نافذة مصر
من الظلم بمكان أن نحاسب السيسي بمناسبة مرور مائة يوم علي توليه الحكم، أو حتى ألف يوم!.
فقد تم حساب الرئيس محمد مرسي بالساعة، مضت ساعة ولم شيفعل شيئاً.. ساعتان.. ثلاث ساعات، يوم .. يومان.. مائة يوم.. وعند كل وحدة زمنية كان القرار: "لقد فشل الرئيس"!.

مرسي كان يتم حسابه وفق نظرية التربص، وأحسب أنني رغم كوني من معارضته لم اكن متربصاً به، ولهذا فقد كتبت مقالاً حاولت فيه أن أكون موضوعياً ما استطعت.. وحمل المقال عنوان: "نصف نجاح .. ونصف فشل.. ولو لم يكن له سوى اسقاط حكم العسكر لكفاه.

كان مرسي قد نجح في عزل المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع، ورئيس المجلس العسكري، ونائبه الفريق سامي عنان، فحقق بذلك مطلباً مهماً من مطالب ثورة يناير وهو الخاص بالدعوة لإسقاط حكم العسكر!.

الدكتور محمد مرسي كلف نفسه من أمرها رهقاً عندما وعد بإنجازات خلال المائة يوم الأولى من حكمه، لكن يحسب له أنه حاول أن يفي بما وعد، لكن "الثورة المضادة" عملت علي إفشاله باعترافها الآن. وإذا كان قد وعد بحل أزمة القمامة فقد شاهدنا تقاعساً من جامعيها في مهمتهم وعندما قام شباب الإخوان بتحمل عبء ذلك، شاهدنا سيارات بعضها تتبع جهات سيادية تلقي بالقمامة في الشوارع!.

واذا كان مرسي قد وعد بحل أزمة المرور فقد استمرت الشرطة في غيابها، وسط حديث عن أن رجال البوليس يعانون أزمة نفسية منذ هزيمتهم في ليلة 28 يناير وهروبهم.

ولا أعفي مرسي من المسئولية، فقد كانت أمامه فرصه تاريخية بددها عندما عزل أركان دولة مبارك: طنطاوي وعنان، وغيرهما، فسرى خوف في الأوصال كان ينبغي أن يستغله للضرب علي الحديد وهو ساخن، لاسيما وأنه يواجه قوماً يصدق فيهم المثل المصري: " يخافون ولا يختشون"!.

بيد أنه بدد هذا الانجاز المهم، على نحو مكن من ترويج دعاية مضادة، بأن كلاً من طنطاوي وعنان، قد استقالا بإرادتهما الحرة، لأنهما رفضا العمل مع الرئيس!.

مرسي عندما تمت محاسبته، كان الحساب يتم علي برنامجه وعلي انحيازه، فهو يملك برنامجاً حقيقياً، وليس كما روج إعلام الثورة المضادة بأنه "الفنكوش"، تشويهاً، وتحقيراً، وافتراء.

ومرسي ينحاز لثورة لها أهداف ومطالب، وكان من الطبيعي أن نسأل عن مدى التزامه بأهدافها، وأين نجح وأين أخفق في تحقيق مطالبها!.

ونحن بالتالي نظلم السيسي عندما نريد أن نحاسبه، ولم يعدنا بشيء، وما وعدنا به هو "المرار الطافح"..

لقد قال أنه عذاب ومعاناة. وهو هنا يعمل من أجل تحقيق وعده فرأي الشعب في عهده العذاب أشكالاً وألواناً.

والسيسي قال إن هناك جيلين سيتم القضاء عليهما لينعم بالسعادة الجيل الثالث والأجيال القادمة.. والمعنى أن الحساب يبدأ بعد عشرين سنة.

وهو كان واضحاً من البداية بأنه لا يملك إلا أفكاراً هلامية تمثل دليلاً حياً على أن العاقل الرشيد من لا ينتظر منه شيئاً.

لقد وعد بحل أزمة رغيف الخبز بأن يقوم المواطن بمساعدته بقسمة الرغيف أربعة، وكلما جاع أكل "ربع رغيف" بالهناء والشفاء.

ووعد بحل أزمة الكهرباء باللمبات الموفرة. وقيل أن صاحب مصنع لإنتاج اللمبات الموفرة كان عضواً في حملته الانتخابية.

ووعد بحل مشكلة البطالة بألف سيارة لبيع الخضار "قطاعي" بعد شرائه بالجملة من سوق العبور تحديداً.

ووعد بمواجهة الفيروسات التي تنهش أكباد المصريين بعلاج "الكفتة" الشهير!.

ومن ينتظر من رجل فقير الخيال بهذا الشكل شيئاً فإنه ينطبق عليه المثل المصري الشهير: "ياما جاب الغراب لأمه"!.

والسيسي لم يقدم برنامجاً ليتم حسابه عليه، وكان أول مرشح منذ أن عرفت البشرية الانتخابات، الذي لم يقدم برنامجاً، فلم يكن في نيته إلا أن يكون عذاباً ومعاناة!.

مرسي كان خيار الثورة، وكان طبيعياً أن نحاسبه على أهدافها ومطالبها، والسيسي ينتمي للثورة المضادة، ولهذا فلم يذكر أحد حتى من أنصاره الذين ينتمون ليناير اخفاقه في تحقيق هذه المطالب، بل لا يتم استدعاء هذا المطالب الآن لحمله على تحقيقها.

فلا حديث عن مطالب ثورة يناير.. ولا حديث عن حقوق الشهداء والمصابين.. ولا حديث عن الأموال المنهوبة والمهربة للخارج والعمل على استردادها.

وهناك من يرهقون أنفسهم وهم يتحدثون عن انجازات الرجل، وهو من اعترف في خطابه الأخير بأنه فاشل، وهو الخطاب الذي ألقاه بعد "الخميس المظلم" عندما انهارت شبكة الكهرباء.. فقد أشار في خطابه بأنه لم يعدنا بحل المشكلة، وأخبرنا بأن مشكلات جمة ستواجه الشعب في مجال الخدمات، وأنه لا يملك حلولاً لها إلا بقيام الشعب بالتمويل والانتظار خمس سنوات والتحلي بالصبر!.

ومع أنه لم يعد بشئ، إلا أن هناك من لا يزالون يعتقدون أنه يوجد أمل، وأنه قد يفاجئهم بحل المشكلات، والتأكيد لهم على أنه الافضل من الرئيس محمد مرسي!.

لا بأس انتظروا.. لكن كونوا علي ثقة من أنكم كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه، وما هو ببالغه.. " فيا ما جاب الغراب لأمه".