تجربة "تعويم" العملة بناء على نصائح صندوق النقد الدولي نموذج أثبت فشله في عدة دول، منها الأرجنتين ونيجيريا، والآن في مصر.

وسعت دراسات عديدة للمقارنة بين تجربة الأرجنتين ونيجيريا ومصر؛ لتوضيح إلى أين يصِل قطار التعويم واتباع نصائح الصندوق، في ظل تشابه السياسات المُستخدَمة والنتائج بدرجة أو بأخرى.

المقارنة الأكبر كانت بين التجربة المصرية والنيجيرية، من زاوية وجود دعم دولي أكبر للتجربة المصرية رغم ضعف مواردها على عكس نفط نيجيريا الذي يدعمها، واتباع مصر نصائح الصندوق حتى انهَارَ الجنيه وتَفَشَّى الغلاء، بعكس نيجيريا التي لا يزال بنكها المركزي يتدخَّل لمنع انهيار العُملة.

أما المقارنة بين التجربة المصرية والأرجنتينية فجاءت من زاوية أن مصر والأرجنتين تسلُكَان مسارات اقتصادية متشابهة، وتصنيفهما الائتماني متماثل، ولكن الأرجنتين لديها عجزٌ أقل بالميزانية العامة مقارنة بمصر.

وتتمتع مصر بميزة نسبية عن الأرجنتين؛ هي امتلاكها دعم كبير على المستوى الدولي، يأتي في مقدمته نجاحها في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، وانتظامها في سداد ديونها الخارجية على مدار الثلاثين عاماً الماضية، عكس الأرجنتين التي أعلنت من قبل عجزها عن سَدَاد ديونها.

تحذيرات مسبقة لمصر

صحيفة "كوارتز أفريقيا"، نشرت تقريراً بعنوان: "دراسة حالة على نيجيريا حول.. أسباب تمنعك من تعويم عملتك"، يشرح مأساة انهيار عملة نيجيريا بعد قبولها نصائح صندوق النقد الدولي بتعويمها، واعتبرته درساً لمصر والدول التي تقبل نصائح الصندوق.

كما نشَر مجلس العلاقات الخارجية تقريراً بعنوان: "أزمة العملة في الأسواق الناشئة" يشرح بوضوح أكبر مخاطر تعويم العملة في أي دولة خاصة الأسواق الناشئة، وأثَر ذلك على انهيار هذه الأسواق (الدول) الناشئة.

وروَى التقريران قصةَ نيجيريا الكارثية مع تخفيض قيمة العملة واعتبراها "رسالةً تحذيريةً" لمصر وكل دولة تقبل بنصائح صندوق النقد الدولي.

وعقب توقيعها اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي لتعويم عملتها في يونيو 2016؛ للحصول على قرض يرفع احتياطيها من الدولار بعد تراجع أسعار النفط انتقل سعر الدولار الذي كان بـ 200 "نايره" - عملة نيجيريا -في فبراير 2016، إلى 306 نايره، في البنك المركزي، وفي السوق السوداء 473 نايره.

بين نيجيريا ومصر

ويتَّفق الموقفُ النيجيري مع مصر في تأخرهما في تعويم العملة حتى تفاقم الوضع الاقتصادي ولم يعد يُجدي معه تعويم، ففي أبريل الماضي قال وزير المالية النيجيري: إن بلاده ترفض الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي، وأرجع ذلك إلى أن نيجيريا ليست مريضةً، وحتى إذا ما كانت كذلك، فلدينا علاجٌ محليٌّ خاص بنا.

وهو نفس موقف مصر التي توصلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي في عام 2011، وفي نفس العام رفضت الاستمرار في المفاوضات، وقالت: "إننا لسنا بحاجة إليه".

وبعد عام توصلت إلى اتفاق آخر على مستوى الخبراء في 2012، وجرَى تأجيله بسبب المعارضة السياسية وتجنُّب اتخاذ خطوات تُلغي الدعم، وفي الفترة من يوليو حتى أكتوبر 2013، ظلَّ مسئولون في مصر يقولون أيضا: إننا لسنا بحاجة إلى قرض صندوق النقد الدولي خاصة بعد وصول المساعدات الخليجية الوفيرة.

ولكن بعد تدهور الأحوال، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي أصبح لا مفرَّ من قرض الصندوق والخضوع لشروطه بعد أن أصبحت الأوضاع أسوأ بكثير، بينما يقول خبراء: إن اتباع نصائح الصندوق لم ينفع نيجيريا.

ودفعت الأزمةُ الاقتصادية الطاحنة التي مرَّت بها نيجيريا البنكَ المركزي النيجيري للإعلان عن تخلّيه عن سياسة سعر الصرف الثابت وتعويم العملة المحلية ابتداءً من 20 يونيو الماضي؛ ما جعل سعر العملة في السوق السوداء يقلّ بحوالي 50% عن السعر الرسمي، ثم بلغ إجمالي خفض العملة 40%.

الأمر نفسه حدَث في مصر حيث انهارت العُملة بنسبة 50%، وصعَدَت بفعل تدخلاتٍ سرية للبنك المركزي (إصدار تعليمات للبنوك بريط الدولار عند سعر معين بحسب مصدر في البنك المركزي)، قبل أن تنهار مرة أخرى وتستمر في حدود 50% مقارنة بالسعر المُعلَن قبل التعويم في نوفمبر الماضي.

ومع هذا فشلت سياسة البنك المركزي في نيجيريا في محاولته للحفاظ على قيمة الـ "نايرا" – عملة نيجيريا - في مواجهة الانخفاض الحَادّ في أسعار النفط، والذي يُمثّل حوالي 90% من عائدات التصدير في البلاد، فهل تنجح مصر وهي بلا عوائد نفطية أو سياحية أو استثمارات فعلية كما يعترف بها البنك المركزي؟.

لذلك يقول الخبراء: إن تخفيض الجنيه المصري لن يُساعد على نجاح سياسة البنك المركزي إلا في حالة إذا توفَّرت له سيولة دولارية أكثر، وهو أمرٌ مَشكُوكٌ فيه، فحتى حين وصل الاحتياطي النقدي إلى 26 ملياراً، جرَى كشف أن مصر مطالبة العام المقبل 2018 بسداد قرابة 13 مليار دولار، أي نصف الحصيلة النقدية!.

الأرجنتين

المقارنة بالأرجنتين أيضاً تُشير لتشابه في نقاط واختلاف في نقاط اخري، ولكن اقتصاد الأرجنتين نجَح في الوقوف والصمود بينما اقتصاد مصر لا يزال مُعرَّضاً لتراجعات؛ لعدم وجود سيولة ولا مشروعات أو استثمارات تُوفّر هذه السيولة، ولا يزال يستند للقروض.

وقد تناول تقريرٌ لبنك "بي إن بي باريبا" بعنوان "قصة دولتين" استراتيجيات الإصلاح الاقتصادي التي تتبعها كل من الأرجنتين وفنزويلا للخروج من أزمتهما الاقتصادية عقب تأثرهما الشديد بالتراجع الملحوظ في الأسعار العالمية للسلع الأساسية مؤخراً، وما أعقبه من حالة كساد، كنوعٍ من المُقارنة مع مصر.

وأشار التقرير إلى أن الأرجنتين وفنزويلا تتبعان "استراتيجيات لإدارة الاقتصاد الكُلّي مختلفة تماماً"، إذ نجحت الأرجنتين في تسوية ديونها الخارجية المتأخرة، فيما تقترب فنزويلا من الإعلان عن عجزها عن سداد ديونها، وهي حالة تكادُ تقترب منها مصر، ولكن لم يذكرها التقرير.

وقال يوسف بشاي - المسئول التنفيذي ببنك "بي إن بي باريبا" -: إن "مصر والأرجنتين تسلكان مسارات اقتصادية متشابهة، وتصنيفهما الائتماني متماثل، ولكن الأرجنتين لديها عجزٌ أقل بالميزانية العامة مقارنة بمصر".

ولفَت "بشاي" إلى أن مصر تتمتَّع بميزة نسبية عن الأرجنتين؛ وهي امتلاكها دعماً كبيراً على المستوى الدولي، يجيء في مقدمته نجاحها في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، إلى جانب انتظامها في سداد ديونها الخارجية؛ ما يُسهّل حصولها على تمويل من الأسواق العالمية.

أيضاً التضخم في الأرجنتين وصل إلى ذروته مسجلاً 46% على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2016 عقب تعويم عملتها المحلية الـ "بيزو"، بينما تراجعت بيانات التضخم (على أساس شهري) من 4% بالنصف الأول من عام 2016 إلى 1.3% بالنصف الثاني من نفس العام.

ولكن مصر شهدتْ تسجيل تضخم بلَغ نِسَباً أعلى، فعلى أساس سنوي قال البنك المركزي يناير الماضي: إن معدل التضخم الأساسي السنوي قفَز إلى 25.86%، ولكن على أساس شهري، أفاد الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء بأن معدل التضخم ارتفع إلى 19.4% في نوفمبر 2016، وأسعار الطعام وحدها زادت 42% بمعدلٍ أعلى منذ الأربعينيات!.

إقرأ أيضا : هل نحن مقبلون على ثورة جياع ؟! "الأرجنتين 2001 نموذجا"