المنشية الشهيرة، التي اتخذت ذريعة لإلغاء الحياة السياسية، وكذلك الانفجارات الستة التي حدثت في الجامعة وجروبي والسكة الحديد؛ لإرهاب الناس وإثنائهم عن الديمقراطية.

يقول الرئيس محمد نجيب، في مذكراته التي صدرت تحت عنوان «كنت رئيسًا لمصر»:

«وقعت ستة انفجارات في ذلك اليوم، لكن في أماكن متفرقة، منها السكة الحديد والجامعة وجروبي، ولم يقبض على الفاعل، وقد عرفت بعد سنوات أن هذه الانفجارات كانت بتدبير من جمال عبدالناصر، كما اعترف البغدادي في مذكراته؛ وذلك لإثبات أن الأمن غير مستقر ولا بد من العودة بالبلاد إلى الحالة غير العادية».

ويكمل الرئيس نجيب قائلًا: «وأنا في الحقيقة شممت هذه الرائحة القذرة في اجتماع اليوم التالي؛ فقد تعالت الصيحات التي تطالب بالضرب على أيدي المخربين، وقلت لهم صراحة أقرب للاتهام: لا يوجد صاحب مصلحة في التخريب إلا هؤلاء الذين يبتغون تعطيل مسار الشعب إلى الديمقراطية».

وذكر خالد محيي الدين، أن عبدالناصر قال له بالحرف الواحد: هذا الإضراب (إضراب العمال مارس 1954) كلفني أربعة آلاف جنيه وهي تساوي أثناء كتابة هذه المذكرات 400.000 جنيه وبسعر اليوم ما يقرب من 4 ملايين جنيه.

***

هناك نصائح إسرائيلية قدمت للسيسي بسرعة التخلص من الرئيس مرسي وقيادات الإخوان لعدة أسباب؛ أهمها أن هناك تحركات دولية تتم الآن لوقف أحكام الإعدام، مع العلم بحساسية هذه المسألة لدى الرأي العام العالمي، كما أن الفرصة مواتية من وجهة نظرهم لاختزال قضية الشرعية في الرئيس مرسي، وإجبار الإخوان على القبول بتسوية على أساس الوضع القائم الجديد.

لقد بات مؤكدًا أن قيادات الإخوان صاروا غير قادرين -فضلًا عن أنهم غير راغبين أصلًا- على القبول بتسوية على أساس الوضع الجديد؛ فالثورة الآن في الشارع تقودها القواعد، وأي قيادي سيقدم أي تنازل سيتم إقصاؤه وإحراقه سياسيًا وإعلاميًا.

وعليه، فإن التخلص من قيادات الإخوان الحاليين وعلى رأسهم الرئيس مرسي، يشبه إلى حد كبير التخلص من عبدالناصر بعد أن أيقن الغرب أن آخر ما يمكن أن يعطيهم إياه هو القبول بمبادرة روجرز لوقف إطلاق النار، وليس القبول بالسلام وفق الشروط الإسرائيلية، فتمت الإطاحة به وأتى السادات الذي أعطاهم ما يريدون في كامب ديفيد!

تعليمات عباس كامل اليوم لجميع القنوات الفضائية بالامتناع عن عرض أية مسلسلات -رغم الأثمان الباهظة التي اشترت بها هذه الفضائيات تلك المسلسلات- ليس نابعًا عن رغبة في الاحتفاء بالنائب العام وتعظيمه وإعطائه قدره والحداد عليه، بقدر ما هو رغبة حثيثة في إعطاء الناس جرعة الشحن والحقد المطلوبة لتمهيد الطريق للقرارات القادمة التي يحاول بها السيسي القفز إلى الأمام وعلى رأسها أحكام الإعدام المتوقعة.

كما أن الهاشتاج الذي تم تدشينه عقب ساعات فقط من الحادثة؛ والمطالب بإعدام الإخوان في السجون، ليس محض صدفة كذلك، فأيادي عباس كامل تلعب في جميع الاتجاهات.

***

لكن الشيء الوحيد الذي قد يوقف عمليات الإعدام، هو النتائج المترتبة على هكذا أحكام؛ فداخليًا في جماعة الإخوان المسلمين سيتم حسم الصراع القائم الآن داخل الجماعة لصالح تيار الشباب الأكثر راديكالية، كما أن سقف المطالب سيرتفع كثيرًا، وستتعدى الرغبة في القصاص حدود الدولة ليشمل القصاص كل الدول المساندة للسيسي والداعمة له، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

فالكل يعلم أن قرارًا كقرار إعدام مرسي بيد أميركا وحدها، وأميركا تعلم أن السيسي إذا فعلها سيقطع بذلك الطريق عليها لأية محاولة لإمساك العصا من المنتصف لاحقًا، وهو ما تعودت الولايات المتحدة أن تفعله مع تغيير الإدارات في كل انتخابات رئاسية هناك.


هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه