بقلم : مجدي مغيرة
 
لاحظت حيوانات المزرعة اختفاء كميات اللبن سريعا بعدما كانوا يشربون منها حتى الثمالة ،  وكذلك قَلَّتْ كميات التفاح كثيرا بعدما كانت تمتلئ منه البطون .
 
 في البداية كانت مجرد ملاحظة عابرة ظنا منهم أن بعض الحيوانات ربما شربت اللبن كله دون الإبقاء للقليل منه لباقي الحيوانات ، وربما لم تجد طعاما غير التفاح في المزرعة ، فأتت على آخره .
 
لكن الأمر استمر ؛ فقررت بعض الحيوانات متابعة الأمر لتعلم حقيقته ، وبعد قليل اكتشفوا أن الخنازير تستأثر لنفسها بكميات اللبن الكبيرة ، وبكل محصول  شجر التفاح دون غيرها من الحيوانات .
 
اعترضت أصوات قليلة في البداية ، لكن اعتراضها كان همسا .
 
 ومع الوقت تحول الهمس إلى صوت خفيض ، ثم صوت مسموع ، حتى عمَّ جميع أرجاء المزرعة .
 
  اتسع نطاق المعارضة ، وأدركت الخنازير - من خلال عيونها وآذانها المبثوثة في كل شبر من أرض المزرعة -  أن اتساع الأمر ربما أدى إلى أمور لا تُحمدُ عقباها  .
 
نشرت الخنازير إعلانا بجميع الصحف وجميع الفضائيات ، وعلى جميع صفحات التواصل الاجتماعي ، وعلى جميع مواقع النت التي يرتادها سكان المزرعة ..............
 
تضمن الإعلان ضرورة الاجتماع العاجل لجميع حيوانات المزرعة لمناقشة أمر هام يخص جميع حيوانات المزرعة الشرفاء .
 
تنادت جميع الحيوانات فيما بينها ، وأبلغ الشاهدُ منهم الغائبَ بضرورة حضور الاجتماع التاريخي ، وأهمية الاستماع لقائد المسيرة العظيمة ، والإنصات لكل كلمة ، بل لكل حرف مما سينطق به ، وضرورة فهم أبعاد الخطاب التاريخي الذي لاشك سيكون انعطافة كبرى في مسار حياة المزرعة ، وارتقاؤها إلى أعلى مدارج المجد والعظمة .
 
بدأ كبير الخنازير الكلام :
 
بَيَّنَ أمرا خطيرا أثبتته الحقائق العلمية!!!!!!!!!!
 
وأبرزته وقائع التاريخ !!!!!!!!!!!!
 
وصدقته تجارب الواقع !!!!!!!!!!!!!!
 
ألا وهو أن الخنازير كلها تكره اللبن كرها شديدا ؛ لما يسببه لها من حالات إسهال تُحَوِّلُ الخنزيرَ السمين إلى خنزير ذي جسدٍ هزيل !!!!!!!!!!!!!!
 
وأن طعم التفاح في فم الخنازير كطعم العلقم ، بل هو أشد !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
 
إلا أن الخنازير مضطرة لشرب اللبن ، وهي أكثر اضطرارا لأن تأكل التفاح !!!!!!!!!
 
وهي تعاني معاناة شديدة بسبب ذلك !!!!!!!!!!
 
وأن ذاك الاضطرار هو ما دفعها للاستئثار به دون باقي الحيوانات !!!!!!!!!!!!!!
 
لماذا؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!
 
لأن الخنازير هي من تدير شؤون المزرعة بما تتمتع به من ذكاء يفوق ذكاء باقي الحيوانات !!!!!!!!
 
ولتحتفظ الخنازير بذكائها الحاد المُسَخَّرِ لخدمة أبناء المزرعة ، والسهر لرعايتهم  ؛ فلابد – مضطرين ، آسفين ، متألمين - من شرب اللبن وأكل التفاح !!!!!
 
ولذا ، فالخنازير تضحي بمتعتها!!!!!!!!
 
وتؤثر راحة الحيوانات على راحتها !!!!!!!!!!!!! .
 
 وتضطر مُرْغَمة على شرب اللبن ، وأكْل التفاح ؛ حتى تستطيع الاستمرار في خدمة  شعبها العظيم ...شعب مزرعة الحيوانات !!!!!!!!
 
و ختم  كبير الخنازير كلامه فقال :
 
تحيا مزرعة الحيوانات !! .........
 
تحيا مزرعة الحيوانات !! .....
 
تحيا مزرعة الحيوانات !! .......
 
أعقب الخطابَ تصفيقٌ حادٌ من فريق كبير كان قد تدرب على ذلك قبل فترة ، وتم توزيعه بعناية فائقة وسط جمهور الحيوانات مابين مقدمة الجمهور ووسطه ومؤخرته ، وبين مجنباته يمينا ويسارا .
 
ثم أُعْقِبَ ذاك التصفيق  بالنشيد الوطني الذي طالما ألهب حماسة الحيوانات !!!!
 
استمعت الحيوانات لذاك الخطاب العاطفي المؤثر .
 
فَصَدَّقه بعضُهم ، وأثنى خيرا على ما تقوم به الخنازير من تضحيات من أجل باقي الحيوانات .
 
وسكت البعض الآخر لأنه لا يستطيع أن يصدق ما سمعته أذناه ، ولا يمتلك دليلا على كذب الخطاب ، ويفتقد الجرأة على الاعتراض على محتواه  .
 
وتشكك البعض ، لكن تشككه  كان همسا .
 
واعترض البعض بصوتٍ عالٍ ، معلنا أن الخطاب يحتوي على مغالطاتٍ كبيرة ، ويصطدم بحقائق ثابتة لا يجوز تخطيها .
 
 وبعد وقت ليس بالكبير .......... تم القبض على المعترضين وهم متلبسون بارتكاب جنايات خطيرة في حق أنفسهم ، وفي حق الوطن ، وقد اعترفوا جميعا بصحة ما ورد في مذكرة التحريات ، مبدين أسفهم على ما بدر منهم ، وندمهم على خيانة وطنهم ، وقدموهم للمحاكمة أمام القضاء العادل بتهمة تعريض سلامة أمن المزرعة للخطر.