خميس النقيب

يستعد العريس ويرتدى ملابسة وينظم هندامه ويظهر فى ابهى حللة، وينتهى ليحضر رفاقة،  وتبدأ الزفة،  يحضر عروستة والتى كانت هى ايضا بمنتهى السعادة فهذا هو اجمل أيام حياتها الذى طالما انتظرته وحلمت به منذ الصغر وارتدت الفستان الأبيض واستعدت بأجمل إطلالاتها لعريسها ولحياتها الجديدة،  لكن الحياة الجديدة  قدر لها ان تكون هناك عند الله بعيدا عن دنيا العبيد،  بعيدا عن منغصات الحياة، بعيدا عن هموم الدنيا ...!ا
انه مشتت الجماعات،  هازم اللذات،  عابر القارات، انه مفرق الأحباب،  متعدد الاسباب،  لا يعبآ بالالقاب او الانساب ..!! لا يرسل اشارة فينذر ولا يطرق بابا فيستأذن،  لا ترده امجاد ولاتؤجله اعياد،  " فإذا جاء اجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون "   الاعراف  ، انه الموت ..!! مهما انجبت من اولاد،  ومهما كنزت من اموال،  ومهما جمعت من اطيان، ومهما عشت من سنوات لابد من الموت كيف؟  
 عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به      [ أخرجه الشيرازي، و الحاكم، والبيهقي، عن علي ]
لابد لك من لقاء ربك  " يا ايها الانسان انك كادح الي ربك كدحا فملاقيه "  الانشقاق  ، اذن لا بد من الاستعداد للموت ..
"  وإن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً، و أحزمكم أشدكم استعداداً له، ألا و إن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، و الإنابة إلى دار الخلود، و التزود لسكنى القبور، و التأهب ليوم النشور  " ورد في الاثر
العاقل هو من فكر في مصيره،  في مستقبله،في قبره،  في لقاءه بربه   ..!!  قال احد الصالحين  : العقلاء ثلاثة  ، من بني قبره قبل ان يدخله،  من ترك الدنيا قبل ان تتركه ومن ارضي ربه قبل ان يلقاه ..
 الحدث الخطير الذي تنهد له الجبال وتنخلع له القلوب وتشيب منه الابدان  هو مغادرة الدنيا، هل فكرنا في المستقبل ؟ هل فكرنا في الانتقال من بيت إلى قبر ؟ هل سألنا انفسنا ماذا بعد الموت ؟ ما مصيرنا عد الموت ؟
سألوا طالباً نال الدرجة الأولى في الشهادة الثانوية، ما الذي حملك على هذا التفوق ؟ قال: لأن لحظة الامتحان لم تغادر ذهني أبداً...!!  فهل تفكرت ايها الانسان  في امتحان الاخرة؟ !! ان الموت ياتي بغتة لا يترك صغيرا اوكبيرا،  لا يهتم بغني او فقير،  ولا يعبأ برئيس او مرؤوس ..!!
شابان اخوان يعملان في المحارة متواضعان معروفين بالخير والصفاء،  يتيمان يعملان من اجل اخواتهما الستة،  يكدان من اجل الزواج والعفاف ..!! استعدا للزواج وحددا الفرح وحضر المعازيم وكل شئ علي ما يرام ..!! ذهبا لاحضار العروستين من بيتي ابويهما ..!! الي عش الزوجية،  وبينما هم في الطريق الي الفرح والاستقرار كان قدر الله اسرع وارادة الله اوقع واختيار الله انصع واسمع ..!!
 تعرض العروسان لحادث اليم فتوفي العريس ( شعبان )  وعروسته   ( بنت خالته )  وشقيقة عروسته  ( اسراء ونورة ) وسائق السيارة  ( ماهر ) ...!! اراد الله ان يكون موكب الزفاف من الدنيا الي الاخرة ..!!    اللهم اتم لهما الزفاف في الجنة ومتعهما بنعيم الجنة واحشرهما ومن توفي معهما مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ..!!  بقي اخوه يعتصر الما علي فقد اخيه وعروسه وشقيقته ليلة عرسه لكنه قدر الله ..!! وتحول الفرح الي ترح ..!! انها اقدار لكنها مأساة عاشها مركز ابوحمص بحيرة  الي جانب مآسي اخري كثيرة ..!!  من تهدم بيوت علي اصحابها نتيجة السيول  الي صعق للاطفال بالكهرباء في الشوارع،  الي ذبح عروسين اخرين بداعي السرقة،  الي حوادث الطرق التي لا تنتهي ابدا ..!!  وحسبنا الله ونعم الوكيل ..!! لكن الحدث الافظع هو موت العريس وعروسه واخرين يذكرون بالخير  خاصة السائق رحمهم الله رحمة واسعة والهمنا وذويهم الصبر والسلوان ..!!
نعم قرأت ابيات الامام الشافعي كثيرا لكنها هذه المرة كانت اكثر عمقا وتاثيرا في نفسي ..!!
تزود من التقوى فإنك لا تدري
        إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
 فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحك
         وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
 وكم من عروس زينوها لزوجها
        وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر
 وكم من صغار يرتجى طول عمرهم  
        وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر
 وكم من صحيح مات من غير علة
          وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
 انها لحظات خارقة ، وساعات فارقة ، وسكرات حارقة..!! ترتجف منها القلوب ، وتتزلزل عندها الابدان ، وتنخلع منها الصدور ..!! تحتاج الي ايمان ثابت وصبر جميل وحكمة بالغة ...!!
أن تجد الإنسان أمامك قلبا نابضا ، لسانا ناطقا ، وجها مشرقا ، إرادة تملأ الدنيا ..!! ثم  من بين الأبناء والأصدقاء ..!! من بين الأطباء والاحباء .. من بين الغرباء والأقرباء ، من بين الأغنياء والفقراء.. يأتي مخلوق لا يراه احد ولا يشعر به احد...فجأة.. وفي لحظات تجد هذا القلب النابض قد توقف ، وهذا اللسان الناطق قد سكت ، وهذا الوجه المشرق قد ذبل ، وهذه الإرادة القوية قد تلاشت ..!! ماذا حدث ؟ !! هنا حار العلماء .. وسكت الأنبياء .. ورد رب الأرض والسماء " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً "(الإسراء:85
) .. ماذا جري ؟!! " قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ "(السجدة:11) إنها لحظات الرجوع " وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ " (البقرة:281)
انها لحظات يحتاج الإنسان إلي من يأخذ بيده .. إلي من يشد من أزره ..إلي من يثبته .. إلي من يطمئنه .. علي من ماضيه وحاضره ومستقبله ..!! علي ما ترك من أولاد وأموال .. وعلي إجابة السؤال .. وعلي مصيره الذي سينتقل إليه - حتما- مهما كانت الأحوال ..!! من له بذلك ؟!! انه عمله .. ما قدم لأخرته من زاد .. وما هيأ لنفسه من ختام.. ما التزمه من تعاليم الاسلام  وما عليه استقام ..!! " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ "(فصلت:30-31)   كيف نستقبل الموت ..؟!! ماذا قدمنا اليوم لذاك اليوم ؟ ماذا قدمنا لتلك اللحظات ؟!!.. هل زرعنا لنحصد ما زرعناه ؟ هل غرسنا لنجني ثمار ما غرسناه ؟ أم فرطنا واضعنا ..أم غفلنا واعرضنا !! اليوم العمل وغدا الحساب .. اليوم الزرع وغدا الحصاد ..اليوم الغرس وغدا جني ما غرسناه..!!
        إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا                  ندمت علي التفريط في زمن البذر
 لقد سئل الإمام الشافعي رحمه الله رحمة واسعة كيف أصبحت يا إمام ؟ قال :أصبحت عن الدنيا راحلا ، وللإخوان مفارقا ،ولسوء عملي ملاقيا ،ولكأس المنية شاربا ، وعلي الله واردا ، ولا ادري روحي تسير إلي الجنة فأهنئها أو تسير إلي النار فاعزيها .
اللهم ارحم اموات المسلمين وارقنا الصبر والسلوان ..اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وعند الموت شهادة وبعد الموت حنة ونعبما ...

 [email protected]