عزت النمر :

 

حينما يطول غياب المرء في غيبوبة ما ويُفِيق من سكرةٍ طال أمدها يجد نفسه محاط بحشد كثيف من الأسئلة والاستفسارات, بعضها يجد له إجابات والبعض الآخر لا يجد لها إجابة أو تفسير إلا حالة من لوم النفس وتوبيخها وربما الندم.

تزداد حدة الندم والملامة كلما كان الشخص نفسه مسؤول بدرجة ما عن غيبوبته التي عاشها وحالة فقدان الوعي التي قَبِلها وتَشَربها.

حالة تُشَابِه ذلك أعيشها منذ فترة تتعمق وتزداد كلما أوغلنا في تداعيات الانقلاب العسكري و"غرزنا" في طينته الداكنة ووحله القذر.

ناتج هذه الحالة أسئلة كثيرة مُحَيِّرة لا أجد من يجيب عنها خاصة وأنا أتقلب بين من هم في مثل حيرتي واستفاقتي، وبين من لا زالوا في غيابات الحيرة وتيه الرضا الزائف والاستسلام للواقع والقبول بالأوهام وربما الفخر بالسقوط والتردي.

سأتجاوز الأسئلة الكثيرة التي تلح علي وتداهمني وأحاول أن أجمعها جميعاً في سؤال واحد تأخر كثيرا لكنه أهمها على الإطلاق وهو : ما هي مهام الجيش المصري اليوم ؟!.

وكي لا نُصَعب المسألة على أنفسنا تجاوزنا السؤال عن تلك المهام في الأمس ومنذ زمن غير بعيد , وقَبِلنا أن نُركِّز على واقعنا المعاصر وحالتنا الراهنة ونحاول بقدر ما نستطيع تفكيك بعض تفاصيل المشهد لنصل إلى أسباب السؤال لأنه إجابته قد تفضي إلى استنتاجات محبطة ونتائج كارثية!!.

السيسي الذي هو في موقع رئيس الجمهورية كما يقول كل كذوب أفاك، ويقولون كذلك أنه مدني !!.

خطاباته يُفترض أنها موجهة إلى الشعب المصري. ما الذي يجعل قدرها المحتوم أن تتكرر في قاعات شبه عسكرية تغص بالرتب والقيادات العسكرية في حضور وزير الدفاع ورئيس الأركان؟!.

في مشهد كهذا لا تكاد ترى من المدنيين الا قلة نادرة الوجود خاملة النشاط ضعيفة الأثر وسط جمهرة كثيفة من العسكريين ببزاتهم المموهه.

حتى أولئك المدينيين بأعدادهم الهزيلة ربما سيفقدون قوتهم إذا دققت النظر لتكتشف أن معظمهم من كتيبة الحرس الخاص بالسيسي, وهي بالمناسبة حشود ضخمة لا تكاد تفارقة حتى في زياراته وتواجده داخل مقرات الجيش بما يدعو للتساؤل والاستغراب، بينما يداهمك الغيظ والغضب لأعدادهم المستفزة التي تحوط سيسيهم اذا لا قدر الله دلف إلى مسجد.

لن أسأل عن ما تبقي من مدنية الدولة التى تَغَنَى بها كثير من "الليبراليين" , ولن أنخرط في هذا اللغط الذي استهلك الجميع بسذاجة شغلتنا عن التفرقة بين الليبرالية الجادة المقبولة وبين الخيانة والعمالة والتواطؤ الذي قامت بها جموعهم الملعونة للانقلاب على ديمقراطية الدولة ومدنيتها لأنها أتت بالإسلاميين إلى سُدة الحكم.

مرة أخرى السؤال الذي أراه حاضراً وبقوة ـــ في هذا المشهد العسكري بامتياز وفي ذلك الحضور الكثيف للرتب العسكرية ــ ما هو الدور المنوط بالجيش المصري حقيقة في لحظتنا الراهنة وواقعنا المباشر؟!.

الخلفية الكثيفة المتكررة للحضور من قادة في سلاح المدفعية أو ثلة من الرتب العليا في الدفاع الجوي أو مجموعة من الضباط الكبار في المشاة أو البحرية أو الجوية أوغيرهم .. ما الذي تضيفة لمشهد افتتاح كوبري مثلاً أو عند الحديث عن انتاج "غيط" من القمح أو أيا من "الفناكيش" المملة التي يتحفنا بها السيسي ونظامه كل حين؟!.

ما هي المهام الأصلية (العسكرية) لهؤلاء القادة العسكريين الذي ينتقلون مع كبيرهم في كل ناحية ومع كل حدث؟!.

هل فعلاً لهم مهام عسكرية أصلاً أم أن مهمتهم العسكرية و" تمامهم" أصبح الهتاف لربهم الأعلى والتصفيق له ؟!.

أليس لهؤلاء مهام يجب أن يؤدوها وأعمال متخصصة يفترض أنهم يقومون عليها وفق خطط عسكرية طويلة وقصيرة المدى ومتابعات للأحداث المحيطة في منطقة تشتعل حروباً من شرقها لغربها وتحتاج إلى الإنتباه ورفع درجة الاستعداد القتالي لحدودها القصوى والترقب والحذر لكل ما يقع حولنا من تقلبات؟!.

هل غيابهم عن تلك المهام الأصلية مقبول ويستدعيه ويبرره حضور مناسبة اجتماعية أو شهود حفل فني راقص أو متابعة مسرحية ساخرة سواء أكان يؤديها فنانون تقليديون أو قام بتأديتها نيابة عنهم ممثل عاطفي برع في تقديم أدوار كوميدية وألوان سخيفة من فنون السهوكة والتسبيل؟!

للأسف ليست هذه هي كل الصورة, وإنما هي بعض جوانبها وفي البعض الآخر رتوش ومنحنيات أشد كارثية وأعمق خطراً وليست خافية على أحد وأصبحت نميمة المدينة وحديث الركبان.

من ذلك الحديث المتواتر عن إشراف إدارة التوجيه المعنوي على جوقة التطبيل من إعلاميين وصحفيين، وتتكفل جهة سيادية ما تنطلق من مكتب السيسي نفسه في طرد وتفنيش كل من يتمرد على الأوامر العسكرية والتكليفات الاعلامية أو يؤديها بغير الحماسة اللازمة و"التعريض" الواجب.

حديث شهير كذلك عن جهة سيادية كبرى قامت بطبخة برلمان الحسرة والندامة بدءاً من ترشيحاته وتعييناته ومكافآته وانتهاءً بالمداخلات وطلبات الإحاطة وقرارات الفصل.

الأمر الذي حول المجلس المنوط به الرقابة على السلطة التنفيذية إلى مصطبة للحكاوي ومقهى للمغفلين والعاطلين ومسرح كبير معني بإنتاج أسخف فصول الكوميديا والمسخرة , ومسوغات الألش.

بعض النمامين لم يُنسوا ما تم تناوله عن إدارة جهاز "المخابرات" لكتائب من المجرمين والبلطجية وقُطَّاع الطرق تُستَخدم وقت اللزوم في ترويع وملاحقة الخصوم , ويُستفاد منها في أوقات أخرى للتلاعب بالرأي العام وتوجيه الوعي الجمعي للشعب.

مازال في جعبة النمامين الكثير لكن ما سبق يكفي ويفيض ويجدد ذات السؤال ويبحث له عن جواب..

اذا كانت هذه هي المهام الفعلية التي تقوم بها كتائب الجيش والأجهزة السيادية وأجهزة المخابرات فما هي وظيفة الجيش ودوره المعتمد؟!.

ما يدور في محيطنا ونراه في واقعنا لا يدع لنا مهرب من حقيقة واضحة أن الجيش المصري ومخابراته الذكية العتيدة يعيشان في أجواء حرب حقيقية مُعلَنة مع الشعب المصري وليست ضد أي طرف خارجي.

إذا كان الأمر كذلك !!.. فما هو مفهوم الأمن القومي المصري إذن ؟! ..

أهو حماية مصر الدولة والوطن من الأخطار الخارجية والمتربصين بها وبأرضها وسمائها؟!.

أم أنه شابه التشويه والتزوير فأصبح حماية الأجندات الخارجية والرؤى الأجنبية وبالتحديد الاسرائيلية والأمريكية ضد استقلال الشعب وإرادته الحرة؟!.

هل تطور الأمن القومي إلى الحد الذي تصبح معه مهمة الجيش المصري وأجهزته السيادية العليا هي مُحَاصرة الشعب ومنعه والأخذ على يديه حتى لا يتخطى حدوده ويختار بإرادته من يحكمه ويسوسه ويتحدث باسمه؟!.

أسئلة كثيرة أحملها ويحملها الشعب المصري نتعاطاها بكل العجب والغضب حول جيشنا وقياداته وأجهزته السيادية .. أهم مجموعة من رموز الوطنية وأسود الحرب أم أنهم قطيع من العملاء والخونة والقطط السمان؟!!.

@EZZATNEMER

[email protected]

https://www.facebook.com/ezzat.elnemr.9

 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر

 



نرجوا من كتاب موقعنا الكرام وزوارنا التواصل معنا عبر البريد الإليكتروني الجديد: [email protected]