بقلم: المستشار عماد أبو هاشم 

القضاء ولاية لا وظيفة، وقد كان الأكْفاء -قديمًا- يُجلدون حتى الموت كي يتقلدوا ولايته، فلا يأتين من يبرر صمته عن الجهر بالحق ليقول إنه سكت خوفًا أن يُطاح به من على منصة القضاء أو حرصًا على حياةٍ يريد أن يعيشها كالجبناء أو خوفًا على رزقٍ يجهل أنه مكتوبٌ في السماء، أما القضاة الذين جهروا بالحق وقت اليسر ثم اختبأوا خوفًا وجزعًا حين العسر، فأولئك كالمرتدين إن كانوا صادقين، وكالمنافقين إن كانوا كاذبين، وهم في الحالين أظلم وأضل سبيلًا.
 
القضاة الخائفون المرتعشون المختبئون لا يصلحون للقضاء أبدًا، لأن الرجل العادي قد يكون جبانًا ولا يؤثر ذلك في شيء، أما القضاة إن كانوا جبناء ضيّعوا الحق إن كان اقتضاؤه عند حاكم أو سلطان، وفرطوا في الأمانة إن حُمل عليهم أو هُددوا بسوء، ذلك أن المُفترَض في القضاة أن يكونوا من أولى العزم والرأي والشجاعة، وإلا فما الفرق بينهم وبين باقي الناس؟ وما الجدوى من أن يرفعهم الوطن مكانًا عليًّا إن كانوا كغيرهم جبناء؟
 
القضاة الصامتون وأولئك الذين ارتدوا على أعقابهم من بعد شجاعةٍ أظهروها وقت اليسر وتخلوا عنها أو تخلت عنهم حين العسر جميعهم ملةٌ واحدة وفي سلةٍ واحدةٍ حيل بينهم وبين الحق، فكان لزامًا أن يُحال بينهم وبين ما يطمحون ويشتهون، "وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ (الآية 54 من سورة سبأ)، إن أشد ما يضحكني أن أولئك الخائفين ينتظرون -من مخابئهم- العودة إلى عروشهم على جثث البسطاء بعد أن يحرروا الوطن، ألا بعدًا لهم، ألا بعدًا لهم.
********
رئيس محكمة المنصورة الابتدائية - عضو المكتب التنفيذي لحركة قضاة من أجل مصر - عضو المجلس الثوري المصري.