د . فتحى أبو الورد:


كنت أتابع الأخبار فى بعض المواقع الإخبارية أمس؛ فاستوقفنى تصويت الكونغرس الأمريكي لمصلحة رفض نقض (فيتو) الرئيس باراك أوباما على القانون الذي يسمح لأهالي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 م بمقاضاة السعودية ، حيث صوت مجلس الشيوخ الأمريكي أولا لمصلحة رفض فيتو الرئيس بـ 97 صوتا مقابل صوت واحد، ومن ثم صوت مجلس النواب أيضا على رفض الفيتو بأغلبية 348 صوتا مقابل 76. وبذلك يصبح القانون الذي يحمل اسم "العدالة ضد رعاة الإرهاب" ساريا، ويتيح القانون رفع "قضايا مدنية ضد دولة أجنبية أو مسؤول أجنبي لطلب تعويضات عن إصابات أو موت أو أضرار ناجمة عن عمل من أعمال الإرهاب الدول كما نقل موقع ال بى بى سى.


وبغض النظر عن الملابسات الكثيرة والغموض الذى يكتنف الحادثة، ومدى موافقة هذا القانون للعدالة الدولية ، وكذلك إذا أغمضنا العين عن الدوافع التى ذهبت بالمشرعين إلى رفض الاعتراض الذى أبداه الرئيس أوباما على القانون ، فإن الذى يثير الدهشة أن أقصى ما أبداه تجاه رفضهم هو قوله: إن المشرعين ارتكبوا "خطأ" ، وغاية ما قاله الناطق باسمه "جوش ارنست" إن هذا يعد الفعل الأكثر إحراجا من مجلس الشيوخ ربما منذ عام 1983"، وذلك في إشارة الى نقض المجلس لفيتو رئاسي آخر آنذاك.


وسرعان ما تزول الدهشة حين نعلم أن الغرب سبقنا إلى تقليم أظافر حكامه، ووضع دساتير دقيقة لضبط مسالكهم، حتى صار الحكم بمؤسساته هناك بحق خدمة عامة يختار لها الأكفاء، كما أن الديمقراطيات الغربية وضعت ضوابط محترمة للحياة السياسية الصحيحة وضمانات شتى لمنع الطغيان، وتمكين ممثلى الشعب من النقد والمعارضة في أمان، حتى وإن كانوا هم أنفسهم يحولون بين الشعوب الأخرى وبين نيل حقوقها، وتقرير مصائرها، ويمنعون الشعوب من إقرار ما ترغب فيه ، ويفضلون دائما أن تركن إلى ما يملى عليها.

كما أن التطور الهائل في الهياكل الإدارية والنظم السياسية للدول الغربية المعاصرة من وزارات وهيئات ومجالس نيابية وجمعيات وأحزاب سياسية ونقابات وغيرها، هذا التطور وصف الدولة بأنها دولة مؤسسية أو دولة مؤسسات، وجعل القيادة جماعية، وإن كان على رأسها رئيس الدولة، والمسؤولية تضامنية فيما بين مؤسساتها، وأن الشورى أساس لاتخاذ القرارات ، وأن الشعب حين اختار الرئيس لم يجعل منه سلطة فوق القانون ، وأن موقعه كرئيس لا يمكنه من تخطى مؤسسات الدولة وهيئاتها المنتخبة أيضا من الشعب .

 أقول هذا والألم يعتصرنى حزنا على حال أوطانى التى استوطن فيها الفساد وعشعش ، وانتشرت فيها المحسوبية والمجاملات على حساب القدرات والمهارات ، والتى تصدرت فيها النفايات على حساب الكفاءات.


 آسى لأمة جعل القرآن الشورى بينها فريضة من فرائضه، ونزل عليها " إن خير من استأجرت القوى الأمين"  فى التوجيه لحسن الاختيار لمن يمثل الأمة فى الولايات العامة والخاصة ثم هى تتنكب الطريق، والتى رهبتها وحذرتها السنة بانتظار الساعة إذا ضيعت الأمانة قيل: يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة. ثم هى لا يحلو لها إلا أن إضاعة الامانة، والتى أرشدها النبى إلى أن " من ولي من أمر المسلمين شيئاً ، فأمَّر عليهم أحداً محاباة ، فعليه لعنة الله ، لا يقبل الله منه صرفاً ، ولا عدلاً ، حتى يدخله جهنم". ثم هى تعشق المجاملة، والتى أرشدتها التعاليم أن الحكمة ضالة المؤمن وهو أحق الناس بها أنى وجدها، ثم هى تدمن الذهاب إلى عكس الحكمة.


نظرت فى مجالسنا التشريعية بعامة فوجدتها ملأى بالعجزة وغير المؤهلين، ومن ثم لا ينتظر منها أداء أفضل مما هى فيه، ولا يستغرب  وضعها الحالى .


إن النبى حذر أبا ذر من الامارة لضعفه ، وإن عمر رفض أن يولى  أ عماراحين استشار فيه فقيل له : هو غير كاف ولا عالم بالسياسة.


متى نوسد الأمر لأهله فى أمتنا المبتلاة  ؟ ومتى يعتدل الميزان ، ويوضع الرجل المناسب فى المكان المناسب ؟ ومتى يكون معيار الاختيار ربانيا على أساس " إن خير من استأجرت القوى الأمين " .

 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر