بقلم: د. عز الدين الكومي

الوقع يشهد أننا على أعتاب ثورة جديدة ليست كثورة يناير، ولكنها ثورة تقتلع جذور حكم العسكر والدولة العميقة وجذور الفساد، ثورة على نظام وليس على رئيس لعزله أو محاكمته فهي ستكون ثورة عارمة تعمل على استرداد مقدرات الشعب والإطاحة بكل رموز الفساد.

فما نراه اليوم من صور التعذيب والبلطجة والقمع الذي تمارسه السلطة الانقلابية أعاد للإذهان مقتل خالد سعيد، وسيد بلال، وتفجير كنيسة القديسين، وغيرها، من أحداث كانت سببا في اندلاع ثورة يناير حتي أن الإعلام الرسمي الانقلابي وفضائيات رجال مبارك وإعلام فاهيتة، بدأ يوجه انتقادات لاذعة لسلطة الانقلاب والتي جعلت -ودن من طين وودن من عجين- كما حدث في السابق.

حيث زادت وتيرة الإنتقادات للنظام الانقلابي، مما جعله يضيق ذرعا بالصحفيين والإعلاميين الذين انتقدوه فأحال بعضهم للقضاء العسكري.

صحفيون من جريدة "المصري اليوم" تعرضوا لمضايقات إثر تقرير نشرته الصحيفة الانقلابية تحت عنوان -ثقوب في البدلة الميري- والذي كشفت فيه الكثير من تجاوزات بلطجية وعصابات الداخلية في أقسام الشرطة وأماكن الإحتجاز من تعذيب بحق المعتقلين والمحتجزين.

حيث قال الكاتب إن: الملف جرس إنذار للداخلية كي لا تعود إلى  ممارسات ماقبل ثورة 25 يناير، وقال إن الداخلية تعلق فشلها على شماعة الإعلام بدلاً من مواجهة سلبياتها وأخطائها، واختارت الطريق الأسهل بمهاجمة الإعلام وتحديدا جريدة «المصري اليوم» ولم يبق أمامها سوي مهاجمة الشعب نفسه.

وأدانت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، ممارسات السلطات الأمنية ضد الصحافة المصرية في الفترة الأخيرة، وأعربت -في بيان لها- عن قلقها البالغ إزاء الممارسات الشرطية المتكررة التي تمثل انتهاكاً للحقوق والحريات.

وقالت: أصبح التعرض للشرطي بالنقد مخالفة تستحق العقوبات وتكال من أجلها الإتهامات، وانتقدت التنسيقية الحقوقية المستقلة إحالة رئيس تحرير جريدة المصري اليوم، وعدد من صحفييها للتحقيق بسبب ملف -ثقوب في البدلة الميري-.

وحذرت التنسيقية من تصاعد الاعتداءات التي تمارسها وزارة الداخلية في حق الصحفيين والصحافة، مؤكدة أن حرية الرأي والتعبير مصونة، وحق مقرر في كافة الدساتير والأعراف القانونية الدولية والمحلية.

وقد كان أحد المنتقدين-الانقلابي الواد يوسف الحسينى- والذي قال مخاطبا قائد الانقلاب بأنه يرتكب نفس الأخطاء التي كانت سببا في معارضة الرئيس محمد مرسي، وأضاف الجميع كان يحمل مرسي مسؤولية أي إخفاق أو فشل لماذا لا نعامل السيسي بالمثل؟.

وما دام النظام رئاسياً وليس برلمانياً، فالسيسي يتحمل كل إخفاق وفشل نراه سواء كان أمنيا أو اقتصاديا أو سياسيا.

أما الانقلابي الجهول توفيق عكاشة، فقد قال: الدولة فاشلة من رأسها لأسفلها بكل ما فيها، وأضاف: إن من دمر الدولة وأجهزتها يعيد تدميرها من جديد وهذه الدولة لا تعرف حدوداً أخلاقية ولا فرق فيها بين خسيس وأصيل أو فدائي وعميل.

وحتي جريدة الأهرام القاهرية الانقلابية، كتبت في مقال لها بعنوان "من لم يمت بالتعذيب مات بالاختناق" جاء فيه:

وباتت الحياة أمامنا أضيق من ثقب الأبرة، وأضحي الإنسان من أرخص وأبخس المخلوقات وخاصة داخل أقسام الشرطة، فمن لم يمت بداخلها بالقهر والتعذيب يمت بالاختناق أو بمرض معد.

في الأيام الماضية شنت النيابة العامة حملة مكبرة على جميع أقسام الشرطة في محافظتي القاهرة والجيزة، وشاهد أعضاء النيابة العامة ما لا يصدقه عقل وما لم تره عين من قبل، حيث تحولت غرف الحجز داخل أقسام الشرطة إلى مقالب للقمامة ومصارف للصرف الصحي، ومرتع لجميع الحشرات الزاحفة التي تتزاحم وتتسابق وتلهو على أجساد عباد الله من المتهمين الذين أوقعهم حظهم العثر وقدرهم المشئوم في براثن الجريمة.

وبسبب هول ما رأوه داخل أقسام الشرطة، أعلنوا التوبة وأقسموا على عدم العودة للجريمة بعد أن أدركوا أن الموت يحوم حولهم كل دقيقة ألف مرة.

ودون أعضاء النيابة العامة ملاحظاتهم عن الحياة غير الآدمية أو حتي غير الحيوانية داخل حجز أقسام الشرطة، وتم رفعها إلى  السيد المستشار هشام بركات النائب العام، وحصل العديد من أقسام الشرطة على شهادة الأيزو في الازدحام والقذارة وسوء التهوية، وكان على رأس القمة قسم شرطة مصر القديمة المرشح لنيل جائزة نوبل في الإهمال واللامبالاة والتلاعب بأرواح البشر، حتي لو كانوا متهمين.

المشهد أقسي من أن يوصف ووقع المنظر غير الإنساني على أعضاء النيابة العامة كالصاعقة، لأن كل متهم نصيبه من الأرض شبر واحد يقف عليه بقدم واحدة، ويكون نصيبه الموت خنقا إذا راوده حلم الجلوس على الأرض، وجاء على نصيب زميله وحصل على شبر أكثر من حقه.

هؤلاء المتهمون ينامون وهم وقوف على قدم واحدة، وإذا اتفقوا على النوم على البلاط مثل باقي عباد الله، فيكون ذلك من خلال ورديات كل مجموعة تنام ساعة واحدة على أن تتكدس المجموعات الأخري داخل بقعة من الغرفة حتي ينالهم الحظ السعيد، ويأتي عليهم الدور ويستلقون على الأرض ولو نصف ساعة. 

إلا أن القدر كان أرحم بهؤلاء الذين يتحشرون داخل غرف الحجز حيث لفظ متهمان أنفاسهما خلال ثلاثة أيام داخل حجز قسم الشرطة، بسبب إصابتهما بهبوط حاد في الدورة الدموية نتيجة للاختناق بسبب التكدس والزحام الشديد داخل القسم.

وانتقل تامر العربي -رئيس نيابة مصر القديمة- إلى قسم الشرطة وأمر بتشريح جثتي المتوفيين لبيان سبب الوفاة وجاءت نتيجة التشريح هو الموت بسبب سوء التهوية والتكدس.

على أن حالة الانهيار وتردي الأوضاع وتوجيه الانتقادات وإلى باتت سمة في الإعلام الانقلابي في الآونة الآخيرة، أمتدت لتشمل حتي القضاء الشامخ، فها هو المستشار فؤاد راشد -رئيس محكمة استئناف القاهرة- بل وواحد ممن وقعوا على استمارات تمرد وتم تصويره أنذاك وهو يوقع على الاستمارة زهوا من جانب تمرد بأن رئيس المحكمة الكبري يرغب أيضا في عزل الرئيس مرسي، ها هو يكتب على صفحته مرارا كلمات كالنار لتحرق الظلم المستشري في البلد.
 
وقال صراحة إنه يعترض على عسكرة القضاء، وقال إنه يختلف مع الإخوان لأبعد مدي، لكنه يرفض النيل من أعراضهم، وقال: الإخوان مصريون لهم حرمة الدم وأضاف أن الدولة هي الإرهاب.