محمد عبد الرحمن صادق:


جاء في لامية الطغرائي :
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها ............. فهل سمعت بظل غير منتقل
قد هيئوك لأمر لو فطنت له ............... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل         
 - إن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي لديه القدرة على التفكير والتطوير وحل المشكلات وكذلك لديه القدرة على توظيف ما حباه الله تعالى به ليتمكن من توفير الإمكانيات التي تكفل له الحياة الآمنة والبقاء . وبقدر استطاعة الفرد على ذلك بقدر القيمة والمكانة التي يوفرها لنفسه ويفرضها على الآخرين . فمكانة الإنسان في مجتمعة تتوقف على قدرته على التفكير الناضج والإبداع المستمر والتوظيف الأمثل والتغيير للأفضل . ومن هنا إما أن يكون صاحب سيادة ونفوذ وإما أن يكون واحداً ضمن قطاع كبير ينتظر من يوجهه ويوظف إمكانياته ويعطيه الأوامر ويفرض عليه السيادة ويسلبه إرادته وهو ما خُلق لذلك . وشأن الأفراد في ذلك شأن المجتمعات والجماعات والأحزاب والدول . فمن يُحسِن التفكير والقدرة على التطوير ويبدع في توظيف الإمكانيات ويتولى القيادة بمهارة واقتدار يُشكل الرقم الصعب في المعادلة وحجر الزاوية الذي لا يتم الحل والعقد إلا في وجوده وبعد رأيه ومشورته . والرقم الصعب هذا إنما يظهر بعد اختيار واختبار وتنقية وتمحيص واصطفاء . وقيمة أي تجمع بشري إنما تقاس بعدد ما يمتلكه هذا التجمع البشري ممن لديهم صفات الرقم الصعب الذي أشرنا إليه . قال تعالى : " إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ {33} ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {34} " ( آل عمران 33 – 34 ) .                                   
- وعن واثلة بن الأصقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم " .
- فالرقم الصعب في البشرية هم الأنبياء الذين اصطفاهم الله تعالى وزكاهم وعصمهم من الزلل والعصيان .                                                                                                    
- والرقم الصعب بين الأنبياء هم ألو العزم من الرسل الذين بالغوا في الصبر وما بدلوا تبديلاً .        - والرقم الصعب بين أولي العزم من الرسل هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان رقماً صعباً في الأرض حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماماً ليلة أسري به ، ورقماً صعباً في السماء حيث تقدم هو وتأخر جبريل عليه السلام .                                                        
- والرقم الصعب بعد الأنبياء والمرسلين هم تابعيهم من حواريين وصحابه رضوان الله عليهم أجمعين فمناقبهم ومحاسنهم أكثر من أن تعد أو تحصى في كل المجالات وعلى كل الميادين .
- والرقم الصعب بين الصحابة هم العشرة المبشرون بالجنة .
-  والرقم الصعب بين العشرة المبشرون بالجنة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
- وهكذا تتوالى الأرقام الصعبة من خيار كل فئة ومن خيار كل زمان ومكان إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها .                                                                                         
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الناس كإبل مائة ، لا تكاد تجد فيها راحلة " ( رواه البخاري ) ( راحلة من الإبل : ما منها يصلح للأسفار والأحمال - ذكرًا كان أو أنثى - والجمع رواحل ) .
- يروى أنه عندما حاصر القائد الفذ المغوار خالد بن الوليد رضي الله عنه الحِيرة ، فطلب من أبي بكر الصديق رضي الله عنه  مَدداً ، فأمده برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال : لا يُهزم جيش فيه مثله ، وكان يقول : لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل ! .
- ولما طلب عمرو بن العاص رضي الله عنه المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتح مصر كتب إليه : أما بعد : " فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل " وأرسل له : ( الزبير بن العوام ، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت ، ومسلمة بن مخلد ) رضي الله عنهم أجمعين .
- والرقم الصعب ليس قاصراً على الرجال دون النساء بل هناك من النساء من تُعتبرن أرقاماً صعبة وقامات وقدوات لمثيلتهن إلى يوم القيامة . عن ابن عباس رضي الله عنه قال : " خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة أخطط ، ثم قال : تدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم ابنة عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " ( رواه أحمد ) .
- وهناك من الأطفال أيضاً من اعتبروا أرقاماً صعبة يُقتدى بها كذلك . هل أتاك نبأ معاذ ومعوذ ابني عفراء وقد شاركا في غزوة بدر وهما فوق سن العاشرة بقليل وكان هدفهما هدفاً سامياً وطَموحاً ألا وهو قتل فرعون هذه الأمة ( عمرو بن هشام ) وقد شرفهما الله بذلك حين شدا عليه فضرباه ضربة رجل واحد حتى خر صريعاً . وهل أتاك نبأ  الزبير بن العوام حين كان صبياً يلعب مع مجموعة من الصبيان وعندما رأوا الفاروق عمر مُقبلاً عليهم هرولوا وبقي الزبير في مكانه فسأله عمر : " لِمَا لم تعدُ مع أصحابك : " فقال : " يا أمير المؤمنين لم أقترف ذنباً فأخافك ، ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك " ! . وهل أتاك نبأ هذا الغلام الذي دخل على أحد خلفاء بني أمية يتحدث باسم قومه ، فقال له الخليفة : ليتقدم من هو أسنّ منك ، فقال الغلام : يا أمير المؤمنين ، لو كان التقدم بالسنّ لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة . لقد شكل هؤلاء الأطفال أرقاماً صعبة في تاريخ أمتنا قلما يجود الزمان بأمثالهم إلى يوم القيامة .                                                                    
- إن الأمثلة كثيرة ومن سار على الدرب وصل ومن اقتفى أثر الأنبياء والصحابة والتابعين وتابعيهم لن يضل أبداً ، فهؤلاء  الأئمة والعلماء والقادة والفاتحين والمجددين في كل العصور وفي كل المجالات ما وصلنا عنهم سوى الصلاح والتقوى والخوف والورع فهل ستعلنها صريحة عالية مُدوية دون خوف أو تردد : " أنا لها " وسأكون رقماً جديداً وامتداداً لهذه السلسلة الطويلة من الأرقام الصعبة ؟                                                                                                     
- هل ستتوجه إلى الله تعالى بقلب خاشع وعزيمة صادقة أن يوفقك لذلك ؟                        
- هل ستتوجه إلى النفس فتهذبها وتستكمل فضائلها ليليق بها أن تكون حلقة قوية في هذه السلسلة ؟     
- هل ستقرأ عن من شكلوا أرقاماً صعبة في كل العصور وكل المجالات لتستقي من مَعِينهم ؟
- هل ستنفض عن نفسك غبار التراخي والسلبية واللامبالاة والتسويف لتستحق هذه المنزلة ؟
- هل ستبتعد عن العوائق الدنيوية وتتخفف منها لكي لا يجذبك طين الأرض عن نور السماء ؟
- هل ستتجنب أصحاب الهوى وأصحاب الهمم الدونية والمثبطين لتلحق بالركب ؟
- هل ستفطن إلى ما يُحاك بك من أعداء الأمة وأعداء النجاح لكي تُعرض عن هذا الهدف النبيل ؟
- هل ستخالط أصحاب الهمم العالية لترفرفوا سوياً في قمة هذه الأرقام الصعبة ؟
 - هل ستحرص على مصاحبة من تعول ومن تقوم على تربيتهم ليلحقوا معك بهذا القطار ؟
- هل سنحافظ على ما نمتلك من أرقام صعبة وذلك لكونهم غرضاً لسهام عدونا فنفتديها بالأرواح ؟
- هل سنعكف على مناهجنا التربوية فنعيد صياغتها لتخرج لنا أرقاماً صعبة جديدة تجدد للأمة شبابها وترمم ما بليَ من مجدها وما طمس من معالمها وتعيد لها كرامتها وعزها ؟
* إن التبعة كبيرة والمسئولية عظيمة والدور المنوط بنا والمنتظر منا تنوء منه الجبال ولا يطيقه إلا أصحاب النفوس الراقية والهمم العالية . وكما علمونا أن " مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة " فاعقد العزم وأحسن الظن بالله تعالى و ( قلها ولا تخف ) وأعلنها صريحة ( أنا من اليوم مشروعاً جديداً لرقم صعب يغير الحسابات ويقلب الموازين ) فبالنية الصادقة والهمة العالية وحسن الظن بالله تعالى والثقة بالنفس سترتقي وستكون يوماً ما رقماً صعباً يُشار إليه بالبنان ، وهب أنك لم ترتقي وكنت صفراً فستكون حينها صفراً ذا قيمة وليس كباقي الأصفار التي لا تؤثر إلا بالسلب وحينها أيضاً ستكون رقماً صعباً ذا قيمة فمن لا يضف للحياة فهو عِبأ عليها وباطن الأرض خير له من ظهرها .                                                
* أسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا إليه أخذا جميلاً وأن يردنا إليه رداً جميلاً وأن يعيننا على أنفسنا ويطوعها لنا فتكون نفساً مُطمئنة بذكره في الدنيا راضية مرضية في مستقر رحمته يوم أن نلقاه .