توفيق منصور :

 

دون الكاتب القريب من متخذ القرار السعودي جمال خاشقجي بعد ساعات قليلة من تصويت مصر بمجلس الأمن لصالح روسيا ضد مصالح سوريا وبالمخالفة للارادة الخليجية والعربية الواضحة في هذا الشأن فكانت تدوينته ليست كلمات من صيد الخاطر بل معبرة بالفعل على كثير من الساسة العرب وبعض حكام الخليج بصفة خاصة وهذا ما تؤكده الأحداث والوقائع، لقد ذكرنا في تدوينته بتلك الحملة الإعلامية التي صدرها البعض ضد الرئيس محمد مرسي بأنه يتقارب مع إيران ضد مصالح الخليج ويتحالف مع العدو الصهيوني وليس أدل على ذلك من خطابه الشهير (عزيزي بيريز).

ورغم أن خاشقجي قد انتقد ذلك التصويت المهين للعرب بعبارات لا تزعج السيسي بل تعاتبه بعبارات رقيقة مثل (فخامة الرئيس) لكنه في ذات الوقت عبر عن أمنيته التي قال فيها (أحياناً، أتمنى لو يختفي "الاخوان" حتى نختلف بمنطق، ونخطط بحكمة، ونتحرر من مخاوف متوهمة ما يعطل حسم معاركنا وتشكيل تحالفاتنا المفيدة)، لم يتمنى اختفاء العسكر الذين حولوا مصر إلى بركة من الدماء وسجن كبير للأبرياء، وكيف له ذلك وهو يعلم أن للسعودية يد في تمكنهم من الاستيلاء على السلطة في مصر بقوة السلاح، وله الحق في ذلك فشأن الشعب المصري الذي يعاني ليلاً ونهاراً لا يشغل بال غيرهم، ولكن ما استغربه أنه لم يتمنى اختفاء العسكر أيضاً بعدما جعلوا مصر خنجراً في ظهر الأمة العربية والاسلامية، وبعد استنزاف دول الخليج، أو عندما تسببوا بضعف جيشها وتحويله إلى شركة اقتصادية تنتج كل شىء ما عدا الأسلحة، ولم يلحظ أن سياسة مصر الانقلاب تقوم على الابتزاز والميل حيث الكفة الراجحة والتي قد تكون الأن في روسيا وإيران بعد قانون (جاستا) وبعد تعبير أمريكا عن انزعاجها من هجمات التحالف في اليمن بعد استهداف صالة العزاء فكان التصويت المصري منطقياً.

لم يتمنى كاتبنا الكبير زوال روسيا أو اختفائها والتي دخلت المنطقة بعتادها وسلاحها وجنودها لتحتل دولة عربية وتقتل شعبها، فكان استقبالها استقبال الفاتحين ولم تنقطع الزيارات المكوكية منها وإليها، أو زوال أمريكا التي تلوح بالعقوبات والتعويضات على السعودية وتهدد تحالفها في اليمن.

ولكن دعنا نحترم أمنية الكثير في اختفاء الإخوان أو زوالهم حتى تنعم البشرية بالأمن والأمان، وحتى نتمكن من التخطيط الجيد لمستقبل الأمة!! ولنا أن نتسأل أين هم الإخوان في البلد الأم مصر؟ فمنذ أكثر من ثلاث سنوات والإخوان هناك مغيبون في السجون بلا محاكمات عادلة، صودرت أموالهم وجمعياتهم الخيرية، وسالت دمائهم مع غيرهم ممن طالب بحقه في الحرية والكرامة بمباركة خليجية واضحة، فهل لا يعد هذا اختفاءً قسرياً للجماعة المختطفة؟ وهل ساهم ذلك الاختفاء في التخطيط الجيد والنجاح المنظور وحسم المعارك التي تخوضها الأمة وهل اصبحت مصر بعدهم في مصاف الدول المتقدمة؟ أم أن اختفائهم حرم مصر من طاقات فكرية وسواعد شبابية كانت ومازالت حريصة على بناء بلادها وهذا أكبر جرمهم، وأوجد شرخاً اجتماعياً بين أبناء الوطن الواحد، وانشأ جيلاً داخل الوطن العربي والاسلامي يكفر بالديمقراطية ويرى أن سبيل التطرف هو الأنجع بعدما فشلت السبل السلمية، ويفضل الغرق في البحار عن البقاء في بلاد غارقة في الفشل والقهر، ولكن قد تكون الأمنية ليست اختفاء الإخوان في السجون والمعتقلات فقط بل التسليم للعسكر بلا مقاومة حتى ينعم بالاستقرار فربما قصر ذلك من مسافة السكة التي لا يعرف العسكر أبعادها أو اتجاهها، فهي تتغير كالحديد تجاه المغناطيس الجاذب له والمتمثل في الرز ومن يضمن البقاء. أم أن الاختفاء المقصود يتمثل في قيادات الإخوان التي يتم تصفيتها جسدياً في الداخل أو تشريدها في الخارج؟ فالجماعة الأم تعيش حالة تأزم داخلي أفقدها الكثير من مصادر قوتها، فهي لا تملك الأن شيئاً ملموساً سوى بعض الأصوات الإعلامية المقاومة والتي تنشغل بعضها بخلافاتها الداخلية.

ولربما كان اختفاء الإخوان في اليمن حافزاً للسعودية على حسم الحرب التي يشاركها فيها الإخوان فيشتتون الجهود ويعرقلون الخطط، ولربما استسلم الحوثيون أو تم بناء تحالفات قوية مع إيران ولعاشت الأمة في سلام وأمان، وتحررت اليمن، ولربما أوقفت إيران التي لم يتمنى أحد زوالها نشاطها النووي، ولانسحبت روسيا من المنطقة، ولاوقفت أمريكا آلة الحرب في العراق، بالطبع كل ما سبق لا يعوق تنفيذه الإخوان بل يمنعه من يتعامل مع الشعوب وكأنها أصفار توضع على شمال الرقم فلا تؤثر فيه مهما زادت أعدادها أو ارتفعت أصواتها.

من المؤكد إن تكرار التجارب الفاشلة بنفس الطريقة وبذات العقلية لن تؤدي إلى نتائج مختلفة، ولقد اعتمدت كثير من الدول الداعمة للانقلاب في مصر خططهم وتحالفاتهم على فرضية مشابهة لأمنية كاتبنا الكبير وهي أن زوال الإخوان واختفائهم خير طريقة للاستقرار والأمان فكانت النتيجة واضحة في مصر وبينة في اليمن ومأساوية في ليبيا، وكانت الهدنة الاضطرارية المؤقتة في اليمن بين التحالف التي تقوده السعودية وإخوان اليمن والتي من المؤكد أنها ستنتهي فور اعلان انتهاء الحرب لأنها قامت على غير قناعة بقبول فكرة الاسلام السياسي.

على نخبة الأمة ومفكريها أن يدركوا أن احترام كل الحركات والأفكار السياسية التي لا تتخذ العنف مجالا لفرض إرادتها لهو المنجى الحقيقي، وأن اختفاء الفكر غاية لا تدرك، ومحاربته بالبطش والقهر يزيد من انتشاره ويحوله إلى ما هو أخطر، وأن مناهضة الظلم والقتل ورفضه أياً كان فاعله هو السبيل الحقيقي لايجاد شعوب تنتمي لأمتها وتعرف عدوها، ولنا أن نتمنى اختفاء الظالمين ومن يبدلون الحقائق أويصمتون على نصفها، ولنتوقف عن حلم زوال الأفكار.

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر


نرجوا من كتاب موقعنا الكرام وزوارنا التواصل معنا عبر البريد الإليكتروني الجديد: ([email protected]).