خميس النقيب :

فرق شاسع بين الذكورة والرجولة ، وبون شاسع بين البطولة والفحولة ، إذ أن كل رجل ذكر وليس كل ذكر رجل ، كيف ؟ !!

عندما تحدث القران عن الذكورة قال تعالي " للذكر مثل حظ الانثيين " في مواضع دنيوية ، في الخلق او الارث او غيرها ..

اما كلمة رجل فقد ارتبطت - في كثير من المواقف - باخلاق سامية وقيم عالية .

ما هي صفات الرجال واين تربوا ؟

أول صفة من صفات الرجولة الطهارة ظاهرة وباطنة  كيف ؟ !!  "  لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ  " التوبة
أين مكان أولئك الرجال؟! هل في الأندية أو في الحفلات؟! هل في الأسواق او الحانات ؟! هل هم في المجتمعات الفارغة التي تُفْرِغ الرجولة من معانيها؟! كلا ثم كلا " فِيهِ رِجَالٌ "في هذا المسجد رجال.
"  رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا "  يأتون إلى المسجد على طهارة، والله يحب هؤلاء الرجال الذين من صفتهم الطهارة سواء  ظاهراً بالنظافة والنقاء والمحافظة على الوضوء ، أوباطنة من أدران المعاصي والحقد والحسد والبغضاء "  وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ "

ان هؤلاء يحبهم الله ورسوله ، لذلك كان اول عمل ينفذه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة بناء المسجد ، ومنه اتم بناء الدولة على اكتاف رجال اطهار ، كان المسجد غاية في البساطة ، سقفه من الجريد ، فرشه من الحصي ، اعمدته جزوع النخل ، اذا امطرت السماء اوحلت ارضه ، واذا هبت الريح اخذت سقفه ، واذ تفلتت القطك عبثت فيه ، ومع ذلك خرج ملائكة البشر ، ومؤدبي الطغاة ، وملوك الدارا لاخرة  كيف ؟

تخرج منه الصديق ابوبكر والفاروق عمر ، وباب مدينة العلم علي ، والحيي عثمان ، وبقية العشرة المبشرين بالجنة ، تخرج حبر الامة وامين الامة وسيف الله المسلول واسد الشهداء ..!!

تخرج منه  عقبة بن نافع الذي  خاطب وحوش الغابة قائلا لهم وهو يفتح شمال افريقيا  : " فارحلوا عنّا فإنّا نازلون ومن وجدناه بعد هذا قتلناه، فنظر الناس بعد ذلك إلى أمر مُعْجِب ، من أن السباع تخرج من الشَّعْراء ( أي من الشجر ) وهي تحمل أشبالها سمعاً وطاعة، والذئب جرْوَه، والحية تحمل أولادها. ونادى في الناس: كُفُّوا عنهم، حتى يرحلوا عنها، فخرج ما فيها من الوحش والسباع والهوامّ والناس ينظرون إليها، حتى أوجعهم حرُّ الشمس، فلمَّا لم يروا منها شيئاً، دخلوا، فأمرهم أن يقطعوا الشجر، فأقام أهل أفريقية ـ بالقيروان ـ بعد ذلك أربعين عاماً لا يرون بها حيَّة، ولا عقرباً، ولا سَبُعاً ....

وتخرج منه هارون الرشيد الذي  خاطب السحابة : امطري انا شئت فسيأتيني خراجك ..

تخرج رجال  يثبتون على المنهج الرباني "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ " الأحزاب

عاهدوا الله ثم صدقوا في الوعد، استمروا عليه، تشبثوا به، وساروا غير مضطربين ولا متحيرين، ولا تعيقهم العوائق، ولا تقف أمامهم الصعوبات تثقلهم الشهوات، ولاتشتتهم الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام.

ومات على هذا المنهج شهيداً عاملاً لمنهج الله عز وجل"فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ" الأحزاب

"وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"  ما بدلوا ولا غيروا ولا انحرفوا، بل هم مستقيمون ينتظرون أمر الله تعالى أن يتوفاهم وهم سائرون على هذا الدرب مستقيمون عليه، لا يلوُون على شيء إلا مرضاة ربهم عز وجل.

وليس هناك اثبت من محمد صلى الله عليه وسلم ولا اصدق منه في البشر  حيث لقب قبل البعثة بالصادق الامين ، ولقد تجلت فيه الرجولة فعلم الرجال وربى الرجال وهو الذي قال: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك فيه ما تركته"

في الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال الحقيقيين ،عند الفتن نحتاج إلى رجال يثبتون على الحق ويدافعون عن الحق ولا يخافون في الله لومة لائم. ، كيف ؟  "  قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ "  المائدة
والرجولة تتعدد المعاني ،فقد  يفسرها البعض بالقوة والشجاعة، ومنهم من يفسرها بالزعامة والقيادة والحزم، ومنهم يفسر الرجولة بالكرم ، ومنهم يقيسها بمدى تحصيل المال والاشتغال بجمعه، ومنهم من يظنها حمية وعصبيةً ، ومنهم من يفسرها ببذل الجاه وقضاء حوائج الناس ..

ولذلك كان رسل الله إلى الناس كلهم رجال : "  وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا " يوسف 

الرجولة قوةٌ في القول،  ومسارعة في الخير ، وكلمة حق عند سلطان جائر "  وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ  " غافر

 
الرجولة صمودٌ أمام الملهيات، واستعلاء على المغريات ، وبعدا عن السيئات ،  حذراً من يوم عصيب يشيب فيه الولدان وتتبدل ،  الأرض غير الأرض والسماوات "  رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ  " النور

 
الرجال لا يُقاسون بضخامة أجسادهم وبهاء صورهم، وعلو اصواتهم ، فعن علي بن أبي طالب قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود  فصعد على شجرةٍ أمره أن يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة فضحكوا من دقة ساقيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من دقّة ساقيه؟! إنّهما أثقل في الميزان من جبل أحد ،   رواه أحمد وصححه ابن حبان

الرجولة انحياز لمراد الله ، ومساعدة عباد الله ، ودفاع عن أولياء الله  كيف ؟!!  " وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ" القصص 

الرجولة في قاموس عمر بن الخطاب : لما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في فتح مصر كتب إليه: أما بعد : فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد .

و في دار من دور المدينة جلس عمر بن الخطاب إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: تمنوا ؛ فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهباً أنفقه في سبيل الله. ثم قال عمر ا: تمنوا، فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به. ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: ولكني أتمنى رجالاً مثلَ أبي عبيدة بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله.

 
الرجولة في ميزان رسول الله صلي الله عليه وسلم : ليست في المال او الجاه اوالمنصب إنما الأعمال الفاضلة والأخلاق الحسنة والإيمان القوي ، كيف ؟!!

مرّ رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن يُنْكح، وإن شَفَع أن يُشَفّع، وإن قال أن يُسْتمع له. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن لا يُنْكح، وإن شَفَع أن لا يُشَفّع، وإن قال أن لا يُسْتمع له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذا " صحيح البخاري

الامة في حاجة الي رجال ، والاسلام لا يقوم بتعاليمه ولا يحفظ مبادئه ، ولا ينهض بأوامره ، ولا يدافع عن حقوقه  الا رجال عمالقة وابطال صامدون ،

لقد حاصر خالد بن الوليد  - الحيرة -  فطلب من أبي بكر مدداً، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: لا يهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل!

لقد صرخت امراة في عهد المعتصم وا اسلاماه ... فلما وصلته الصرخة جيش جيشا جرارا لنجدتها ونصرتها قائلا قولته المسهورة لمن اسرها وظلمها : أطلق صراحها والا جئتك بجيش اوله عندك وآخره عندي ....

فكان وقع الكلمات اشد ايلاما من وقع الرصاص ووخذ السيوف ، فاطلق صراحها فورا ...!!

اما الان فالمساجد تشكوا الي الله قلة عمارها والمصاحف تشكوا الي الله هجرها ، والمؤسسات تشكوا الي الله فسادها ، والشوارع تشكوا الي الله فسقها ... فلاعجب ان يعبث العدو في جسد الامة كيف شاء !!

رغم كثرة المنتمين الا ان هناك ندرة في المدافعين عن الدين ...!!

صرنا - للاسف الشديد -  في زمنٍ فقدت فيه الأمة أخلاق الرجولة ، ، وتخلت عن المبادئ المعقولة ، وتمسكت بالعادات المنقولة  ، تخلت عن القيم العالية والآداب الرفيعة والاخلاق الحسنة ، الا ما رحم ربي ،  وصرنا نرى أشباه الرجال في كل مجال ، غثاءً كغثاء السيل :

 
يثقلون الأرض من كثرتهم

         ثم لا يُغنون في أمر جلل.

في كل ارجاء الوطن العربي والقطر الاسلامي ..

كم من امرأة تصرخ واسلاماه ... ولا مجيب .. !!

وكم من فتاة تصيح وامعتصماه ... ولا مجيب ..!!

بل ان الثوب الاسلامي يتمزق ، والجمع العربي يتفرق ، والصف المدافع  يتشقق ...!!

قد اسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لم تنادي ..!!

يوما قرأنا عن نسوة كانوا رجال ...!! والا فاين هاجر زوجة ابراهيم عليه السلام  ؟!! واين اسية زوجة فرعون عليه اللعنات والسام   ؟!! أين سمية بنت ياسر  ؟ واين نسيبة بنت كعب  ؟ واين ام سلمة ام المؤمنين ...!! أين .. واين ..؟!!

لن يقوم الدين الا علي اكتاف رجال "يحبون أن يتطهروا" ولن ينتصر الاسلام إلا برجال "صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" الاحزاب

إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيهم الراحلة !!

الذكور بالملايين ... لكن اين منهم الرجال ..؟!!

رحم الله من قال : " يا له من دين لو كان معه رجال "