عزت النمر :

الحديث عن الليبراليين في مصر حديث جد مُحَيِّر بأشد من الحيرة ذاتها.
لا يمكن أن نقول ذلك على كل الليبراليين حيث لن نعدم فيهم محترم أو منصف، لكن هذا الصنف تكاد تجده قليل أو نادر في بضاعة كثيرة كاسدة نَكِدة.
متاهات الحيرة تتملكنا حين نتقصى ما يريده الليبراليون في مصر؟! وما هي مراداتهم؟!.
كيف يتعاطون مع الأفكار التي يعلنونها والمبادئ التي يزايدون بها على غيرهم؟!.
كيف ينظرون إلى فرقاء الوطن من الإسلاميين الذين يفترض أنهم شركاء؟!.
ما هي رؤيتهم المحددة لنموذج نظام الحكم الذي يسعون إلى تطبيقه؟!.
كيف ينظرون إلى الشعب المصري الذي يريدون أن يحكموه؟!.


أسئلة كثيرة ومُحَيِّرة تنتاب من يُلْقِي بنفسه في متاهة البحث عن أجوبة لها عند الليبراليين الذين أعنيهم، مع أنها مسلمات ثابتة في الليبرالية الحقيقية وبدهيات واضحة عند أي ليبرالي متصالح مع نفسه وأفكاره أو صادق مع وطنه وشعبه وشركاء دربه.


ومن عجب أن تكون أكثر متاهات الحيرة والغموض عند الليبراليين في مصر هي الديمقراطية ذاتها, على الرغم من أنهم أكثر الناس ذكراً لها وترديداً لتعريفاتها ومصطلحاتها.
الديمقراطية عندهم ليست مجهولة أو غامضة ومع ذلك ابتدعوا شكلاً شائهاً لديمقراطية ملعونة ذات مقاس واحد يمنحهم وحدهم الحكم دون غيرهم وغير محدد المدة وبلا محاسبة أو تقييم.
ليس من حق أحد أن يسعى إلى الحكم من غيرهم، ولا من حق الشعب أن يحاسبهم مهما طالت مدت حكمهم ومهما كثرت رزاياهم وبلاياهم في أروقة الحكم وقصوره الوارفة ومنصاته الفارهة وكراسيه الوثيرة.
وإذا كانوا في الحكم فما يفعلونه هو الديمقراطية وعلى الجميع أن يتقبلها برضا وانسجام، مهما تجاهلوا تداول السلطة ومهما زوروا الانتخابات ومهما مارسوا استبداد أو إقصاء أو عدوان على الحريات ومهما شيدوا من سجون ومعتقلات ومهما سرقوا مقدرات الدولة ومهما أورثوا شعبهم من ذل وهوان.
لا بأس أن يتحالفوا مع العسكر ولا مشكلة أن يستخدموا الدين ولا غضاضة أن يساوموا الكنيسة، المهم أن تظل دولتهم العفنة القاسية المستبدة، وعلى الجميع أن يحترموا النظام ويقدروا الاستقرار وينعموا بالأمن الذي غالباً ما تقف حدوده عندهم ولا تتعداهم لغيرهم.
الشعوب عندهم هم من الرعاع والأتباع غير المؤهلين للاستشارة ولا المناقشة فضلاً عن حرية الإرادة وحق الإختيار أوتقرير المصير.
هذه هي ديمقراطيتهم اللعوب وها هي شعاراتهم عن الحريات والعدل والمساواة يدفنونها تحت أقدامهم ويُخِرجوا بدلاً منها دبابات العسكر وبياداته وهروات الأمن وأحذيته الغليظة وسياط الذل وأنظمة الإستبداد, ديمقراطية الإقصاء والاستحواذ والتسلط التي هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية المعروفة أو حتى عن تلك "اللبانة" التي طالما تلوكها ألسنتهم الكذوب ..
متاهة أخرى لليبراليي مصر تُضاف إلى متاهاتهم الكثيرة تلك العلاقة المشتبكة مع الإسلاميين، وهي من جانبهم علاقة محاربة وتصادم وإقصاء.
الإسلاميون عندهم تجار دين وطلاب حُكم وفزاعة للداخل والخارج ومنشقين وأعداء للديمقراطية وخونة على الوطن ومتآمرين على شعبه الوادع المستكين. وإن تواصلوا معهم أو التقوا بهم فيكون الاستعلاء والوصاية والمشارطة، ولا أدري ما السبب في كل هذا الغرور والتكبر!!, مع أن مفردات الواقع ومكونات المشهد تميل بكل تفاصيلها لصالح الإسلاميين.
التاريخ البعيد والقريب يشهد أن الشعب المصري طوال تاريخه يمنح الإسلاميين صوته في كل انتخابات، وأن القاعدة العريضة من الشعب المصري هي للإسلاميين دون غيرهم, وحتى في واقعنا القاسي حينما استدعى ليبراليو الغبرة دبابات الجيش ورهنوا الوطن لمجنزرات العسر وهروات الداخلية فإن الشعب تعفف وعزف عن المشاركة في أي استحقاق انتخابي منذ أحداث 3 يوليو المشؤومة.
لا يختلف في ماسبق أكانت انتخابات برلمانية أو استفتاء دستور أو كانت انتخابات وحدة محلية بعيدة في أقاصي الوطن أو حتى عُمُودية قرية.
ضِف إلى ماسبق تاريخ طويل من النفاق والتحايل والوجوه الكريهة الشائهة وبلايا ورزايا توصم مسيرة كثير من رموز ليبرالية شاركت في مسيرة الوطن فأورثته النكبات والخسار, وعلى الجانب الآخر هناك للاسلاميين صفحات بيضاء وأيادي طاهرة ورموز محترمة تجلل صفحات التاريخ الوطني الحقيقي في المقاومة والدفاع عن استقلال الشعب وشرف الوطن وعزة الأمة.
 إذن بعد كل هذه المقابلات التي يؤيدها التاريخ ويثبتها الحاضر ؛ ما الذي يجعل الليبراليين يستعلون ويشترطون على الإسلاميين ويمارسوا شهوة التسلط والوصاية غير المستحقة عليهم؟!!.
أعتقد أن إجابة السؤال الأخير تمثل الحيرة الأشد ليس فقط في مسلك الليبراليين، لكن مصدر الحيرة الأشد هذة المرة في سلوك الإسلاميين وقادتهم!!.
إذا كانت المعادلة بهذا الوضوح والحسم ، لماذا يقبل الإسلاميون إهانات الليبراليين ويرتضوا الخضوع لسخافاتهم برغم شهوات الاقصاء البادية الجائرة؟!.
لماذا يحرص الإسلاميون إلى حد الاستماته على التوافق والاصطفاف الذي قد يكون مهين لهم، ويُظهِر في الصورة الليبراليين كأنهم يأنفون من الاصطفاف معهم وإن رضوا به فعلى شروطهم وبمنتهى الدلال والكِبر؟!
يبدو أن الحيرة هي سمة المشهد الحالي في نخبة الوطن، كما أنها ستظل سمة مستقبلنا القريب مالم نبحث عن ذواتنا ونمارس استقلالية مستحقة ونسعى إلى مفاصلة عِزَّة, وتمايز استغناء وإباء.
إلى ذلك الحين سنظل نردد : لله في خلقه شؤون!!
@EZZATNEMER
[email protected]
https://www.facebook.com/ezzat.elnemr.9

 

 

المقالات المنشورة في نافذة مصر تعبر عن رأي كتابها، ولاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع