خميس النقيب


الهجرة نماء وسعة  :  الهجرة حركة والحركة بركة والبركة نماء وسعة  " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة .." النساء،  
الهجرة انواع  :  فهناك من يهاجر لطلب الرزق ،  ومن يهاجر لطلب العلم ، ومن يهاجر لطلب الامن  ، ومن يهاجر لطلب السياحة والمتعة ، ومن يهاجرفرارا بدينه ، واعظم الهجرة هجرة الانبياء والمرسلين ومن علي دربهم من التابعين والمؤمنين ،  الذين يؤمنون بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا ..
يهاجر المؤمن مواجها الاخطار ومجابها الاشرار ومرابطا  بالليل والنهار، نعم فهجرة الصحابة الكرام لم    تكن رحلةً ترفيهيَّة، أو جولةً سياحيَّة، أو نقلةً استكشافيَّة، كلاَّ، وإنما هي خروجُ رجلٍ آمِنٍ في سِربِه، قَرِير في بَيتِه، قانعًا برزق ربِّه، حامِلاً وَلدَه إلى مصيرٍ مجهول، ومكانٍ معزول، وطريق موعور، لا يَدرِي أيهلك أوَّل الطريق أو آخِره، لكنَّه يذهب برضا نفسٍ ونَقاء سريرة؛ يذهب لأنَّه يحب دعوته ويحب اسلامه ويحب ربه و يحبُّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31 ، ليس من اجل دنيا يصيبها او امراة ينكحها وانما يهاجر حفاظا علي عقيدته وحماية لدينه وصيانة لايمانه وصناعة لعطائه وابداعه ، انه الإيمان الذي يزن الجبال ولا يطيش ، إيمان بالله  " وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "  القصص
إن من أعظم الهجرات وأعلاها مقاماً هجرة الأنبياء والدعاة، وممن هاجر من الأنبياء نوح وإبراهيم ولوط وصالح وموسى ومحمد عليهم السلام .
ومحمد - عليه الصلاة والسلام - مكث يدعو قومه في مكة ثلاثة عشر عاماً فما استجاب لدعوته إلا القليل حتي هاجروصحبه الكرام  الي يثرب ، بينما هاجر الصحابة الهجرة الاولي الي الحبشة .  
الهجرة عبرة وعظة :  الهجرة موسم من مواسم الطاعة، وملحمة من ملاحم الدين، ومرحلة من مراحل الإسلام، يجب أن يعيشها المسلم، ويحياها المؤمن، ليأخذ منها الدرس والعبرة، ويستخلص منها السلوك والتطبيق، ما إن بدأ التنفيذ حتى مضت مواكب المهاجرين نحو الموطن الجديد.. دار الهجرة.. ونزلت الآيات الكريمة تأمر بالهجرة وتوضح فضلها منذ السنة التي وقعت فيها لغاية سنة 8 ه- عند أوقفت الهجرة بعد فتح مكة،  ابقاها معنويا والغاها جغرافيا ..!! 
الهجرة اوزاع : فهناك من يهاجر بوازع ثقافي كالهجرة من اجل تحصيل العلم،  وهناك من يهاجر بوازع مادي كالهجرة من اجل تحصيل المال وتخسين المعيشة،  وهناك من يهاجر بوازع الحفاظ علي الدين واتقاء الفتنة كالهجرة فرارا من الظلم والبطش والقتل،  وهناك من يهاجر بوازع سياحي ديني كالهجرة الي الحج،  وهناك من يهاجر بوازع سياحي دنيوي امتاعي كالهجرة الي الدول للتعرف علي الحضارات والمقدسات،  وهناك من يهاجر بوازع ايماني جهادي كالهجرة الي الله ورسوله ...!!  وهذه الاخيرة افضل انواع الهجرة .
لذلك حاز المهاجرون والأنصار والذين ساروا على نهجهم وسلكوا طريقهم شرفاً عظيماً في الدنيا فضلاً عن ثواب الله ووعده الكريم، فقد اعتبروا أهل السبق في تأسيس دولة الإسلام فنالوا رضى الله والقربى منه ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾  التوبة: 100
الهجرة ابداع :  ابداع في وضع الخطة للوصول للهدف المطلوب والنتيجة المرضية ..!! كيف  ؟  الهجرة كان القائد هو محمد رسول الله ، وكان المساعد هو ابوبكر الصديق ، وكان التموين مع أسماء بنت الصديق ، وكان التمويه والتامين عامر بن فهيرة ، وكان الذي يأتي بالإخبار والإعلام عبد الرحمن بن أبي بكر ، وكان الدليل عبد الله بن اريقط   ولو كان مشركا ، وكان المكان المؤقت غار ثور وكان الوقت ثلاثة أيام،
وكان الطرق هو الساحل غير معهود ، هذه كلها أسباب تدل علي عبقرية النبي صلي الله عليه وسلم ، علاوة علي ذهابه لأبي بكر وقت الظهيرة ، وخروجهما من الباب الخلفي ، وعدم إذاعة سر الرحلة وتركه لعلي بن أبي طالب في منزله ..!!  لذلك لم يجد الخليفة الثاني عمر الفاروق رضي الله عنه افضل من ملحمة الهجرة وابداع الصحابة مع نبيهم فيها جهادا وسلوكا،  تخطيطا وتنفيذا، حبا وعطاء،  تضحية وفداء  ، حتي يؤرخ للامة بها ايامها،  ويرتب شؤونها،  وينظم حياتها،  ويثبت وقائعها فاعتمد  التاريخ الهجري الذي اهملناه نحن فزحزحه من مكانه التاريخ الافرنجي للاسف الشديد ..!!
 
وصل  رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة والناس في فرح وسرور بمقدمه صلى الله عليه وسلم لم نجد فرحاً وسروراً مثل ذلك، فكان لبنات الأنصار موقفاً مشرفاً حيث  ابدعن بإنشاد هذه الأبيات وهم في فرح وسرور:     طلع البدر علينا       من ثنيات الوداع   الي اخر الانشودة ..!!

القابض علي الإسلام كالقابض علي الجمر وذلك منذ القدم وحتى تقوم الساعة .. !!  فاليوم تجد من يهاجر بعيدا عن الظلم والاضطهاد،  بعيدا عن الغش الممنهج والنفذ بالقوة والفساد المستشري قي العباد والبلاد ،  بعيدا عن القتل و القمع والاسبتبداد،  حدث مع ابراهيم ومع لوط ومع موسي عليهم افضل الصلاة واتم السلام  ... حتي خرج ابراهم خائف يترقب من بطش الظالمين ..!!
 " وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال ياموسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين *   فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين " القصص
،   لذلك سيجد من يخرج مظلوما مضطهدا  فرجا ومخرجا،  سيمنح سكينة وطمأنينة،  سيجد معية ومنعة،  سيمنح اجر وثواب..!!  كيف؟  محمد صلى الله عليه وسلم في الهجرة يطمئن أبو بكر في الغار ما ظنك باثنين الله ثالثهما {لا تحزن إن الله معنا ، وهو الذي قال لابنته فاطمة رضي الله عنها إن الله مانع أباك وقال لزيد بن حارثة عندما أراد أن يعود إلي مكة بعد أحداث الطائف فقال زيد في دهشة أترجع إليهم وقد أخرجوك قال إن الله جاعل لما تري فرجا ومخرجا إن الله ناصر دينه ومظهر نبيه . ، في الهجرة من مكة، والنبي خارج من بلده خروج المطارد المضطهد فيغير الطريق، ويأوي إلي الغار، ويسير بالليل، ويختفي بالنهار ثم يتوكل عي ربه ويثق في حفظه فيحفظه ربه وينصره .
الهجرة معنوية قبل ان تكون مادية : كانت هجرة النفوس قبل البيوت ، هجرة القلوب قبل القصور، هجرة الأرواح قبل الأجساد ، إن رجل هاجر وهو ضعيف مريض عاجز فأدركه الموت في الطرق فقال من قال لو وصل المدينة وأكمل الهجرة لحاز الأجر كله فانزل الله قرانا يهدي النفوس ويطمئن القلوب ويضع النقاط فوق الحروف يربط الجزاء بالحركة ، ويربط الأعمال بالنيات ابتداء ... " وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً "(النساء:100) و رحمة الله لا ترتجى من الخمول والكسل إنما ترتجى من الحركة والعمل كيف ؟! " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "(البقرة218)
أما الاستضعاف والسكون والرضا بالذل والهوان يورد المهالك ويؤدي بصاحبه إلى سوء المصير كيف ؟! " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً "(النساء:97).
لا تَبقَى مع الظالمين أو المُنافِقين أو الكذَّابين، اهجُرهُم، إنها الهجرة بمعناها الواسع، ولا تَبقَى مع أرباب الذُّنوب والآثام، لا تستمرَّ في كهف المعاصي، بل انتَقِل فورًا إلى كهف الطاعات، تُدرِكك من الله بركات ورحمات ..!!
الهجرة حركة دائبة :  هكذا نجد أن الهجرة تبدأ بالحركة ، وأن المهاجرين - على كل المستويات وفي جميع الأوقات - دائما إلي ربهم يتحركون " فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "( العنكبوت:26) وإلى هدايته يذهبون "وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ "(الصافات:99) الهجرة أخلاق عالية ، ومعاني راقية ، وقيم رفيعة يجب أن نحياها ونعيشها على الطريق رغم وعثاءه وأشواكه.!! نحن اليوم في حاجة إلى هجرة أخرى كيف ؟ عَنْ أُمِّ أَنَسٍ ، أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوْصِنِي . قَالَ : " اهْجُرِي الْمَعَاصِيَ ؛ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ الْهِجْرَةِ ، وَحَافِظِي عَلَى الْفَرَائِضِ ؛ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ الْجِهَادِ ، وَأَكْثِرِي مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّكِ لا تَأْتِينَ اللَّهَ غَدًا بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ  .
الهجرة جهاد متواصل ونية خالصة وتغيير مستمر :  " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية .. ألغاها  النبي الكريم بالمعني الجغرافي و أبقاها بالمعني المعنوي حيث قال : "والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه .. أن يهاجر المهاجر من المعصية إلي الطاعة ، من الفردية إلي الجماعة ، من الكسل إلي العمل ، من القنوط إلي الأمل ، ، من الضعف إلي القوة ، ومن التسفل إلي القمة ، من الحصار إلي الانتشار، ومن الانكسار إلي الانتصار ، من الظلم الي العدل ، ومن العدل الي الفضل ، من الانكفاء علي الذات إلي الاهتمام بشأن المسلمين ، من التعصب بالرأي إلي النزول علي الشورى ، الهجرة سلوك واجب علينا أن نمارسه علي كل المستويات ، وفي جميع الأوقات ، وأخلاق عالية وقيم رفيعة يجب أن نحياها ونعيشها رغم طول الطريق ووعثاءه السفر ...
 
الهجرة يقين بالله وثقة في معيته  : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم   في طريق الهجرة  ، يتوجه إلي الله بكلماته ، ويستجلب نصر الله بآياته ، ويتحصن  ضد الشدائد بايمانه "
وجعلنا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ "(يس:9) خرج من بين أيديهم بعد أن نثر التراب علي رؤوسهم "..وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "(الأنفال:17) وصل الغار مع صحبه ..!! فوصلوا من خلفه  ، فقال ابوبكر لو نظر احدهم إلي قدمه لرآنا ..!! وهنا يتجلي عنصر الثقة بالله واصطحاب معية الله فلا يتوجه الا إليه ولا يستعن الابه ولا يتحصن الا بالركون إليه وحده   ..!! كيف ؟! " ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا..!!  معبة الله مع محمد صلي الله عليه وسلم في بدر في رمضان،  ومعية الله مع ابراهيم وهاجر عليهما السلام في الحج  ، ومعية الله مع محمد صلي الله عليه وسلم في الغار في الهجرة  ، ومن كانت معية الله معه فلا يضل ولا يشقي وانما ينتصر ويرضي ... فاذا كان الله معك فمن عليك واذا كان الله عليك فمن معك؟ !!
اللهم كن معنا ولا تكن علينا،  اللهم اعطنا ولا تحرمنا،  اللهم انصرنا ولا تخذلنا،  اللهم اجعلنا دائما مهاجرين اليك متوكلين عليك واثقين في معيتك وتوفيقك ونصرك  ...
 
 [email protected]