مسلحان بالعلم والتجربة والتحدي استطاع التوأمان التونسيان فريد وفؤاد كامل أن يحققا حلم حياتهما في صنع طائرات خفيفة تسير بطيارين، فرغم كل العراقيل الإدارية التي أحبطتهما أصبحت منتوجات شركتهما في الطائرات الصغيرة المصنوعة بأيد تونسية تزاحم شركات أجنبية رائدة في هذه الصناعة الذكية.


في كل يوم يذهب التوأم الأكبر فريد إلى العاصمة تونس للتفاوض مع مسؤولين إداريين آملا الحصول على التراخيص اللازمة، بينما يشرف أخوه فؤاد على مراحل صناعة الطائرات في ورشة أقيمت بمنطقة برجين -إحدى قرى مدينة سوسة الساحلية- ليراقب بدقة معايير الجودة والسلامة المصادق عليها.


يتنقل فؤاد باستمرار في ورشته الصغيرة بين مكتب دراسات أقيم بالمصنع ليناقش مع مهندسين شبان منغمسين في حواسيبهم آخر التصاميم والابتكارات في صنع الطائرات الخفيفة، ثم يتوجه لمتابعة مجموعة من التقنيين المنشغلين بثقب لوحات من الألمنيوم أو تركيب قطع وأجزاء الطائرات.


تشبه الأجواء في ورشة صناعة الطائرات الصغيرة الأولى من نوعها بتونس أجواء عائلة واحدة منصهرة ومتعاونة، فالكل يثابر بروح من التفاني والدقة اللامتناهية خلال تصميم وصناعة وتركيب طائرات وضعت على أجنحتها الخلفية راية تونس لتغزو بعدها أسواقا عالمية متطلبة مثل أميركا وأوروبا.


انطلقت فكرة المشروع منذ أن حلم فؤاد وفريد منذ الصغر بالطيران مثل أبيهما الذي كان ضابطا في جيش الطيران التونسي، وساعدهما امتيازهما التعليمي واختصاصهما الجامعي في الأنظمة المعلوماتية والذكاء الصناعي على خوض تجارب مع شركات عالمية قبل أن يقررا بدء مشروع في صناعة الطائرات.


يقول فؤاد (33 عاما) إن دافع الحماس -الذي اتقد بارتفاع منسوب الحرية بعد الثورة- جعله وأخاه يقتحمان عالم صناعة الطائرات الصغيرة فأسسا شركتهما الأولى في سنة 2012 تحت اسم "أوكسجين آيرونوتيكس"، بيد أن استحالة الحصول على التراخيص اللازمة بسبب "العراقيل الإدارية عطلت المشروع".


لم يستسلم التوأمان للعراقيل وواصلا مشوارهما بثبات وعزم حتى تمكنا عام 2014 من اقتناء شركة إيطالية مقيمة في تونس مختصة في صنع الطائرات الصغيرة واجهت ركودا ومصاعب مالية فعملا على تطويرها وتحسين جودة منتجاتها وتخفيض أسعار بيعها "حتى أصبحت تمتلك قدرة تنافسية عالية"


اشترى التوأمان الشركة الإيطالية "أفيوناف" بتمويل ذاتي منهما ومن بعض أصدقائهما المهندسين حسب فؤاد الذي أكد للجزيرة نت أن الصفقة كانت مربحة بفضل رواج المنتوج وثقة الزبائن بالإنتاج التونسي وانخفاض تكلفة اليد العاملة التونسية مقارنة بكفاءتها التي جعلت شركات طيران عالمية تستثمر في تونس.


واستطاعت الشركة بعد ركود أن تصدر عشرات الطائرات إلى أميركا وأستراليا وإيطاليا وفرنسا وباكستان والسعودية لاستخدامها في الرش ومراقبة الحدود والغابات والترفيه بفضل مهارة المهندسين التونسيين حتى أن منافسين للشركة أصبحوا يطلبون منها أن تصدر لهم هياكل وبعض قطع الطائرات، حسب فؤاد.


وما عدا محركها المستورد من شركة كندية يقوم المهندسون التونسيون بتصميم وصناعة وتركيب بقية أجزاء الطائرة التي تزن خمسمئة كيلوغرام، وتصل سرعتها حتى 280 كلم في الساعة وتطير بلا انقطاع على مسافة 1600 كلم. ويعتمد المصنعون في تونس على مواد أولية مستوردة مثل الألياف الكربونية والألمنيوم.


ويعود الفضل في تسويق الطائرات -التي يبلغ ثمن الواحدة منها 85 ألف دولار- إلى المالكين الإيطاليين الأصليين للشركة اللذين بقيا بعد بيعها بصفة ممثلين تجاريين، حسب فؤاد الذي كشف عن أن هناك تطورا في عملية المبيعات التي تتم فقط من الخارج نظرا "لعدم موافقة السلطات التونسية على أن يتم البيع داخل البلاد".


وبشأن هذا يقول فؤاد إن "مستثمرا تونسيا طلب شراء إحدى الطائرات لاستخدامها في الرش الفلاحي، لكن السلطات التونسية رفضت منحه الترخيص لاقتنائها، فأجبرنا على تصديرها إلى أحد شركائنا بفرنسا حتى يتمكن المستثمر من الحصول على ترخيص لتوريدها وهذا تسبب لنا بنفقات شحن إضافية".


ويشتكي فؤاد من وجود عراقيل إدارية تحول دون حصول شركته على تراخيص لاختبار الطائرات الصغيرة فوق الأجواء التونسية، إضافة إلى رفض السلطات منح تراخيص للبيع في تونس، ووجود محاولات لدفعه إلى تقديم رشاو من قبل جمركيين لتسهيل عملية التصدير، على حد قوله.