د. أحمد عبدالقادر :

أخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري عن َََِّأَنَسٌ : أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرُوا المَدِينَةَ ، فَقَالَ : أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ

ما وراء النص :

1- تحول بني سلمة من ديارهم دليل خيرية جماعية لم يختص بها فرد بل أمة بأسرها بطنُ وقومٌ يتحولون عن بكرة أبيهم لأن الغاية أتحدت والشوق ترسخ والمخافة من عدم إدراك الخير وتتبعه متيقن والمسارعة في الخيرات هدف وتربية بين الصحب حول رسول الله.

2ـ الصلاة وسط الأحباب عندما تصل إلى درجة اللذة لا يزاحم عليها ولو تستبدل ببيت أو قرية أو أرض أو سماء كلٌ يهون في سبيل لذتها المنشودة وثمرتها المحسوسة ومالآتها التي لا تعد ولا تحصى.

3- لا يمنع حب الصلاة حب إمام الصلاة وكيف لا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فالغاية متعددة والقرب بحمل الفوائد تترى فليس الهدف في التنقل الصلاة وحدها ولا حميمية المسجد وراحته ، ولا رؤية الأصحاب ومجالستهم ، ولا معرفة الأخبار والآيات فور النزول والوقوع والرواية ، ولا بسق عمل عند وقوع الإدراك والعلم ، وإنما قرب الحبيب ، اشتياق ـ محبة ـ إيثار ـ قرب ـ استشعار ـ عهد ـ خوف ـ خشوع تعلم تفقد ـ دعوة دعاء ـ نوال .... الخ.

4ـ لا يصل الناس إلى تلك الدرجة من المجبة للرسول وللصحابة إلا لعلاقة صافية ، ولذة متغيرة ، وأجواء عطرة ـ ونسائم مباركة ـ وأخوة صادقة ـ فعند البعد عن ذلك تستوحش الأوطان وتترك الديار طوعا وكرها ، وتنسى الدنيا لان مجالس الاخرة في مكان آخر.
 
5ـ في الحديث دلالة عظيمة على انتفاء لغة الأعذار بين الصحابة فلا مكان لها في حياتهم ولا يصرفهم عن الأعمال شواغل أو أثقال فسيرهم على الأقدام غدوة وروحة  خمس مرات دون كلل أو ملل أو نفرة أو انشغال أو بحث عن رخصة أو غير ذلك لنعرف الى أي حد وصل التباين بين الأجيال  "راجع نفسك أيها المغترب".

6ـ كره النبي صلى الله عليه وسلم فعلهم ونيتهم: "لإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" فإذا وافقهم لضاقت الأرض حول المسجد وليس هذا من مقصود الشرع ولا تطبيقا لفقه العمران في حياتنا وعلى أرضنا فتضيق الأرض ويكثر الخراب فبدلا من الانتقال الى المسجد فانقل المسجد إليك.

7ـ "يعروا" لفظ رائع ومهم فالأوطان تتعرى كما يتعرى الجسد وتعرية الأوطان بالهجرة عنها بدون ضروة أو عوز أو حاجة فكما أن ستر العورة أصل في ديينا وواجب في شريعتنا وعلامة على سلامة فطرتنا فكذلك ستر الوطن من تلك الآحوال.

8ـ قاتل الله قوما حملوا أهلهم على ترك أوطانهم وحولت العمران الى خراب، وتخلت وأخلت لباسها الحقيقي وعزتها فكشف سؤاتها ، بل وضيعت نساجوا تلم البلاد من نسج ثوبها وخيط حضارتها.

في الحديث فوائد :

1ـ ليس كل غاية محمودة مقدمة إذا خلفت من ورائها ثوابت ضيعت
2ـ فقه الأولى والواقع أصل ومنهج
3ـ نبه دائما على الإيجابية المنسية والعظيمة المغفولة لتثبت الأقدام وتنال الأجر
4ـ استنهاض الهمم منهج نبوي والموعد الجنة
5ـ ليس الجميع متساو في الأجر وعلى القائد ان يؤكد دوما على ذلك .
6- إحياء فقه الاحتساب وإدخار الأجر